للجامعات دور بالغ الأهمية في إيجاد الحلول والمعالجات العلمية لمشكلات التخلُّف في العديد من المجالات الحياتية، فالجامعة هي المنبر الأساسي لتوسيع المدارك وفتح آفاق واسعة للتفكير والبحث العلمي مما يحقّق تنمية القدرات العقلية. وبالرغم من المساعي الجارية للنهوض برسالة الجامعة وإيجاد مجتمع المعرفة الذي ينشأ عادة وينمو في رحاب الجامعات سواء في البلدان العربية أم الإسلامية؛ إلا أن أوضاع العديد من الجامعات لاتزال دون المستوى المطلوب من التطوّر، ولاتزال الهوّة قائمة بينها وبين التطوُّر الحقيقي المنتظر. فهناك مشكلة مناهج التعليم والنُظم التعليمية، وكذا القصور في الإدارة وتوفير الموارد المالية، وأيضاً في تأهيل الكفاءات العلمية من ذوي القدرة على تولّي مهمّة التدريس الجامعي، إضافة إلى عدم مواكبة البحث العلمي والتطوُّر المعرفي المستمر؛ وبالتالي ظل التعليم الجامعي والعالي في تلك الجامعات كما هو عليه من الضعف؛ وذلك واقع الحال الذي لا يسرُّ؛ وهو ما يؤكّده معظم العلماء المتخصّصين والمهتمين بأمر تفعيل دور الجامعات، مع أن كل ذلك يمكن معالجته عند توفر نيّة التغيير نحو الأفضل والسعي بجدية لتحقيق التقدُّم المنشود في شتّى المجالات. وهنا لابد أن نشير إلى أن الجامعة عادة ما تعكس الصورة الحقيقية للمجتمع، وتتأثّر بصورة سلبية أو إيجابية بما يعيشه المجتمع من متغيّرات، وبما تجري في الشؤون السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية من تحوّلات، كما تتأثّر الجامعة بكافة التطوّرات الجارية في الحياة العامة، وبكل ما يهدّد استقرار المجتمع من مشكلات وما تواجهه من تحدّيات. وأمام هذا التشخيص الأولي الواضح لواقع التعليم الجامعي والعالي والإشارة إلى القصور السائد في عدد من شؤونهما، يُفترض أن تبادر الجهات المعنية بتذليل الصعوبات التي تعيق تغيير ذلك الواقع وتقف عائقاً أمام مساعي التحديث والتطوير، والعمل على تهيئة الظروف المناسبة لذوي الكفاءات والقدرات العلمية ليتمكنوا من أداء دورهم الريادي في سبيل تحقيق النهضة العلمية. وهذا الأمر يحتاج إلى المثابرة والعمل الجاد المُثمر من قبل كافة المخلصين ذوي الفكر المستنير؛ بحيث يتم تحقيق عملية التطوير وفق ما تقتضيه الحاجة وعلى ضوء تطوّر حقول التربية والتعليم في العالم، فالمتغيرات على كافة المستويات تحتّم إعادة النظر في المناهج والنُظم والفلسفة التربوية؛ وذلك لكي تتناسب مع تلك المتغيّرات وتواكب المستجدات المتسارعة في مختلف شؤون التربية والتعليم، إضافة إلى ضرورة تحديد أسباب التعثُّر وجوانب الضعف والقصور في السياسات المتّبعة في هذا المجال الحيوي منذ العقود الماضية. وبناءً على ذلك يُفترض أن تظل عملية تطوير مناهج التعليم ونُظم التربية قضية حاضرة باستمرار على أن تحوز الاهتمام المطلوب على كافة المستويات، فهي قضية تستمد أهميتها وموجباتها من الواقع المعاش للمجتمعات العربية، ولابد أن تكون عملية التطوير والإصلاح أمراً معتاداً تجري بصورة مستمرة باعتبارها أحد المتطلبات المهمّة للتنمية. ومن البدهي أن تتم هذه العملية انطلاقاً من الخصوصيات الثقافية والحضارية العربية الإسلامية؛ بالإضافة إلى الاستفادة من التقدُّم والخبرات والتجارب الرائدة في جميع المجالات على الصعيد العالمي؛ وذلك دون شك يجعل فرص نجاح عملية التطوير أكبر، ويعزّز العمل على تلبية متطلبات التنمية الشاملة بشكل أيسر. ما يجب التأكيد عليه باستمرار في شأن تطوير التعليم الجامعي والعالي أمران؛ الأول هو أهمية تعزيز التعاون والتكامل والتنسيق بين الجامعات في الوطن العربي والعالم الإسلامي لتبادل الخبرات الأكاديمية والنهوض بمستوى البحث العلمي، والانفتاح على الجامعات المعروفة في البلدان المتقدّمة بالمجالات العلمية والتكنولوجية، والأمر الآخر هو ضرورة مراعاة الربط بين الجامعة وسوق العمل، والربط بينهما وقطاع الصناعة والبحث العلمي والتقني بشكل موضوعي وصورة منطقية. كل ذلك يحقّق أمراً في غاية الأهمّية وهو التغلُّب على المشكلات التي تعانيها مجتمعاتنا، ويمكننا من الوقوف أمام التحدّيات بالغة الخطورة التي تواجه الأمّة في هذا الزمن الصعب؛ زمن المتغيّرات والاضطرابات الحياتية التي تهدّد استقرار المجتمعات الإنسانية. آمالنا كبيرة في أن تتوافر الإرادة والنوايا الصادقة للإصلاح والتغيير الإيجابي لدى الجهات المعنية بشؤون التعليم الجامعي والعالي، وتلك هي القضية. [email protected]