- د/ عادل الشجاع .. إن تدخل وزارة المالية في تعيين المدراء الماليين في مختلف المرافق والمؤسسات الحكومية يعد أمراً في غاية الخطورة، فهو يؤدي إلى تفويض الشرعية الإدارية لهذه المؤسسة أو تلك، بل ويخلق ذلك مشكلات عميقة في تحقيق الخطط والاستراتيجيات الموكل تنفيذها لهذه المؤسسات، وغالباً مايترافق الفساد مع تشوهات يخلقها هؤلاء المدراء من أجل توليد مصالح شخصية، وتتناول هذه التشوهات عمليات النحو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويتبدى ذلك في الدرجات الجامعية والعقود الخارجية وفي تنفيذ المشروعات والمناقصات. والمالية أضحت عائقا رئيساً أمام انسياب العمل الإداري وسلامته، فعندما يكون المدير المالي معين من وزارة المالية يقل الاهتمام بإعلاء شأن القانون والنظام والانضباط، وتتهاوى الرقابة والمتابعة، ويصبح المناخ العام مؤهلاً لانتشار الفساد.. يرجع السبب في ذلك إلى أن المدير المالي يتلقى تعليماته مباشرة من وزارة المالية، وكلما كانت التعيينات تعتمد على جهات أخرى غير الجهة المعنية بالعمل انخفضت شفافية تشغيل الافراد وترقياتهم، وتدخل هنا المحاباة والمجاملات، وتزداد معدلات الفساد، وتغيب الرقابة المؤسسية. والمسؤول المالي في أي مؤسسة يعتبر من أهم حوافز الفساد، اذ يسمح هذا الوضع لهذا المسؤول أن يستخدم سلطته من أجل زيادة فرص ظهور المنافع القابلة للمقايضة. وتدخل المالية بهذا الشكل لايعيق العمل الإداري فحسب، وإنما يعيق التنمية أيضا ويرفع من كلفتها وبين يديّ ملف يشير إلى ذلك، وهو يتعلق بعدد من الدرجات الجامعية لاساتذة يمنيين، فقد رفضت المالية تعيين هؤلاء وطلبت من الجامعة التعاقد مع أجانب، مع العلم ان كلفة العقد مع الأجنبي يفوق راتب الاستاذ اليمني ثلاث مرات مضافاً إليه تذاكر سفر سنوية تساوي راتب الاستاذ اليمني لفترة خمسة اشهر، والأمر لايتوقف عند هذا الحد وإنما هناك كلفة إضافية تبدأ من التفاوض مع هؤلاء المتعاقدين من خلال مندوب المالية الموجود في الخارج، إضافة إلى استقدام عناصر غير مؤهلة في كثير من الأحيان. أليس ذلك يؤدي إلى الفساد ويقلل من فرص أبناء الوطن في الحصول على نصيبهم الموضوعي من الوظائف والتقدم الوظيفي؟! إنني أجزم ان سياسة وزارة المالية هي السبب في جميع المشكلات ذات الأهمية تقريباً، وهي تحول دون حلها على الأقل. - حجم الخسائر التي تلحق بالاقتصاد اليمني بسبب تدخل وزارة المالية. ومن النتائج المقلقة لهذا التدخل أنه يعمل على إعاقة التطور والتحديث في الجهاز الإداري، كما يساعد على تصميم ثقافة الفساد. ومما لا شك فيه أن إطلاق يد المالية وتحكمها في كل شيء وتحولها من جهة رقابية إلى جهة تنفيذية قد أدى إلى حدوث مشاكل إدارية وتنموية خطيرة.. ومن أجل يمن جديد خالٍ من الفساد ومن المعوقات لابد من التالي: 1 تحييد وزارة المالية عن التدخل في شئون المؤسسات الأخرى والاقتصار بالقيام بواجبها كجهة رقابية. 2 إدراك أن الوظيفة المزدوجة لاتساعد على تطبيق القانون وبالتالي يصبح المسؤول المالي منحلاً إدارياً من المؤسسة التي يعمل بها. 3 لابد من إعادة هيكلة وزارة المالية بمايساعد على مواجهة الفساد والحد من انتشاره. 4 إن مهمة تنفيذ الخطط والاستراتيجيات هي مسئولية الجهة ذات العلاقة، ولايمكن ان تكون هذه المسئولية محصورة في وزارة المالية. 5- إن أي مكافحة للفساد يجب أن تبدأ من إلغاء ان يكون المسؤول المالي معيناً من قبل وزارة المالية، وبهذا يمكن ان تحقق حملة مكافحة الفساد صدقيتها تجاه المجتمع. ومن زاوية أخرى لأبد من إعلاء شأن العمالة الوطنية الكفؤة على حساب العمالة الاجنبية. أخيراً : لابد للمالية ان تطلق يد جامعة صنعاء في تعيين الأساتذة الذين تقدموا لهذه الدرجات وفق إعلان في صحيفتي الجمهورية والثورة حتى لايتحول هؤلاء إلى متطرفين يقودون المجتمع نحو العنف، وخاصة حينما يرون ان اشقاءهم يتقاضون آلاف الدولارات في الوقت الذي لاتجد المالية حفنة من الريالات حتى تعطيها لهم. ولو استمر الأمر على ماهو عليه، فإن هذا الاصرار يعني انتاج الفساد مع سبق الاصرار والترصد ويعد تقويضا صريحاً لليمن الجديد الذي ينشده الأخ رئيس الجمهورية. لاشك في أن إصلاح المالية سوف يؤدي إلى تصحيح كل الوزارات، وسيحد من هيمنة الفساد، ويحسن من أداء النظام الإداري.