في طريقي الثلاثاء الماضي ، «3 مارس، 2015» من العاصمة صنعاء إلى مدينة تعز.. وخلال مروري في الطريق العام الذي يعد الشريان الرئيس الرابط بين صنعاء ومعظم المحافظاتاليمنية.. صادفتني صعوبات جمة، وشاهدت حوادث بشعة.. وعانيت بسببها الكثير، واعتصرني الألم للوضع الذي وصلت إليه أحوال البنية التحتية في اليمن.. فالطريق يشبه ثوباً قديماً مهلهلاً، لم يعد ينفع معه الترقيع أصلاً.. وأصبح لا يتناسب حتى مع قواطر الحمير.. للأسباب الآتية: إنه قديم جداً، نفذه الألمان قبل أربعة عقود، حينها لم يكن يزيد سكان اليمن عن ستة ملايين نسمة، ولم تتجاوز السيارات المارة فيه أصابع اليد الواحدة في اليوم.. وكان الطريق سليماً من العبث.. ومصاناً بشكل جيد.. لذلك كان السير فيه، إلى عهد قريب، مقبولا نسبياً.. أما اليوم وبعد أن بلغ سكان اليمن ما يفوق ال«25» مليون نسمة، وبعد أن تعرض لعوامل الإهلاك، والتعرية، والتشويه المتعمد، أصبح مهترئاً، ويصعب السير فيه دون التعرض للحوادث المختلفة، الناجمة عن الضيق الشديد، والحفر الطبيعية والمطبات الصناعية، التي لا تكاد تخلو منها أقصر المسافات.. فهناك المطبات الناتجة عن تحويل مجرى سيول الأمطار إلى الأراضي الزراعية المجاورة من الجانبين.. وهناك المطبات المعيقة بشكل مقصود التي تتقد م النقاط العسكرية بأمتار من الجانبين أيضاً، والتي تنتشر بكثافة وتتزاحم في أقصر المسافات.. وهناك المطبات الخاصة ببائعي الجزر الأحمر.. وهناك المطبات الخاصة ببائعي القات.. ومطبات أخرى تتعلق ببائعي البطاطس.. ومثيلاتها المتعلقة بنقاط تجمع المتسولين، إلخ. إلى جانب المطبات، تتخلل هذا الطريق مجموعة كثيفة ومتفاوتة الأبعاد والمسافات والأعماق من الحُفر والأخاديد، الناتجة عن كثافة حركة السيارات والشاحنات والناقلات.. ومنها الناتجة عن الإخلال في أعمال الصيانة، ومنها تلك التي نتجت عن الشروع في بعض التوسعات وتركها في وضعها الخطير على سلامة المارة، بعد التوقف والتعثر في استكمال التنفيذ!. صعوبة السير في أوساط التجمعات السكنية والأسواق المنتشرة على امتداد الطريق، والتي تستنزف وقتاً وجهداً ومعاناة. قطع الشوارع الرئيسية داخل المدن بحجة توفير الحماية الأمنية اللازمة لأعضاء السلطات المحلية المجتمعين داخل المقار الرسمية، وتحويل حركة المسافرين عبر هذه الشوارع المتصلة بالطريق العام إلى الأزقة غير المعبدة في الأحياء. كان من أبرز الآثار السيئة إلى جانب كل ما سبق، ما شاهدته من حوادث غريبة تبعث على الأسى والألم والاشمئزاز والغضب والنفور.. من ذلك على سبيل المثال لا الحصر: في وسط مدينة ذمار قام رجال الأمن بقطع الخط والتحويل الإجباري للسير في أماكن غير صالحة للمرور.. - حادث تصادم بين سيارتين في منعطف ضيق وخطر بمدخل مدينة إب.. - سقوط قاطرة تحمل حاويات في منعطفات النجد الأحمر. أثرت كل تلك المعيقات سلباً على حالتي النفسية، وعلى سلامة سيارتي.. وحالت دون وصولي إلى تعز في الوقت المناسب، إذ استغرق السير مدة تزيد عن ست ساعات، انقضت أغلبها في محاولات اجتياز المعيقات البشرية والطبيعية داخل العاصمة، أولاً، ثم في وسط المدن والتجمعات السكنية والأسواق ذات الكثافة البشرية، والسيارات الواقفة في جنبات الطريق والتي تغطي مساحة كبيرة منها، ثانياً، وفي محاولات اختراق المطبات التي تشبه الدمامل على الوجه القبيح، ثالثاً، وفي محاولات الخروج من الحُفر بأقل الخسائر، رابعاً، وفي الطوابير المزدحمة أمام نقاط التفتيش والعوائق المصاحبة لها، خامساً، والانتظام في طوابير طويلة بانتظار من سيأتي ويسحب السيارات المهشمة والمتناثرة الأجزاء من وسط الطريق بعد تصادمها، أو بانتظار من ينتشل القاطرات المترنحة على جنبات الطريق بعد انزلاقها!. ومع كل ذلك، وبمجرد اجتيازي مدينة القاعدة شعرت بوقع نفسي خاص نابع من خصوصية الإنسان والمكان.. نعم.. إن للحالمة «تعز» إيقاع مختلف. [email protected]