في كثير من الأحيان يشكو بعض الناس عدم الإنجاز رغم الجهد الذي يقومون به والحركة المصاحبة لذلك، وما ذلك إلا لعدم توافر الثقة الحقيقية بالنفس، أو بالأصح لافتقادهم النفس ذات الهمة العالية التي ظهرت جليَّة في مقولة عمر بن الخطاب الشهيرة: “إنّ لي نفساً توّاقة! تَمَنَّيْتُ الإمارة فَنِلْتُها، وتَمَنَّيْتُ أن أتزوَّج بنتَ الخليفة فنِلْتُها، وتمنيَّتُ الخلافة فنِلْتُها، وأنا الآن أتوق للجنة، وأرجو أن أنالها”. وهي المقولة التي تأملها كافور الإخشيدي الذي كان مع أحد أصحابه عبدين أسودين، وقد جيء بهما إلى قطائع ابن طولون، صاحب الديار المصرية وقتئذ، ليباعا في أسواقها، فتمنى صاحبه أن يباع لطباخ حتى يملأ بطنه بما شاء، وتمنى كافور أن يملك هذه المدينة ليحكم وينهى ويأمر، وقد بلغ كل منهما مناه، فبيع صاحب كافور لطباخ، وبيع كافور لأحد قواد المصريين فأظهر كفاءة واقتداراً. ولما مات مولى كافور قام مقامه، واشتهر بذكائه وكمال فطنته حتى صار رأس القواد وصاحب الكلمة عند الولاة، ومازال يجد ويجتهد حتى ملك مصر والشام وغيرهما، وعندما مرّ كافور يوماً بصاحبه فرآه عند الطباخ بحالة سيئة، قال لمن معه: لقد قعدت بهذا همته فكان كما ترون، وطارت بي همتي فكنت كما ترون، ولو جمعتني وإياه همة واحدة لجمعنا عمل واحد.. وكأني به يردد مع الشاعر قوله: لأستسهلن الصعب أو أبلغ المنى فما انقادت الآمال إلا لصابر إن عدم الثقة بالنفس الجالبة للهمة العالية لَتَدْعو الإنسان لَيَثَّاقل بنفسه عن المبادرة، وتُعْطِيه النتيجة مقدَّماً قبل المحاولة بل قبل التفكير: أنّه فاشل. وليُعْلَم أنّه لا شيء أضرّ على الإنسان من عدم ثقته بنفسه، وتواكله عن القيام بما يصبو إليه، ولا شيء يهدم ثقة الإنسان بنفسه أكبر من جهله بها، وأعظم الجهل بالنفس احتقارها والنظر الدُّوْنيّ لها، ولا شيء يصنع النجاح مثل الثقة بالنفس. إن من أروع الأمور التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحض عليها أصحابه والعيش في ظلالها والتأدب بآدابها، وتشرب معانيها صناعة الثقة بالنفس التي تجعل الإنسان يصنع الأعاجيب، وتقام على يديه المستحيلات. تأمل ذلك الحوار القوي الصاعد بالمعنويات إلى عنان السماء، والذي دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الصحابي الجليل خباب بن الأرت لما جاءه شاكياً حاله وحال المعذَّبين من الصحابة.. قال خباب: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا، الا تدعو لنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل، فيحفر له في الأرض، فُيجعل فيها ، ثم يُؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فُيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصدُّه ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون» .(رواه البخاري). إنه منهج عام للتعامل مع المحيط الذي من حولنا بخيره وشره وحلوه ومره والإحاطة علماً بأن الحياة جانب كبير من السعادة، فيها متمثل في مكابدتها كما قال الشاعر: قالوا السعادة في السكون وفي الخمول وفي الجمود في لقمة تأتي إليك بغير ما جهد جهيد في أن تقول كما يقال فلا اعتراض ولا ردود في أن تعيش كما يراد ولا تعش كما تريد قلت الحياة هي التحرك لا السكون ولا الهمود وهي التفاعل والتطور لا التحجر والجمود وهي التلذذ بالمتاعب لا التلذذ بالرقود هي أن تعيش خليفةً في الأرض شأنك أن تسود