شيء من هيبة المسؤولية وشيء من الاحترام ، وشيء من الخوف تشكل في مجموعها «سداً منيعاً» يحول دون قدرتي على قول ما أريد ، حينما أريد ! وزد على ذلك الخوف من تحرك الكرسي الذي أجلس عليه ، وانسحابه إلى حيث ترمقه عين مفتوحة ، وطموح فارغ ، فتصبح بين عشية فكرة جريئة ونهار مقال منثور «المدير العام السابق».. الكتابة للوظيفة ، أشبه بعبور صامت فوق حد السيف ، أو لنقل إنها عبث بعبوة ناسفة لاتحتمل الخطأ فالخطأ الأول هو الخطأ الأخير.. ولذا فأعترف بأن الجو خانق ، وأنني أمقت وبشدة شتم السلطة والإساءة للنظام ، لمجرد أن أعيش موهوماً بهاجس الأهمية ، ومسكوناً بالوطني الغيور. أعترف بأنني وسطي إلى حد التماهي والتلاشي والذوبان في كل شيء ، لكنني في الكتابة متطرف إلى حد الموت ، إيماناً بفكرتي فقط ، ولاشيء يستطيع أن يعدل من هذا المزاج العجيب عندي ، سوى «الحب» ! وهو وحده من يكسر قواعدي الوسطية والمتطرفة فيصبح بالحب علي عبدالله صالح صديقي الوحيد والذي أثق به ، دون أن أراه وجهاً لوجه ، منذ أن أصبح رئيساً قبل ثلاثة عقود ، وهو الحب وحده من يجعلني أنظر إلى ياسين سعيد نعمان بإكبار يثير ذهولي وبحب لم يحظ به سوى والدي الذي استشهد دفاعاً عن وطنه وانتصاراً لمبادئه ، ويلف ذكراه وتاريخه صمت عجيب أجهل تفسيره وفحواه ، جهلي بمن يغذي تلك الفئة الضالة وينفخ في عروقها هوس الشيطان ورغبته في الرقص على موال التشيع ، وأنغام الطائفية والمناطقية والانتصار للحسين «رضوان الله عليه» الذي استشهد في كربلاء جنوب العراق «للتذكير بعنوان الواقعة فقط». ذلك مايجعلنا في هذا الظرف الاستثنائي أحوج من أي ظرف مضى إلى العمل باتجاهين متلازمين أولهما يد تضرب بشدة معقل هذه الفئة الضالة ، وثانيهما إعلام رصين يسهم في تنمية الوعي المجتمعي وتنويره بخطورة هذه الثقافة الشيطانية الزاعمة انتصارها للدين وهو منها بريء. قلت في البدء : إنه كلام لايستحق القراءة فقط ، لكنه يقتضي الإمعان والتضافر والتآزر والاصطفاف الوطني ، فالموقف حرج والخيارات لاتقبل المهادنة أو الوسطية أو الوقوف موقف المتفرج ، الوطن على كف عفريت والظرف عصيب ، وليست العراق وما يحدث فيها اليوم عنا ببعيد.