إعمال العقل في الكتاب المقدس القرآن هو الهدف الذي أُنزل من أجله القرآن الكريم “ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب” وماسأورده هو مافهمته من إرشادات وما استنبطته من دلالات آيات المعجزة الخالدة، فالقرآن سهل لمن تدبره بعين بصيرته “ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مُدكر” ؟.. لن أطيل ولنعش مع آيات الرحمن..- هل نحن خير أمة؟ سؤال يطرح نفسه بقوة على كل من قرأ القرآن بعين بصيرته، خصوصاً آية الخيرية الواردة في سورة آل عمران، يقول عز وجل “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله”، فالكينونة “كنتم خير أمة” تعني الاستمرار على دين الفطرة الإسلام “ملة أبيكم إبراهيم” والخيرية تعني الوسطية” وكذلك جعلناكم أمة وسطاً” والوسطية الخيرية تؤدي بالأمة إلى التفاعل العاقل الذي يبني الحضارة على أسس العدل وذلك “ لتكونوا شهداء على الناس” شهوداً حضارياً. ولن يتم ذلك إلا بالقيام بالنقد والتصويب “تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر”. نقد انحرافات “الذات” ثم “الآخر” وتصويبها “بالتي هي أحسن” على منهج الحق “ وتؤمنون بالله” منهج القرآن الكريم.. عند القيام بهذه المهمة النقد والتصويب كما يجب. تستحق هذه الأمة الخيرية ومالم فلن تنالها “حتى يلج الجمل في سمِّ الخياط”؟! ولعل مما يؤسف له فهم الآية بالمقلوب عند كثير من الذين عطلوا عقولهم، فيقومون بالنهي عن المنكر قبل الأمر بالمعروف، كالذي قتل شخصاً وبرر ذلك بقوله: قتلته رحمة به !؟ وهكذا عندما تنتكس العقول فتنقلب الموازين! إنّ حمل قيم العدل للناس، وتقويم سلوكهم بها، ونقد الواقع الفكري والفعلي الذي هم عليه كان ولايزال محور الخيرية لهذه الأمة، فغياب النقد والمناصحة والمراجعة وعدم اعتماد الموضوعية والدقة في ذلك هي من أهم عوامل السقوط والتخلف. ومن المفيد أن نورد هنا أهم وسائل النقد والتصويب وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي يمكن أن تحقق مقصد الآية الكريمة السابقة وتعهد الخير لهذه الأمة، والتي لحظها الأستاذ القدير عمر عبيد حسنة في تقديمه لكتاب أسس التفكير الموضوعي في الإسلام لمؤلفه د. فؤاد البنا والذي صدر مؤخراً ضمن سلسة كتاب الأمة الصادرة عن وزارة الأوقاف بقطر .. والوسائل هي: 1 إخلاص النية لله تعالى وابتغاء وجهه وخير الأمة. 2 ممارسة النصيحة الخاصة والعامة، فالدين النصيحة لله،ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم. 3 اتباع الحكمة في حسن التقدير،ووضع الأمور بمواضعها، ووزنها بموازينها، وضبط النسب، وعدم الشطط. 4 التعريض بالعمل وبيان فساده والمخاطر التي سوف تترتب عليه. 5 نقد الأعمال والبعد عن نقد الأشخاص والحط من قدرهم. 6 البعد عن التشهير والتجسس والغمز واللمز. 7 الاقتصاد في النقد وعدم التجاوز،وفقدان الاتزان. 8 اعتماد الحوار وسيلة لبيان الخلل، والتزام أدب الحوار والخلاف وأخلاق العلم والمعرفة. 9 ممارسة المناظرة والمجادلة بالتي هي أحسن. 10 امتلاك أدوات النقد والمناصحة وفقه معاييره من معرفة الوحي، في الكتاب والسنة، وممارسته تأسياً بالسيرة العملية. 11 الابتعاد عن حب الظهور والكبر والرياء والبهتان. 12 البعد عن التجريح والإساءة وسوء الظن، والحكم على الظاهر، فالله يتولى السرائر ويعرف النوايا وما تكفُّ الصدور. 13 استخدام وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة. 14 عدم الاقتصار على السلبيات والبدء بالإيجابيات. 15 الاعتراف بفضل “الآخر” والإيضاح أن الغاية هي نشدان الحقيقة. 16 العمل على ترشيد الآخر وإنقاذه وليس العمل على إسقاطه وإلغائه. 17 ترك النقد في حالة الغضب والانفعال والتأزم، فالنقد قضاء، من بعض الوجوه، ولايقضي القاضي حين يقضي وهو غضبان. 18 العلم بمحل النقد وفقه الواقع إلى جانب فقه المعيار والميزان، يقول تعالى” ولاتقفُ ماليس لك به علم”. هذه هي بعض وسائل النقد والتصويب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وآدابه وأخلاقه وشروطه، والتي ما إن التزمنا العمل بها نكون نلنا الخيرية وحققنا المقصد من قول الله سبحانه وتعالى” كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله” .. وما ذلك على الله بعزيز . [email protected]