ما زلت اسميها دار الجيل، واصبح الاولاد يسمونها كما اسميها انا، ربما مرضاة لربي، وربما للتعود، واغلب الناس يسمونها «المخزن غرفة التخزين التموين»، ففي هذه الغرفة كل ما تحتاجه الاسرة من مؤونة، وايام زمان كانت دار الجيل بسيطة جداً، ففيها كيس الرز وصفيحة التمر وبعض الحبوب والسمن و«بستوك الاجار»، وحزمة الثوم معلقة بمسمار كبير، وبمسمار آخر «قلايد من الباميا المجففة»، وكذلك القدور والاواني التي تستعمل للمناسبات، هذا ما اذكره، لكن اليوم اختلفت الحال وصارت دار الجيل راقية جدا، بل مترفة، فهي مكيفة بدرجة حرارة منخفضة لحد التجمد، وفيها اجهزة تبريد وتجميد الطعام، وارفف تجعلك تشعر وكأنك في سوي مركزي مصغر.. بل ان بعض الحاجيات تجدها بدار الجيل ولا تجدها في السوق المركزي الرئيسي، فيحصل ان تتصل بي جارتي وتقول: يسلمج القى عندج طحين نخي؟.. واستأذن منها واروح اطل بدار الجيل، فتبتسم وتقولي: افا عليج.. حلالج.. كا هو فوق الرف!! وزمان حين كنا صغارا كنا نلعب «اللبيدة الاستغماية»، وكانت صديقتي تهمس لي ان عندها «خوش مكان يصلح نلبد فيه، ومستحيل احد يلقانا لا «كولمبو»، ولا حتى اشطر مخبر سري بالافلام الاجنبية! ولكن حذرتني من الافصاح لبقية البنات عن هذا المخبأ، وفهمت بعدها انها تقصد «دار الجيل»، ونركض انا وهي ونندس بين خياش العيش، ونغطي روسنا بخيشة فاضية.. والله يا هي حرورة.. وقمتة.. بس نتحمل عادي، واهمس بأذن صاحبتي: اكيد.. ما في فيران؟ تقول لي: لا.. ما في.. بس ديري بالج تدوسين المصيادة بالظلمة (معناها في فيران).. والعجيب انه رغم تحلفنا بخياش العيش وخياش اصلية (يبره متينه)، ولكن تبارك الرحمن نطلع صاغ سليم، واليوم لو يكون بينك وبين خيشة العيش عشرين متر، تعال شوف شلون الحساسية تلعب فيك لعب، على قولة الوالدة «تن وفرد»، وناس تحمر عيونهم وتورم مثل الطماط، وناس العطاس شغال وناس تكح.. وناس تحك.. واشكال الوان يا الله العافية.. فشلي حصل؟ وش صار؟ هي الخيشة اللي غيرت سياستها؟ ولا ابن آدم صار ما عنده مناعة؟ وهناك غرفة ثانية ليس لها اسم معين، اي معدومة الهوية! وكل ما اعرفه ان فيها طاولة كبيرة وبسيطة توضع فوقها المطارح.. دواشق القطن ثقيلة الوزن ولحف ووسائد.. وما شابه.. المهم.. ان الوالدة تسميها «بحر الظلمات»، فهي افضل مكان سري تخبي فيه الحاجة العزيزة عليك. والمشكلة لو نسيت بأي جهة دعست حاجتك.. فمثلا لو سألت: يمه ما شفتي علبة الهندسه؟ فتقول: دوريها في بحر الظلمات! واليوم ما زالت دار الجيل تقاوم وتكافح لتثبت وجودها ولو تغير المسمى ولكن بحر الظلمات لا وجود له، بسلامة الطقم الملكي ذلك الانيق الراقي المدلل... وطقم السفرة الاميركي الواثق من نفسه جداً، يظنون انهم الافضل، ولا يعلمون ان احلى ذكريات الطفولة كانت مع دار الجيل وبحر الظلمات... ذكريات جميلة.. هي عندي الجزء الحلو من العمر الذي لا ينسى ابداً ابداً. فضيلة التميمي