مواضيع ذات صلة تراجع عدد مؤيدي نتنياهو في الانتخابات الأخيرة لأن كثيرين صوتوا للمرشح لابيد كي يشكل الرجلان معاً حكومة ائتلافية، حيث يمكن أن يضغط الأخير على نتنياهو لفرض إصلاحات اقتصادية ورفع الإنفاق الاجتماعي ومعالجة قضايا أخرى. Barry Rubin -قصدتُ في إحدى المرات ملهىً أيرلندياً ورأيتُ هناك رسمين على الجدار، فكُتب على أحدهما "الرجل الأيرلندي" وظهر في الرسم فلاح قوي، وحمل الملصق الثاني عنوان "ما يراه الآخرون في الرجل الإيرلندي" (البريطانيون على الأرجح)، وظهر في الرسم رجل غبي وثمل، وتذكرتُ تلك الرسوم عند مشاهدة التغطية الغربية للانتخابات الإسرائيلية. قبل الانتخابات في إسرائيل، اتضح عدم صحة الادعاءات القائلة إن الشعب كان يتجه إلى دعم معسكر اليمين، وإن المتطرفين الراديكاليين يوشكون على استلام السلطة (انهارت هذه الحجة طبعاً بعد أن وصل "الإخوان المسلمون" إلى السلطة فعلاً)، وإن الديمقراطية في إسرائيل أصبحت مهددة، لكن النتائج كانت كفيلة بإثبات حقيقة الوضع. في أفضل الأحوال، يمكن اعتبار أن النظرة الخارجية للسياسة الإسرائيلية بالية، وقد انتهت صلاحيتها منذ عقدين. لا تحصل الانتخابات بين كتلتين إيديولوجيتين (اليسار واليمن)، ولا يمكن اعتبار رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو متشدداً أو يمينياً، ولا تُعتبر "عملية السلام" (لم تعد موجودة بحسب رأي معظم الإسرائيليين) أهم قضية على الإطلاق. بل تؤكد نتائج الانتخابات في عام 2013 أن الناخبين الإسرائيليين لا يشملون ثلاث كتل فقط حيث تكسب كل كتلة حوالي 10% من الأصوات: الأحزاب التي يسيطر عليها العرب والتي لا تتعاون أبداً (الشيوعيون، والقوميون العرب، والإسلاميون)، والأحزاب الدينية اليهودية التي تمثّل مجموعتين مختلفتين من الناخبين (أصلهم من أوروبا أو الشرق الأوسط)، واليمين المتطرف الذي حافظ على عدد الناخبين نفسه على مر السنين. يشمل 5% من الناخبين الآخرين حزباً صهيونياً يسارياً. يصوّت ثلثا الناخبين المتبقين ضمن إطار يشبه ما يحصل في كندا، ويكون خيارهم هو الذي يحدد أبرز الأحزاب الحاكمة. هم يشكلون خمسة أحزاب تبدأ بحزب "الليكود" الوسطي اليميني برئاسة نتنياهو، وتمر بثلاثة أحزاب وسطية، وتنتهي بحزب "العمل" اليساري المعتدل. يشكك جميع هؤلاء الناخبين بالنوايا الفلسطينية، هم يدعمون حل الدولتين ولكنهم يشكون باحتمال عقد سلام ثابت وموثوق بالتعاون مع السلطة الفلسطينية التي تحكم الضفة الغربية وتعتبر الآن أن فلسطين هي دولة مستقلة لا تحتاج إلى التفاوض مع إسرائيل، أو مع حركة "حماس" التي تحكم قطاع غزة وتدعو علناً إلى تنفيذ إبادة جماعية بحق اليهود. لم تركز الانتخابات على هذه المسائل نظراً إلى هذا الإجماع بين الناخبين ونظراً إلى الدروس المستخلصة من موقف الفلسطينيين الرافض خلال عملية السلام في التسعينيات وغياب أي فرص إيجابية في المرحلة الراهنة. تمحورت الانتخابات عموماً حول المسائل المحلية. على المستوى الاقتصادي، أبلت إسرائيل حسناً في السنوات الأخيرة، لا سيما عند مقارنتها بأوروبا والولايات المتحدة. لكن أصبحت الميزانية اليوم أكبر نسبةً إلى المداخيل، بينما أدت الأسعار المرتفعة (لا سيما ثمن المنازل) إلى تأجيج الشكاوى. تحصد الأحزاب الوسطية الثلاثة (حزب "هناك مستقبل (يش عتيد) برئاسة يائير لابيد، وحزب الحركة (هاتنويا) بزعامة رئيسة الحكومة السابقة تسيبي ليفني، وحزب "كاديما" بزعامة رئيس أركان الجيش السابق شاؤول موفاز) تأييد الأشخاص الذين يدعمون الاعتدال والتركيز على المسائل المحلية والوعود بتحسين الحكم، فحصدت هذه الأحزاب الثلاثة حوالي ربع المقاعد. حقق لابيد أفضل النتائج. هو شخصية تلفزيونية محبوبة وقد دخل معترك السياسة وسار على خطى والده الذي قام بالأمر نفسه. هو نجح لأنه كان وجهاً جديداً وقد جمع من حوله فريقاً مبهراً يضم أشخاصاً من الأوساط العامة ولم يسبق أن عمل أي منهم في البرلمان. حصد نتنياهو ربعاً آخر من الأصوات، وكانت النتيجة مخيبة للآمال بالنسبة إليه لكن كافية لتحقيق الفوز. حصل هذا التراجع لأن الكثيرين صوتوا للمرشح لابيد كي يشكل الرجلان معاً حكومة ائتلافية، حيث يمكن أن يضغط لابيد على نتنياهو لفرض إصلاحات اقتصادية ورفع الإنفاق الاجتماعي ومعالجة مسائل أخرى. عدا تلك المواضيع المحددة من المتوقع أن تبقى السياسات في الحكومة المقبلة على حالها، كما كانت في عهد نتنياهو السابق. لا شك أن الحكومة المرتقبة ستواجه أيضاً قضية بارزة حول مدى صواب مهاجمة منشآت إيران النووية في حال حصل البلد على قنبلة. ما من جواب واضح عما يمكن أن يحصل، كما يحدث في ملفات أخرى، ما من انقسام بسيط بين اليمين واليسار حول هذه النقطة، بل يتخذ القادة السياسيون والعسكريون ورؤساء الاستخبارات من المعسكرين مواقف فردية بناءً على تقييمهم الخاص للتكاليف والمنافع الناجمة عن عملية مماثلة. لم يتجه الرأي العام إلى تأييد معسكر اليمين، فقد حصد الحزبان اليهوديان اليساريان ضعف الأصوات التي كسبها حزب اليمين المتطرف، ولم تظهر أي نزعة متشددة مضاعفة كما أشارت التوقعات. وافق نتنياهو على حل الدولتين في عام 1996 لكنه واجه وضعاً صعباً بعد أن رفضت السلطة الفلسطينية عقد محادثات جدية طوال فترة ولايته، وذلك على الرغم من التشجيع والتنازلات الإيجابية التي حصلت عليها من الرئيس باراك أوباما. تستعد الساحة السياسية الآن لنشوء ائتلاف حكومي جديد، فسيمنح الرئيس شيمون بيريز فترة ثلاثة أسابيع (قابلة للتجديد) كي يحصل نتنياهو على تواقيع الأحزاب التي حصدت 61 مقعداً على الأقل في البرلمان (أغلبية المقاعد من أصل 120 عضواً). إنها لعبة معقدة لعقد الصفقات بهدف تأمين ما يريده كل شريك محتمل في ما يخص شكل السياسات والمناصب الحكومية وتوفير الأموال من الحكومة للناخبين. تبدو العلاقة الشخصية بين نتنياهو والزعيم اليميني نفتالي بينيت متوترة، لكن يمكن أن ينضم إلى الحكومة ويصبح في موقف ضعيف. سيفضل نتنياهو طبعاً عقد اتفاق مع لابيد وحزب "كاديما" الصغير، ما يمنحه 52 عضواً من أصل 61 وما يساهم في سد الفجوة القائمة مع حزب ديني. لكن يرفض حزب "العمل" وليفني الانضمام إلى ائتلاف معه، وستكون عملية تشكيل الحكومة الائتلافية فوضوية ومليئة بالشائعات. باختصار، خاضت إسرائيل لتوها انتخابات ديمقراطية بمعنى الكلمة، وقد كان لافتاً أن تتراجع مظاهر الضغينة والتطرف والإيديولوجيا وسط أطول صراع في العالم وفي أكثر المناطق اضطراباً على وجه الأرض. إنه إنجاز لافت ويجب أن يفهمه العالم بدقة وأن يقدر قيمته.