وتستهلك هذه القوات العاطلة عن العمل نسبة عالية من الدخل الوطني دون أن تقدّم أية خدمات للمجتمعات اليمنية وهي ساهمت منذ وقت مبكر في خفض متوسط دخل الفرد، وساهمت ليس فقط بقتل الناس بل ساهمت في إفقار المجتمعات وما زال قادتها الفاسدون يعتبرونها جسراً لثرائهم وحياتهم الباذخة.. قادة هذه الطغمة لا تستطيع العيش في مناخات نظيفة ولم تشبع من مرتبات الوظيفة العامة، ولم تقتنع من الإتاوات الإجبارية والجبايات خارج القانون.. لقد عبثت بحياة الإنسان وهانت كرامته وفرضت عليه حالة البؤس، إذ أن دخل الفرد ونصيبه من المياه العذبة ومن التطبيب والأدوية لا تساوي 1% مما يحصل عليه سكان سلطنة عمان. وحصيلة الملف سالف ذكره الآتي: أولاً: أدركت الطغمة العسقبلية الشمولية السابقة أن العبوة الناسفة تكمن في كتلة الشباب المتنامية، وهي الكتلة الديناميكية التي لا يمكن وقفها احتقانها وفعلها المجابهات العسكرية فلجأت إلى إفراغ منطقة الجنوب وتعز وإب من كتلتها الشابة التي ترزح تحت وطأة الفقر والبطالة، وهي تشكّل خطراً سياسياً واجتماعياً على مستقبل الهيمنة الجهوية والطائفية التي طال أمدهما على هذه المناطق، وكانت الطغمة العسقبلية قد طمأنت نفسها بأن هذه الكتلة لم تعد لها فعالية بعد استخدامها لاستراتيجية تمييع هذه الكتلة ووضعها تحت وطأة المخدرات ورحمة مفعولها السلبي، غير أن هذه الاستراتيجية تم اكتشافها وفضح منفذيها في تعز وبالتالي انخرط الشباب في إجهاض آلياتها وهزيمة رجالها في منتصف الطريق. وفتح شهية الطغمة العسقبلية الشمولية وأرعبها الانفجار السكاني ووصول نسبة النمو السكاني في هذه المنطقة 3.9 % مما أدى إلى الإفقار القسري والفقر المتنامي والبطالة، وفعلاً ضحّت هذه الحالة الاجتماعية التراجعية جيشاً شاباً وقادراً على القتال نيابة عن كتلة المنطقة القبلية التي تكتفي بقطف ثمار هذه الدماء التي يعتبرونها عدواً إذا ما انتظمت في إطار المعارضة السياسية التي تعمل على إنشاء دولة لكي يكون عملها ونشاطها مضموناً ومحمياً من القانون وأجهزة القوة التي تطبّق القانون. ومن جهة أخرى اعتقد العسقبليون بأن استخدام هذه القوى الشابة كوقود للمواجهات في صعدة سوف يخلق عند الجزء المحارب في صعدة ثقافة الضغينة والكراهية ضد سكان المناطق التي أتت منها هذه الكتلة الشابة. ثانياً: صبّ المزيد من الزيت على النار المشتعلة بين تنظيم “التجمع اليمني للإصلاح” وتنظيم “الشباب المؤمن” وفقاً لنصائح السفارة الأمريكية بداية التسعينيات، وتنامت الشبكة الإعلامية لطرفي الصراع الإيديولوجي المستخدمة لأحدث الوسائل الإعلامية، والتهبت الحملات الإعلامية من هذه الوسائل إضافة إلى نقل هذا الصراع إلى المساجد المنقسمة في أهم مراكز الطرفين، صعدة وصنعاء وذمار، والمواجهات العسكرية ضد بدر الدين وأسرته ومن والاهم والتي انخرط في أتونها تنظيم “التجمع اليمني الإصلاح” بطريقة غير مباشرة أنتجت حساسيات عقيدية بين الإصلاح وبين التنظيم الوارث لتنظيم الشباب المؤمن وهو “التنظيم الهاشمي” الذي طالت شبابه العقوبات الظالمة، الطرد من الوظائف، والاعتقالات غير القانونية، وكان ذلك تمييزاً اجتماعياً ممنهجاً للحصول على فرز واصطفاف عقيدي سلالي عنصري وهو ما حصل بعد الخمس الحروب الأولى، وأنجبت بصورة خطيرة مرجعية عقيدية مذهبية جديدة نافية المرجعية التي هيمنت على السلطة في صنعاء منذ القرنين السادس والسابع عشر، وأزاحت التيار المطرفي بصورة عنيفة، ولم تتمكن من إبادة التيار “الجارودي” الذي هرب من بلدة “حوث” إلى كهوف “مران”. هذه المرجعية الشابة خطفت الأضواء على قوى سياسية واجتماعية عريقة في الوجود الاجتماعي والتاريخي.