يعتبرالمراقبون أن مؤتمر أنابوليس للسلام في الشرق الأوسط الذي دعا إليه الرئيس الأميركي جورج بوش لحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني ليس سوى محاولة للنجاح في اختبار فشلت فيه معظم الإدارات الأمريكية السابقة، لاسيما أنه يأتي وسط مناخ من التناقضات الصعبة وفي الوقت الضائع من ولاية بوش. واللافت للنظر أن أول هذه التناقضات يكمن في الموقف الأمريكي نفسه قبل أن تكون في الموقفين الإسرائيلي والفلسطيني على صعيد ضعف حكومة إيهود أولمرت، والانقسام الفعلي ما بين قطاع غزة والضفة الغربية. فوزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس، قطعت الطريق على أي حلم باحتمال أن يحققه المؤتمر الذي سيقام في الأكاديمية البحرية في أنابوليس بولاية ميرلاند بالتأكيد أن اللقاء لن يحمل حلولاً، بل سيمهد لانطلاق مفاوضات جدية بين الإسرائيليين والفلسطينيين من أجل التوصل لتسوية، تحقق مبدأ بوش القائم على أساس الدولتين على أرض واحدة. وبلغ هذا التناقض ذروته بقول رايس نفسها بعد يوم من توزيع الدعوات الرسمية للمؤتمر: إن الطرفين تخليا عن فكرة القدوم إلى المؤتمر بوثيقة مشتركة واصفة ذلك “بالتطور السليم لأن الشيطان يكمن في التفاصيل”..واعتبرت رايس أن الوثيقة المشتركة وخلال المفاوضات التي جمعت بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، أصبحت أقل أهمية من ذي قبل مع قرار الزعيمين البدء بالمفاوضات الكاملة. علماً بأنها وفي نفس التصريح قالت: إن المؤتمر لن يكون سوى منصة لانطلاق المفاوضات. هذا ما يدعو إلى التساؤل: كيف يمكن لمؤتمر سلام لا يتجاوز عمره ثلاثة أيام أن يحقق ما عجزت عنه سنوات من المفاوضات حول تفاصيل يفترض أن تدخل في بنود اتفاق ملزم للطرفين برعاية المجتمع الدولي، وإلا فإن المؤتمر ليس سوى استعراض دبلوماسي لقدرة الولايات المتحدة على عقد المؤتمرات الفاشلة. يضاف إلى ذلك أن موقف الرئيس عباس وشريكه في المفاوضات أولمرت لا يبدو في أفضل حال.. فعباس فعلياً يرأس حكومة لا تسيطر سوى على الضفة بعد سيطرة حركة «حماس» على القطاع في يونيو/ حزيران الفائت، وأولمرت الملاحق بقضايا الفساد لا يتمتع بشعبية كبيرة تمكنه من اتخاذ قرارات كبيرة وجريئة، خاصة بعد فشل حكومته في حربها على حزب الله اللبناني العام الماضي. وفي هذا الإطار يرى روب مالي - مساعد الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، الذي شارك في محادثات السلام عام 2000 في كامب ديفيد بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك - أن كلينتون عندما أقدم على تحريك عملية السلام في الشرق الأوسط كان الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي يشعران بإمكانية تحقيق شيء ما.. ففي ذلك الحين كان عرفات يجسد ويمثل الكفاح الفلسطيني، وقائداً فعلياً للسلطة الفلسطينية، فيما كان باراك (وزير الدفاع الحالي) رئيساً للوزراء وصل إلى الحكم استناداً إلى برنامج انتخابي يدعو للسلام. ولهذا شدد مالي على أن المؤتمر - بالشكل الذي يتوقع أن يظهر عليه - يحتاج إلى معجزة لتحقيق اختراق حقيقي على صعيد أزمة الشرق الأوسط، في ظل رئيس نأى بنفسه بعيداً عن مشاكل الصراع العربي الإسرائيلي منذ توليه السلطة، مفضلاً على ذلك الدخول في كوارث من العيار الثقيل بحجم العراق وأفغانستان.