عنوان المقال هو عنوان لندوة شاركت فيها ضمن الندوات الفكرية التي يقيمها مهرجان الجنادرية في الرياض في دورته الثامنة والعشرين، وقد ضمت الندوة لفيفا من الباحثين العرب وغيرهم، وكان السؤال المطروح في الندوة هو: هل هناك ثوابت لدى حركات الإسلام السياسي أم أن ما لديها متحول؟ وقد بدأت الندوة بسجال حول مصطلح "الإسلام السياسي"؛ إذ رفض بعض المشاركين هذا المصطلح باعتباره غير منهجي أو علمي، فهو يفترض أن هنا "إسلامات" منها ما هو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو غير ذلك من التقسيمات، والأولى استخدام مصطلح الحركات الإسلامية السياسية للتمييز بينها وبين غيرها من الحركات الأخرى، وللتمييز الداخلي كذلك بينها وبين الحركات الإسلامية التي لا تتبنى العمل السياسي، ولعل الإشكالية الأخرى في الثابت والمتحول داخل هذه الحركات، أنها رَبطت بين الثابت وهو "الدين الإسلامي" والمتحول وهو "العمل السياسي"، فلأن مصادر الدين وأصوله ثابتة فقد اعتقد البعض من الدارسين لهذه الحركات ومن كثير من المنتمين إليها أن عمل هذه الحركات ومبادئها ثابتة كذلك، وهو أمر يناقض العمل السياسي الذي من طبيعته التحول والتغيير؛ إذ يرتبط بالمصالح أكثر من ارتباطه بالثوابت، وبعيدا عن الخلاف حول المصطلح فإن الملاحظ أن هذه الحركات شهدت تحولات جذرية خلال العقود الأخيرة، وليست بعد الثورات العربية كما قد يتصور البعض فالتحولات بدأت قبل ذلك لكن الثورات كشفتها، فقد خضعت الحركات الإسلامية السياسية بمختلف اتجاهاتها وأفكارها لدراسات ونقاشات عدة، واهتم كثير من الباحثين وخاصة الغربيين منهم لبحث مكونات هذه الحركات وأفكارها وعرضوها للنقد والتمحيص، ولم تأت تلك المناقشات والمراجعات والنقد من خارج محيط هذه الحركات فقط، بل كان الداخل يموج بالمراجعات والمناقشات ولعل تجربة الجماعة الإسلامية المصرية خير دليل فقد تحولت هذه الجماعة من العنف والعمل المسلح إلى العمل السياسي وانخرطت فيه بعد الثورة في مصر، وقد جاء هذا التحول بعد مراجعات عدة لأفكار الجماعة ورؤيتها للعمل، وشارك عدد من قادة الجماعة داخل السجون في إحداث هذه التحولات، وليست الجماعة الإسلامية وحدها التي شهدت مثل هذا التحول، بل إن معظم حركات العمل السياسي الإسلامي شهدت مثل هذا التحول مع اختلاف في مستوى وسرعة تحولها، والواقع يشير إلى أن التحولات التي شهدتها هذه الحركات كثيرة من أبرزها قبول عدد من الأفكار التي كانت ممنوعة أو "محرمة" لدى بعض هذه الحركات، ففكرة الديمقراطية –مثلا- كانت بعض الحركات الإسلامية تنظر إليها على أنها فكرة غير مقبوله بل هي نتاج مجتمع غربي لا تناسب المجتمعات بل عدها البعض –ومازال- كفرا!! لكننا وجدنا تحولا في قبول هذه الفكرة لدى عدد من الحركات حتى عند أكثرها تمسكا ب "الثابت" كالحركات السلفية التي قبلت بالديمقراطية وعدتها وسيلة لتطبيق الشريعة الإسلامية التي تنادي، وإلى جانب الديمقراطية فإن المشاركة في البرلمانات والمجالس التشريعية كانت لدى بعض الحركات الإسلامية مرفوضة؛ لأنها مشاركة في "تشريع بغير ما أنزل الله"، وهناك العديد من الأدبيات الإسلامية التي تتحدث عن تحريم المشاركة في البرلمانات، لكن تحولا حدث في ذلك إذ شهدنا "اجتهادات" أخرى تتحدث عن أهمية المشاركة التي رفعها البعض إلى درجة "الوجوب" من أجل على تحقيق الأهداف التي تسعى لها هذه الحركات وفي مقدمتها تطبيق الشريعة، ويمكن قول مثل ذلك عن مشاركة المرأة في العمل السياسي بصفة عامة والبرلمانات بصفة خاصة؛ إذ وجدنا أن هذه الحركات وغيرها تتحول من "ثابتها" القائم على عدم تولي المرأة المسؤولية العامة إلى القول بجواز ذلك، بل تدفع بنسائها إلى المشاركة والترشيح والانتخاب، ولعل من أبرز التحولات التي حدثت في هذه الحركات أنها دفعت بقوى إسلامية لم تكن تؤمن بالعمل السياسي كالصوفيين والجماعات السلفية، بل حتى بعض جماعات العمل المسلح والعنف كجماعة الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر والجماعة الإسلامية المسلحة في ليبيا وغيرها -دفعت بها- إلى معترك العمل السياسي والتخلي عن العنف لمن كان يتبناه، وقد ينظر البعض إلى ذلك باعتباره تحولا عن الثوابت، لكننا لو نظرنا له باعتبار أن عمل هذه الحركات هو عمل سياسي مثل أي عمل آخر يعتريه ما يعتري التيارات والأحزاب السياسية في أي مكان في العالم، كما أن هذه التحولات تحمل إيجابيات كثيرة، فإذا تجاوزنا فكرة إقصاء هذه الحركات من الحضورعلى الساحة السياسية أو القضاء عليها التي أثبتت التجارب أن ذلك غير ممكن، بل إن ذلك يزيد من شعبيتها، فإن دفع هذه الحركات إلى تطوير أفكارها سيدفع بها إلى السطح لتكون في المحك فإما أن تثبت أنها تملك القدرة على تقديم ما يحقق مصالح المجتمعات وتطورها، أو أنها ستفشل وينفض الناس من حولها؛ ولذا فإن قبول فكرة "المتحول" في عمل هذه الجماعات مقدمة حتى تنتقل من المثالية الطوباوية إلى الواقعية السياسية، إن من مصلحة المجتمعات العربية تشجيع هذه التحولات فليس من مصلحة الأوطان "شيطنة" هذه الحركات والتعامل معها على ذلك بل لا بد من عقلنتها ودفعها إلى الواقعية!!