بعيدا عن النتائج غير المتوقعة التي حققها منتخبنا الوطني الأول لكرة القدم في دورة الخليج المقامة حاليا في الرياض، والمستوى المبهر الذي قدمه شباب الوطن في المحفل الخليجي الكبير أمام منتخبات “البحرين وقطر ثم السعودية”، وبعيدا عن تجاوزنا لحاجز النقطة التي ظلت طوال ال”14” عاما الماضية عنوانا بارزا لمجمل مشاركاتنا الخليجية السابقة، وعدم قدرة منتخبنا حتى على “تكرارها” في بعض الدورات بما فيها تلك التي أقيمت في أرضنا أواخر عام 2010 م وبقائها كحالة تندر وسخرية من قبل البعض تارة للتشفي وأخرى لأمور خاصة بعيدة تماما عن النقد الذي يبني “ولا يهدم” ويجبر “ولا يكسر”.. وبعيدا أيضا عن ضياع حلم الصعود إلى الأدوار التالية وكتابة تاريخ خليجي جديد بصبغة يمانية تحفظه الذاكرة وتدونه الأرشفة، وذهاب أماني وابتهالات ملايين الشعب داخل الوطن وخارجه في رؤية منتخبنا ضمن الفرق الأربع المتصارعة على كأس البطولة، وبغض النظر عن صور التضحية والفداء التي قدمها شباب منتخبنا على المستطيل الأخضر لدرة الملاعب السعودية “إثارة وروحا وحماسا وثقة ومهارة” والتي ألهبت أكف الخليجيين قبل اليمنيين، وصور التضحية التي تجلت في فدائية المدافع الصلب “محمد بقشان” الذي كاد أن يفقد حياته حبا لبلده الكبير “اليمن” وحفاظاً على عزه وكبريائه!! أو “مأثرة” الوفاء التي كان بطلها الرائع “فؤاد العميسي” وهو يكبر ويسمو فوق جراح آلامه بسماعه لخبر فقدان فلذة كبده لإحدى عينيه إثر إصابتها بسكينة حادة قبيل خوضه لمباراة قطر التي دخلها وهو يتمتم مع نفسه “روحي ودمي وأولادي” فداك يا وطني!! وبعيدا عن ملاحم الوفاء التي سطرتها جماهيرنا الرياضية في العاصمة السعودية وحب الانتماء لوطن “مفجوع” بعدائية وأحقاد بعض المحسوبين عليه ممن يسمون أنفسهم قادة وساسة، وضربها أروع الأمثلة في تحدي الظروف وتجشم عناء المجيء إلى الملعب من أماكن بعيدة لغرض الحضور والتشجيع لتصنع الحدث وتكتب بنور “الشفق” شهادة ألق جديدة لشعب عظيم تواق للفرحة، كان حضوره ليس تشجيعا في مناسبة رياضية فحسب، بقدر ماهو “حب” وتحفيز لوطن أضاعه “الساسة” ومزقته أحقاد المرتزقة ولسان حال جميعهم “أضاعوك يا وطني، وأي وطنٍ أضاعوا”. المهم والأهم بعيدا عن كل هذا وذاك رغم أهمية ما تم ذكره سلفاً، إلا أن الجميع بما في ذلك القيادات العليا في الدولة قد أدركت أهمية ما تمثله كرة القدم في حياة الشعوب، وكيف باستطاعتها جمع الناس على اختلاف مذاهبهم وأفكارهم وحتى دياناتهم حول اسم بلدهم، ومدى قدرتها على إحداث التغيير المطلوب في الأفكار والرؤى والتعاطي وحب الانتماء في وقت غابت فيه مثل هذه المبادئ والقيم من أمام من بيدهم تقرير مصير هذا الشعب المطحون بالكثير من المشاكل والمنغصات. ولعل من الأهمية بمكان ضرورة الإشارة إلى هذا المنجز المتمثل في “وحدة” قلوب كل اليمنيين حول راية الوطن، وحتمية المحافظة على هذا المنتخب وتزويده بأوكسير حياة متجدد يضمن له ديمومة البقاء والاستمرارية والبحث عن السبل المعينة له حتى يصل إلى المستوى الذي نريده مع ضرورة رسم ملامح مستقبله، خصوصا وكرة القدم تؤكد دوما أن لها “سحرا” يخالج المشاعر ووقعا يلامس شغاف الأفئدة ويدفعها دفعا للفرح حتى وإن غطت سماء أيامها سحب سوداء قاتمة لا شمس فيها ولا إشراق. ما ينبغي فعله ؟! من المهم أن يستحضر اتحاد القدم وهو يخطط لمستقبل كرة القدم اليمنية تلك الروح والحماسة والتطور في الأداء والبحث عن سبل تعزيزها وتطويرها من خلال العمل المؤسسي المنظم الذي لا يعترف بالصدفة ولا يقع تحت سيطرة النشوة الانفعالية، إذ إن أي نجاح مرهون أصلا بمدى قدرة القائمين على أمر كرتنا في التخطيط والإعداد المدروس المبني على الحقائق والأرقام تحت بند: “من أنا وماذا أريد وكيف هو واقعي ونظرتي للمستقبل وماهي الأدوات التي توصلني للنجاح والعراقيل التي ستقف أمامي؟؟” ومن ثم الانطلاق على قاعدة تلك البيانات، ولا بأس من الاستفادة من تجارب الآخرين واستقدام الكفاءات الإدارية والفنية، كما فعلت دول الجوار التي باتت اليوم تسبقنا بمسافات ضوئية رغم أننا قد سبقناها في مزاولة كرة القدم بسنوات طويلة. من المهم أن يعمل اتحاد القدم مستقبلا على تطوير مسابقات الناشئين والشباب والتنسيق أيضا مع وزارة التربية والتعليم لإحياء الرياضة المدرسية باعتبارها منطلقا ومرتكزا مهما في أي تطور منشود، والاستفادة من التفاعل الإيجابي الذي أبدته قيادات الدولة مؤخرا بما في ذلك رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزارة الشباب والرياضة وما رافق ذلك من زخم جماهيري كبير لبحث آلية زيادة مخصصات الأندية وتطوير الملاعب والمنشآت، إلى جانب تطوير مسابقة الدوري العام لأندية الدرجتين الأولى والثانية انطلاقا من كونها الوجه الآخر لأي منتخب، وقبل ذلك كله البحث عن العقلية الإدارية التي تستطيع محاكاة النجاح ونسج خيوط الألق المأمول، على أساس أن مشكلة بلادنا ليست محصورة فقط في ضعف الإمكانيات وقلة الاهتمام فحسب، ولكنها أيضا في العقول التي تدير دفة الأمور سواء في الوزارة أو اللجان العاملة في اتحاد القدم وإعطاء الخبز لخبازه كما في الأمثلة العامة بعيدا عن العلاقات والصداقات ومنطق “هذا من شيعته وهذا من عدوه” والتي ضاعت بين ثناياها الكثير من الحقوق والتي تعد سببا رئيسا في تراجع كرة القدم في بلادنا مقارنة مع نظيراتها في الخليج والمنطقة عموما!! وللحديث بقية.