إن الناخبين الذين يدعمون الحركات الشعبوية يفعلون هذا لأنهم يعتقدون أن النخب الحالية عاجزة حقاً عن تمثيلهم. وهم لا يناهضون الديمقراطية التمثيلية بهذا المفهوم: بل إنهم يريدون ممثلين مختلفين فحسب - يريدون أشخاصاً يعتبرونهم أنقياء أخلاقياً. وعلى هذا فإن الدعوات التي تطالب بالمزيد من المشاركة الشعبية لا تشكل ضرورة أساسية بالنسبة للشعبوية؛ بل إنها مجرد عَرَض من أعراض استبعاد متخيل (أو قد يكون حقيقة واقعة، خاصة في أميركا اللاتينية). غير أن صرخات المنادين بالدمج السياسي تختلف عن الأصوات التي تطالب بالديمقراطية المباشرة. فحيثما كانت الديمقراطية المباشرة جزءاً حقيقياً من السياسة الطبيعية - كما هي الحال في سويسرا على سبيل المثال - كان أداء الأحزاب الشعبوية أفضل، وليس أسوأ، مقارنة بأماكن أخرى. ولا يقل عن هذا تضليلاً أن نتصور أن الساسة الشعبويين، بمجرد صعودهم إلى السلطة، لن يتمكنوا من الحكم بفعالية، لأنهم خرجوا إلينا من أحزاب احتجاجية تحددت أجنداتها بالكامل وفقاً للطرف الذي يعارضونه. فالحق أن ما يميز الشعبويين في السلطة هو أنهم لا يبالون إلا بأنصارهم (أما بقية السكان فإنهم لا يستحقون أي شيء على الإطلاق)، ولا يولون أي اعتبار للضوابط والتوازنات. ومن منظور شعبوي، فإن هذا منطقي تماماً: فما الذي قد يحملهم على تقبل أي ضوابط تفرض على سلطتهم ما داموا يمثلون الإرادة الأصيلة للشعب؟ إن الشعبويين قادرون على التعايش مع الديمقراطية التمثيلية؛ أما ما لا يمكنهم تحمله أبداً فهو التعددية السياسية ومفهوم المعارضة المشروعة. وكان هذا الميل إلى تشويه صورة المعارضين، وليس سياسات بعينها تميل إلى الفقراء، هو الذي جعل من شافيز زعيماً شعبوياً. وفي فنلندا، كمثال آخر، كان ادعاء التمثيل الأصيل المتفرد، وليس انتقاد الاتحاد الأوروبي، هو الذي جعل من حزب "الفنلنديون الأصليون" (الاسم في حد ذاته ينبئنا بالكثير) حزباً شعبوياً. وعلى نحو مماثل، لم تكن محاولة الشعبوي الإيطالي بيبي جريلو لتمكين المواطنين العاديين مدعاة للقلق؛ غير أن ادعاءه بأن حركة الخمس نجوم التي يتزعمها لا تستحق أقل من %100 من المقاعد في البرلمان، لأن كل المنافسين الآخرين فاسدون وبلا أخلاق، تدعو إلى القلق العميق بكل تأكيد. الواقع أن هذه السمة التي تميز الشعبوية - فكرة أن الناس لا يريدون غير شيء واحد فقط، وأن الممثلين الحقيقيين فقط هم القادرون على منحهم هذا الشيء - هي التي تفسر ذلك التماثل العجيب (الذي يُستحضَر عادة ولكنه نادراً ما يُشرَح بالتفصيل) بين الشعبوية والحكم التكنوقراطي. فتماماً كما يفترض التكنوقراط وجود حل واحد فحسب لكل تحدٍ يواجههم في التعامل مع السياسات - وبالتالي يصبح الحوار السياسي بلا ضرورة - يرى الشعبويون أن كل الناس لديهم إرادة واحدة - وواحدة فقط - غير فاسدة. أما الديمقراطية الليبرالية فإنها تفترض العكس تماماً: فهناك مساحة تستوعب دوماً وجهات نظر مختلفة - وبدائل سياسية متعددة. ينشر بالتنسيق مع بروجيكت سنديكيت