وهذه الفرصة العجيبة والغريبة والعابرة للعادات والتقاليد والقوانين وممارسة السياسة منحت لعناصر عسقبلية فاشيّة ضحلة الثقافة مكّنتها من تفعيل الشبكة العسكرية والأمنية والشبكة الإعلامية والشبكة الاجتماعية في الزمان والمكان المفتوحين تحت إشراف إدارة مخابراتية محترفة تم تشغيلها منذ زمن للسيطرة على السُلطة التنفيذية ولعب المال المنهوب دوراً محورياً في إدارة خلايا الشبكة في متن قوات الجيش والأمن والمخابرات والمليشيات القبلية المتربّصة بأمانة العاصمة. هذه الاستراتيجية حافظت على قوّة الدفع الاجتماعي والسياسي، وهي المال، المال الذي ازداد تراكماً من خلال الأرباح المتأتية من الأرصدة في البنوك والشركات الخارجية ومن الأعمال التجارية الداخلية ومن الدعم المالي من بعض الدول ومن الموازنة الحكومية الممنوحة لعلي عبدالله صالح ولكتلته البرلمانية المستحوذة على 75 % من الدعم الحكومي المقدّم للأحزاب والتنظيمات السياسية الممثّلة في البرلمان، وهذه الأموال رجّحت كفّة السُلطة العميقة التي تقودها الشبكة العسكرية والأمنية وبالتالي وفّرت أريحية وثقة لمئات من الأوباش والفاسدين والمرتزقة والبنادق المستأجرة لاستعادة نشاطها الإجرامي السياسي والأمني لمصلحة النظام العسقبلي، ودعمت هذه الاستراتيجية الهزلية المبادرة الخليجية وقانون الحصانة وتخاذل السُلطة الجديدة أمام مصفوفات الاختلالات التي نجمت عن ممارسة الشبكة العسكرية والأمنية، وشكلت الاستراتيجية نفقاً لتسلسل المؤامرة الضاحكة التي حاكتها مجموعة من رموز النظام السابق تحت سمع وبصر رموز السُلطة الجديدة. «2» استراتيجية ونظرية الإزاحة؛ وهي سلوك سياسي متغوّل يعتمد على الإزاحة بالوسائل الناعمة عبر سلسلة من الخطوات المخادعة وصولاً إلى اتخاذ قرار الإزاحة من المركز القيادي الذي يشكّل خطورة على أداء واستقرار إدارة السُلطة وحلفائها العلنيين والمتوارين خلف الستار وبالوسائل العنيفة المتعارف عليها في الأنظمة السياسية الشمولية كالاعتقالات والاغتيالات والحروب الجزئية المستخدم فيها القضاء والمنازعات الاجتماعية التي تكون عادة تحت سيطرة أجهزة الأمن والأذى في الوظيفة العامة وهلمّ جرّا. وتقوم هذه الاستراتيجية على التحالفات السياسية الغادرة بين المستويات السياسية والشخصية العالية والطافية على العملية السياسية وعلى الشخصنة المضادة للمأسسة ما جعلها تنزلق في بحر تصفية الحسابات الشخصية والمكايدة والعناد السياسيين الذي دفع إلى أتون الفوضى العارمة الفارضة أجندة العصابات السياسية الإجرامية التي يمتد عمر نشاطها إلى عقود أربعة أو أكثر من ذلك الزمان. وتجلّت استراتيجية الإزاحة بالوسائل الناعمة في قبول رأس الطغمة العسقبلية علي عبدالله صالح في سنة 2011م لمغادرة البلاد إلى منفاه الاختياري صُحبة 650 من أفراد عائلته «ستمائة وخمسين فرداً» مقابل خروج علي محسن صالح الأحمر وأبناء عبدالله بن حسين الأحمر تحسّباً لعمليات انتقام الانتفاضة منه ومن عائلته لما ارتكبته من جرائم جسيمة لم تسقط بالتقادم. وهذه الإزاحة الطوعية لم تتم بسبب حوافز توافرت من خلال المبادرة الخليجية ومن خلال التباطؤ في اتخاذ ترحيل هؤلاء ونقل السُلطة بصورة سلبية؛ وربما تداخلت أسباب وصفقات سياسية مناهضة لاستقرار اليمن الذي كان سوف يتخلّص من نكرات ويتخلّص من أهم مدخلات الفساد والإجرام منذ تولّت هذه الطغمة زمام السُلطة العسكرية والأمنية والتجربة التاريخية تؤكد أن الانسحاب الطوعي من سُدّة الحكم في اليمن من الأمور المستحيلة نظراً لتمسُّك القوى التقليدية «قبلية كانت أو عسكرية» بفلسفة الحكم عن طريق القوّة والغلبة والإخضاع للأطراف التي تم غزوها واحتلالها وتغيير التركيب السكّاني فيها بنسبة مهمّة لمنطقة تعز وإب ورداع.