المؤلف: د. أحمد محمد الدَّغَشِي أستاذ أصول التربية وفلسفتها المشارك كلية التربية، جامعة صنعاء - الناشر المورد للإعلام، الدوحة، والدار العربية للعلوم بيروت - (طبيعة النشأة والتكوين، عوامل الظهور وجدلية العلاقة بالخارج) من أهم الكتب الملمَة، التي صدرت منذ بروز الظاهرة الحوثية في شمال اليمن، ويعد هذا الكتاب (الظاهرة الحوثية: دراسة منهجية شاملة)، مرجعاً أساسياً لفهم الظاهرة الحوثية من الداخل، وبداياتها وانتشارها وعلاقتها بالخارج، وخاصة إيران، وحروبها مع النظام الحاكم في اليمن.. والكاتب لا يتوقف عند حدود الرصد والتحليل وكشف المستور ورفع اللبس، وإنما يقدم توصيات إلى طرفي الصراع، السلطة والحوثيين، في آخر الكتاب، في مسعى لاحتواء الظاهرة والتعامل معها، واعتماد الحوار لغة لفض النزاعات، بدلا من المواجهات وشن حروب الاستنزاف.. ولعل ما جاء في الفصل الأخير من الكتاب (النتائج والتوصيات)، يلخص أهم الأفكار التي تضمنها.. أولاً: النتائج 1 تمثّل الظاهرة الحوثية مشكلة معقّدة، اختلطت فيها عناصر الفكر والتربية والسياسة والتاريخ والجغرافيا والعصر والأيديولوجيا والتنمية والمنافع المتناقضة، مما يقتضي استصحاب ذلك كلّه عند البحث فيها، والسعي نحو معالجتها. 2 تنتمي الظاهرة الحوثية في جملتها إلى المدرسة الزيدية (الجارودية)، وهي المتسمة بالالتقاء مع المدرسة الإمامية الإثني عشرية في جانب النيل من كبار الصحابة، وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون المتقدمون على علي بن أبي طالب، رضي الله عنه. 3 مرت الحوثية بمرحلتين، الأولى، مرحلة التأسيس والتكوين 1990م، وسمتها تربوية تعليمية، وفيها بلغت أعداد الطلاب حسب بعض التقديرات نحو ثمانية عشر ألف طالب، وسبعة وستين حلقة ومركزاً، وانتشرت عبر تسع محافظات يمنية، بما فيها بعض المحافظات ذات الطابع الشافعي السنّي أو المختلط، ثم مرحلة المواجهة المسلحة التي اندلعت منتصف عام 2004م، وهنا انتقلت الحركة الحوثية إلى طور آخر، نجمت عنه أزمة وطنية كبرى، لا تزال تداعياتها مستمرة إلى أمد لا يعلم مداها إلا الله تعالى. 4 تعزى عوامل ظهور الحوثية إلى عاملين رئيسين: داخلي وخارجي. 5 يمكن إيجاز عوامل الظهور الداخلية في: جذور التشيّع السياسي، التي تحصر حق الحكم في سلالة بعينها، وهو ما أكّد عليه المرجع الزيدي بدر الدين الحوثي والد حسين في حوار صحافي شهير، مع الإشارة إلى ظهور بعض الأصوات التي عدّت مثل ذلك الرأي مجرّد نظرية تاريخية لا تنسجم مع روح العصر، وعدّت مقياس الكفاءة وليس النسب هو المعيار الأساس في ذلك، كما تعزى إلى التكوين العلمي والفكري والأيديولوجي للمؤسس حسين بدر الدين الحوثي، وإلى الخلافات الداخلية بين مؤسسي تنظيم الشباب المؤمن، وفي مقدّمتهم حسين بدر الدين الحوثي من طرف ومحمد يحيى سالم عزّان من الطرف الآخر، ثم قيام الحوثيين بطرد اليهود من ديارهم ببعض مناطق صعدة، بعد أن تمكَّن الحوثيون من السيطرة عليها. 6 ويمكن عزو جوهر عوامل الظهور الخارجية إلى فكرة تصدير الثورة التي تبنتها الثورة الإسلامية في إيران عقب انتصارها عام 1979م، وإن ظل التأثر بها سياسياً، بالنسبة للرجل المؤسس (حسين الحوثي) على وجه التحديد. 7 خلافاً للشائع في الوسط السني من كون مؤسس الحوثية (حسين الحوثي) تابعاً بالمطلق للإثني عشرية القادمة من إيران أو لبنان، فقد تبين أن حسين الحوثي على خلاف كلّي مع الفكر الإثني عشري الإمامي، وأبرز الشواهد على ذلك، موقفه الرافض بشدّة لفكرة الإمام الغائب الثاني عشر، وتحذيره من إحلال المذهب الإمامي في اليمن، وتسفيهه لمسألتي المتعة والخمس عند الإمامية، بل كان حسين الحوثي ينطلق في دعوته من مرجعيته الزيدية الجارودية، مع بعض الاجتهادات الخاصة به، كما أثبتت ذلك بعض الوثائق المتضمنة في الدراسة بهذا الخصوص. 8 مع التأكيد على الحقيقة السابقة المتصلة بعدم الربط بين الفكر الحوثي بالنسبة للمؤسس (حسين) على وجه الخصوص وبين الفكر الإثني عشري، إلا أن اندلاع المواجهات المسلّحة قد أتاح المجال للتدخّل الخارجي على نحو غير مسبوق، وإن كان ذلك لا يعني بالضرورة متابعة أيديولوجية أو فكرية، غير أنه تبين أن تلك المواجهات غدت مظلة لبعض المتحوّلين إلى الإثني عشرية، كما أصبحت غطاء لبعض المحاولات الخارجية الهادفة إلى تحقيق نفوذ لها على أرض اليمن، على غرار ما يحدث في غير ما قطر، وأبرزها العراق، هذا بصرف النظر عن موافقة أو عدم موافقة المؤسس الأول، أو من هو على خطّه الفكري بعد رحيله. 9 من أبرز الشواهد الدّالة على مدى التأثّر بالعامل الخارجي شاهدا: الاحتفاء بيوم الغدير، والشعار الثوري الإيراني الشهير (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام)، على نحو من امتحان الناس به في المساجد الجامعة، والصلوات المشهودة، وعدّ ذينك الشاهدين قضيتين كليتين لا مجال للتنازل عنهما قيد شعرة. 10 تبين أن مستقبل الحوثية يسير في اتجاهات ثلاثة هي: الاتجاه العسكري والميداني، وكل معطياته أكّدت استمرار الحرب، أو الإعلان عن حرب سادسة، وذلك ماتم فعلياً، ثمّ هنالك الاتجاه السياسي والتنظيمي، وقد تبين أنه مشكلة عويصة معقّدة، بل متضاربة حتى في ذهنية القيادات الحوثية الحالية ذاتها، وتأكّد أن الاتجاه التربوي والفكري هو جوهر المشكلة وأساسها المنعكس على أبعادها جميعاً. ثانياً: التوصيات تتوزع توصيات هذه الدراسة على طرفيها الرئيسين، الحوثيين والسلطة السياسية، وذلك على النحو التالي: 1 على السلطة السياسية التعامل مع الظاهرة الحوثية في مجملها، بوصفها ظاهرة مذهبية معقّدة (قَدَرِية) قديمة، وإن تجلّت اليوم بصورة مختلفة نسبياً، بسبب بعض الحقائق والظروف المعاصرة، لكن ذلك لا يحيلها إلى كيان غازٍ فاقد للمشروعية من الأساس، إذ هي في حقيقة الأمر امتداد للمدرسة الزيدية (الجارودية)، وهي قائمة باليمن منذ قرون. وهذا بصرف النظر عن قناعة الباحث أو هذا الطرف أو ذاك بفكرها، ولكن لاشك أن ذلك بفرض عليها بالمقابل التعامل مع السواد الأعظم الغالب في المجتمع اليمني سواء من الزيدية الهادوية، أم من الزيدية الملتزمة بمذهب الإمام زيد المشتهر عنه في ترضيه على كبار الصحابة، واختلافه مع من اشترط النيل من أبي بكر وعمر للقتال معه، أم من الشافعية السنّية وهي الأغلب في البلاد، تتعامل بقدر من مراعاة ثوابت الأغلبية، واحترام رموزها ومقدّساتها، وفي مقدّمة تلك الثوابت عدم المجاهرة بمعتقدها (الخاص) تجاه الصحابة، ولا سيما الخلفاء الراشدون، رضوان الله عليهم. 2 تشيد الدراسة بالمبادرات الجريئة التي تبناها بعض علماء الزيدية في محاولتهم السعي نحو التفاعل الإيجابي مع نصوص القانون والدستور الساري في البلاد حول معيار الأهلية للحكم، وعدّ الكفاءة وليس النَّسَب هو المعيار الأساس في ذلك. ومع إدراك الباحث أن ثمّة أصواتاً تقليدية ستظل متشبثة بالموروث الثقيل في هذا الباب، كما أن هنالك من سيظل يشكّك في النوايا، بسبب شبهة أو ما يعدّه غموضاً في الموقف النظري أو العملي، غير أنه يمكن تجاوز ذلك كلّه، حين يتم النص الواضح الجلي على معيار الكفاءة وليس الَّنسَب بما يقطع اللغط كلية في الأمر، ويمكن تعزيز الاجتهاد الحرّ الجديد بالسلوكيات العملية، عبر المؤسسات التربوية والأطر السياسية والتنظيمية، قبل مؤسسة الحكم. 3 إن الدراسة إذ تسجّل استغرابها من الموقف الحوثي تجاه الأقلية اليهودية في صعدة، بصرف النظر عن أية ملابسات تسببت في الإقدام على تلك الخطوة؛ فإنه لا يعدم الأمل من كون من أقدم على ذلك قد رأى النتائج العكسية التي أفضى إليها مسلكه في ذلك، فعلاوة على الظلم الذي حاق بأقلية تمثل جزاءً من النسيج الاجتماعي والوطني؛ فإنه بات من المرجّح أن أزمتهم إذا ظلت تتراوح في مكانها من غير الإسراع في معالجتها جذرياً؛ فإن ذلك قد يتيح المجال للتدخّل الأجنبي، ومطالبة السلطة السياسية بترحيلهم إلى حيث يجدون المأوى الآمن، خارج البلاد وفلسطين المحتلة هي البلد المقدَّس لدى اليهود بدعوى حمايتهم من الاضطهاد والأذى، بل إن هذا هو الذي تم عملياً، وإن في منطقة أخرى غير صعدة، بعد أن طالبت المنظمة الصهيونية العالمية بترحيل 113 يهودياً يمنياً إلى الكيان الصهيوني بدل الولايات المتحد الأمريكية، وقد تمت بعض عمليات الترحيل تلك فعلياً بعد ذلك، على مستويات فردية أو عائلية، على خلفية الاضطهاد ذاتها. 4 تدعو الدراسة الاتجاه الحوثي والسلطة معاً إلى الاحتكام الفعلي إلى مؤسسات الدولة ودستور البلاد وقوانينها النافذة، فيما يتصل بأية مطالب مشروعة للاتجاه الحوثي، وعدم اللجوء إلى العنف أو استعمال السلاح لحلّ أي نزاع، واعتماد منهج الحوار أساساً في ذلك. 5 تشيد الدراسة بتوجّه حسين الحوثي الرافض لإحلال المذهب الإثني عشري محلّ المذهب الهادوي، وتطالب أتباعه من بعده بإعلان نظري وعملي للموقف نفسه، وتعدّ الدراسة موقفاً كهذا خطوة أساسية وهامة في اتجاه المصالحة الداخلية، وتفويت الفرصة على تجار الفتن، وأصحاب المشاريع الخارجية. 6 مع التأكيد على حق كل مواطن في ممارسة حرّية الرأي والتعبير، وعدّ ذلك أمراً مكفولاً في الإطار الدستوري والقانوني؛ إلا أن مما يتعارض معهما، ذلك الإصرار اللافت على إحياء مناسبات تتعارض مع جوهر الدستور والقانون والإعلان بالتزام قاعدة الشورى في الحكم، والتأكيد على الإيمان بالتداول السلمي للسلطة، ورفض الاعتبار النسبي بدل الكفاءة، ومن ذلك الاحتفاء بيوم الغدير، ذي المدلول المكرِّس لمفاهيم مضادّة، كما أن ترديد الشعارات المستفزّة للنظام السياسي، وما يعدّه تحدّيا للسيادة الوطنية، وإعلاناً للولاء الخارجي لهو أمر جدير بالمراجعة والتعقّل من قبل الاتجاه الحوثي، خاصة وأن النتائج على الأرض أثبتت أن ذلك لا يؤذي القوى المستكبرة كالولاياتالمتحدة بل يمنحها ذريعة التدخّل في شئون البلاد وابتزاز قرارها السيادي، وفيه ما قد يفضي إلى إدراج اليمن ضمن قائمة الدول غير المستقرة، ومن ثم تدويل أزمة صعدة، وهذا مكسب مؤقت لطرف في النزاع، لكنه كارثة وطنية وقومية وإسلامية في حقيقة الأمر ومؤدّاه على الجميع. 7 لابد من توافر النيّة الصادقة والإرادة الكاملة لكلا الطرفين، والاحتكام إلى الحوار الجادّ، الذي يمكن أن يقدّم حلّاً سياسياً وتربوياً للمشكلة المذهبية، بعيداً عن الاحتكام إلى لغة البندقية، والحلّ العسكري والميداني، أيّاً كانت مبرّراته لاسيما لدى الطرف الحكومي. وهو ما يقتضي معالجة تشترك فيها شخصيات ذات سمعة حسنة، ومسلك نزيه، وخبرة متراكمة في حلّ نزاعات من هذا القبيل، مع التشديد على ضرورة إبعاد مسعِّري الحروب من هذا الطرف أو ذاك ومشعلي الفتن، والمستفيدين من أجواء الأزمات، من الاشتراك في جهود المصالحة الجادّة المنشودة. 8 لا مناص من النظر إلى المشكلة من زواياها وأبعادها المختلفة، وفي مقدّمة ذلك الزاوية التربوية والتعليمية والفكرية، وأبعادها المنعكسة على الجوانب الأخرى للمشكلة.وهنا تعالج المشكلة المذهبية من زاويتها التربوية في ضوء الاتفاق على استبعاد خيار المصادرة والإلغاء لأيّ مكوّن اجتماعي من زاوية حقّه في التعليم وفق مذهبه الخاص،على أن يظل ذلك في إطار ثوابت المجتمع وقيمه الكليّة، وجملة من الضوابط التفصيلية، توصي الدراسة بأن تناط إلى لجنة علمية تربوية، تشترك فيها أطراف ذات صلة عضوية بالموضوع، وذلك للنظر في أوضاع التعليم المذهبي سواءً في مناهج التعليم العام الرسمي في المرحلتين الأساسية والثانوية ومدى مراعاتهما لذلك، أم في مناهج التعليم الجامعي العام الحكومي من الزاوية نفسها، أم في مناهج التعليم الشرعي الأساسي والثانوي والجامعي (الخاصة)، وذلك وفقاً لدستور البلاد، والقانون العام رقم (45) بشأن التربية والتعليم، ووثيقة المنطلقات العامة لمناهج التعليم العام، وكل الوثائق والأدبيات المعتمدة ذات الصلة.