ثمة عادات وتقاليد يحييها أبناء محافظة حضرموت خلال مواسم الأعياد الدينية تتشابه في عناوينها الرئيسية، لكنها تختلف في تفاصيلها الجزئية الدقيقة. ومناسبة عظيمة كعيد الأضحى تجعلنا نكتفي هنا بمهمة تجميع وعكس مجموعة صور فرائحية حية نابضة من ربوع حضرموت وهضاب قراها وسهول ومنحدرات وديانها. بين الريف والمدينة الأخ محفوظ سالم البحبوح، من سكنة مدينة المكلا: طبعاً نحن كغيرنا نستقبل العيد بكل بهجة وسرور وفرح، ونعد لهذه المناسبة العدة؛ ونستعد للاحتفاء بها بالمال لتغطية نفقاتها من ملبس وأضاحٍٍ، لنرسم الابتسامة في وجوه أطفالنا، ولولا الظروف الأسرية والمعيشية لكانت أعيادنا تشكل مصدر فرحة كبرى تظهر تباشيرها في نفوسنا جميعاً، حيث إن الملابس نقوم بشرائها قبل شهر رمضان المبارك ونحفظها بعد ذلك جيداً لنظهرها للمرة الثانية في عيد الأضحى المبارك. وحقيقة أنا أحياناً أقضي أيام العيد في مناطق الأرياف بجانب أهلنا وأقاربنا، فيتم في اليوم السابع من ذي الحجة الخروج للوديان بالقرب من ينابيع المياه وتسلق الجبال في رحلة مع الأصدقاء، حيث يسمى هذا اليوم «يوم الحطب»، وفي يوم الثامن من ذي الحجة «يوم الصغيرين» يتم الجلوس مع الأطفال في المنزل مع بقية أفراد الأسرة ويتم كذلك ذبح ذبيحة من قبل الميسورين. أما اليوم التاسع يقوم الناس بالتحضير ليوم الزينة بتجهيز المشروبات والمرطبات والحلويات وشراء الأضاحي، وتنظيف البيوت والمنازل والشوارع المحيطة بالمنطقة. وفي اليوم العاشر يخرج الرجال والنساء والأطفال إلى المصلى لتأدية صلاة العيد، وعقب الأفاضة يخرج الجميع لمتابعة لعبة الشبواني متجهين نحو السوق العام؛ كان ذلك في الفترة السابقة حيث كانوا يخرجون على شكل جماعات يمارسون لعبة شعبية تسمى الزامل انقرضت اليوم بوفاة الشعّّار والمتقنين لهذه اللعبة رحمهم الله، أمثال عاشور ربيع باربيع، والعم سالم سويلم، وعبده عوض داناه وآخرون. وبعد ذلك ينقسم الجميع إلى جماعات كل جماعة تربطهم النسب والقرابة للمعاودة بالانتقال إلى بيوت الذين يسيرون في هذه الجماعة، ويستمر العواد صباحاً ومساءً حتى استكمال البيوت المعتاد زيارتها. إضافة إلى أن هناك ألعاباًً شعبية ومنافسات رياضية كروية تنظمها النوادي في فترة العصر والمساء وبذلك تنتهي مراسم العيد في الريف. أما في المدينة فيكون التحضير متشابهاً وإلى حد بعيد، إلا أن مراسم العيد في المدينة تبدأ من يوم التاسع ذي الحجة، أما يوم العاشر فيتم فيه ذبح الأضاحي بعد الصلاة، وكل يمكث في بيته طيلة النهار، أما الزيارات للمعاودة فتبدأ في اليوم الثاني وتنتهي بأيام العيد المحددة، ومن هذا اليوم يتفرغ كل أب وراع من أسرته للزيارات الأسرية صباحاً والتنزه برفقة أسرته وأطفاله وذويه مساءً. حقيقة نحن نشعر بأن الأطفال ينتظرون هذه الأيام بشوق، فبحلولها تغمر قلوبهم السعادة والفرح، وينتشرون مع أسرهم في الاستراحات والحدائق والشواطئ وخور المكلا، ويقضون أياماً من عمرهم في مرح وضحك. إضافة إلى أن الجمعيات والفرق الشعبية تنظم بعد الأهازيج والألعاب والمسرحيات في بعض المواقع والمسارح، وتستمر هذه الفعاليات الترفيهية طيلة أيام العيد، لذلك أنا أقسم العيد إلى قسمين الأيام الأولى في الريف والأيام الأخيرة في المدينة بحكم معيشتي وعملي فيها. المكلا.. زيارات للمتنزهات سالم حسين الحميري وماهر عبدالعزيز عويض، التقيناهما في أحد أحياء مدينة المكلا القديمة تحدثا بقولهما: عادة ما أكرس برنامجي خلال أيام العيد لاصطحاب أفراد أسرتي في زيارات للمنتزهات والحدائق العامة، واسمحوا لي بالمناسبة أن أورد بعض الملاحظات التي أتمنى أن تجد لها أذاناًً صاغية لدى الجهات المعنية فعلى سبيل المثال حبذا لو يتم في العيد التخفيف من الاختناقات في حركة المرور بعد اتخاذ التدابير والإجراءات المناسبة بعيداً عن نهج العشوائية التي عادة ما تكرس ظاهرة الازدحام في مختلف الطرق والشوارع الرئيسية والفرعية. كما أدعو إلى ضرورة توفير الألعاب المسلية للأطفال في الأماكن العامة شريطة ضمان سلامتها وعدم تأثرها بعامل الاستهلاك والزمن. برنامج عيدي خاص عزي الدين الكسادي من أبناء مدينة الحامي ، لخّص البرنامج الذي يتبعه أبناء منطقته خلال أيام العيد بقوله : عادة ما أنتقل قبل العيد من مدينة المكلا إلى منطقتي التي أعشق هواءها العليل وناسها البسطاء الطيبين، وهناك نحرص على تنفيذ برنامجنا الخاص الذي يبدأ بعد صلاة العيد، ويشتمل على قيامنا بزيارات جماعية للأهل والأقارب، حيث يقوم أفراد الأسرة بالتنقل من بيت لآخر، وهكذا حتى نستكمل زيارات جميع أفراد العائلة، ويتم خلال هذه الزيارات الاطمئنان على أحوال الأسر وتبادل الحديث ووجهات النظر في مختلف القضايا الخاصة والعامة، في اليوم الثاني نبدأ زيارة الحارات بتجميع أبناء الحارة ببيت في طرف الحارة، ثم يتم الانتقال من بيت لآخر، ونحرص هنا على زيارة المقعدين والمرضى في البيوت للاطمئنان على أحوالهم، اليوم الثالث يخصص في الغالب للراحة، والبعض قد ينتقل للمكلا للتنزه والقيام بجولات ترفيهية. الديس الشرقية.. صلاة الزينة محمد باوزير، من أهالي مدينة الديس الشرقية: خلال أول أيام العيد يؤدي المصلون صلاة الزينة، وتذبح الأضاحي، وفي هذا اليوم يتبادل أفراد الأسرة الواحدة الزيارات، وفي ثاني وثالث أيام العيد تتوسع دائرة الزيارات لتشمل الأقارب والجيران في المناطق المجاورة، خلال العيد تتاح أمام الصبية والأطفال ممارسة بعض الألعاب البسيطة التي تنصب في ساحة الاستراحة الوحيدة في المدينة، بعض الأسر ينتقلون للتنزه في ساحل البحر، والبعض الآخر يحرص على استثمار عطلة العيد للذهاب إلى الماء الحار في منطقتي صويبر خصوصاً أولئك الذين يعانون من الأمراض الجلدية والروماتيزم والآلام والمفاصل علماً أن الماء الحار في المنطقتين قد شهد تنفيذ مشروع تبناه أحد أبناء المنطقة المغتربين في دولة الكويت وتم خلاله تسوير الموقع وبناء حجرات مستقلة بعضها مخصص للرجال والآخر للنساء. وادي المحمدين.. اجتماع حول المضباة عمر سالم المحمدي: في منطقتنا منطقة وادي المحمدين «السفل وسفل عبد» يحتفي الأهالي بالعيد قبل يوم واحد من حلوله بذبح رؤوس الأغنام وتوزيعها على المارة والجيران، ويوم العيد وبعد تأدية صلاة الزينة يتناولون الأكلات الشعبية «فتة خبز مع السليط مع لحم»، وفي عصر اليوم ذاته أول أيام العيد يذبحون الذبيحة وتجتمع الأسرة بأطفالها حول المضباة، وفي هذه الأثناء يشوون رأس الغنم بأكمله، ويأكلون جزءاً منه وما تبقى يحفظ للأيام التالية في العيد ويعاد شويه مجدداً على المضباة، أكل وجبة اللحم يستمر ما بين ثلاثة إلى سبعة أيام لدى الأسر التي تمتلك مواشي أغنام، وبعض البدو خلال العيد يذبحون رأسين من الأغنام، هنالك عادة لا بد من أن نسلط الضوء عليها في هذا السياق فغالبية البدو في هذه المناطق وقبل العيد بيوم يحنون أجسام حيواناتهم كاملة «الأغنام»، ومن البديهي أن تشهد مواسم الأعياد تبادل زيارات الأهل والأقارب ووصل الأرحام، البعض من أهالي منطقة وادي المحمدين يقيمون ليالي سمر يتبادلون خلالها أبيات وأهازيج شعر الدان الشعبي القديم. وادي المعارة.. عواد الزائرين سالم محمد المعاري: من أهالي منطقة وادي المعارة، كما تعرفون أن منطقة العليب تعد من أكبر مناطق وادي المعارة، وأهالي منطقتنا في مواسم الأعياد يمارسون طقوساً خاصة، فبعد تأدية صلاة العيد تبدأ الأسر زيارة ووصل الأرحام في البيت الواحد، وفي ثاني أيام العيد تبدأ مراسيم العواد الجماعي وتشهد أبرز حلقاتها تبادل الزيارات بين سكنة الأحياء والمناطق المجاورة، وخلال هذه الفترة يقدم عواد الزائرين وهو عبارة عن وجبة لحم خفيفة طيلة أيام العيد الثلاثة، بينما تظل الوجبة الرئيسية التي تتناولها أسرة البيت الواحد في وادي المعارة خلال الأعياد والأيام العادية هي اللحم مع الخبز والأرز. ظاهرة إطلاق الرصاص في وادي معارة لم يعد لها أي وجود يذكر، والأطفال عادة ما يعوضون ذلك من خلال لهوهم بالمفرقعات النارية في مناطق الخلاء.