المفاوضات التي تخوضها السلطة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني في الوقت الراهن تأتي وسط انقسام فلسطيني حاد بين حركتي فتح التي تقود جناح التفاوض من أجل الحفاظ على المساعدات التي تتلقاها من الدول الغربية بصفة عامة من جهة، وبين حماس التي تتبنى مبدأ المقاومة المسلحة ضد الكيان الاسرائيلي المحتل. القاهرة (فارس) وذكر المحلل والكاتب المصري "أحمد عبده طرابيك"، في مقال له، ان تلك المفاوضات تجري في ظروف أكثر ما يمكن وصفها بأنها مفاوضات من طرف واحد، فالكيان الإسرائيلي يفاوض نفسه، ويفرض شروطه، دون أي اعتراض أو مقاومة من الطرف الآخر. فمفاوضات الوضع النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين والمحدد لها سقف زمني تسعة أشهر تنتهي بعدها القضية الفلسطينية، تزامناً مع تلك المفاوضات التي من المقرر أن تحدد مصير الشعب الفلسطيني، تتصاعد حدة الصراعات والاضطرابات االداخلية في مصر وسوريا والبحرين وتونس، وكأن المصادفة وحدها هي التي جمعت في وقت واحد المفاوضات بين الكيان الاسرائيلي والسلطة الفلسطينية، وما تشهده دول "الربيع العربي" من اضطرابات وانقضاض علي ثوراته. وتأتي المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والكيان الاسرائيلي دون أي حرج من السلطة الفلسطينية رغم عدم إلتزام "إسرائيل" بأقل وأدني شروط استئنافها وهي تجميد عملية الاستيطان، فالمفاوضات مستمرة رغم إعلان كيان الاحتلال، بناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية ومدينة القدس التي تريد "إسرائيل" أن تجعلها عاصمة أبدية للكيان الصهيوني، ولا نعلم علي وجه التحديد ما الذي يضطر المفاوض الفلسطيني إلي الاستمرار في المفاوضات التي لم تحقق أي شيء للشعب الفلسطيني سوي التنازل تلو الآخر، وفرض الكيان الصهيوني للمزيد من الأمر الواقع ببناء المزيد من المستوطنات على الأراضي الفلسطينية. دول الخليج الفارسي النفطية التي اتخذت موقفاً عدائياً من إيران، متبنية أفكار وتوجهات الدول الغربية، التي تفرض حصاراً اقتصادياً ظالماً علي الجمهورية الإسلامية لا لسبب سوي اجهاض ثورتها الإسلامية، معلنة ذريعة واهية وهي أن إيران تسعي لإمتلاك أسلحة نووية من خلال برنامجها النووي. وفي الحقيقة، الولاياتالمتحدة والدول الغربية لم تتخذ موقفاً عدائياً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلا لأنها ترفض الهيمنة الأمريكية والغربية، وتقاوم المشروع الصهيوني في المنطقة، ولو أن الجمهورية الإسلامية سارت في فلك الولاياتالمتحدة والدول الغربية كما كانت إيران في العهد الملكي السابق الذي ساندته بكل قوة باعتباره شرطي الولاياتالمتحدة في المنطقة، أو كما سارت باكستان في كنفهم وأصبحت ذراعاً لهم في المنطقة، ومن ثم سُمح لباكستان بانتاج القنبلة النووية، أو كما كانت مصر في عهد مبارك، لكان الوضع مختلفاً تمام الاختلاف. تعمل دول الخليج الفارسي النفطية التي تأتمر بإمرة الولاياتالمتحدة الأميركية لإجهاض ثورات الدول العربية، ظناً منها أن احباط تلك الثورات سوف يبعد شرارتها عن عروشهم الخاوية، خاصة بعدما أفرزت تلك الثورات إلي الواجهة قيادات التيارات الإسلامية، الأمر الذي أصبح واضحاً أن تلك الثورات التي اندلعت شرارتها من تونس وامتد لهيبها ليطيح بعروش الحكام العرب الذين ظلوا لسنوات طويلة أداة طيعة لدي الولاياتالمتحدة تبطش بها كل من لا يطيع أوامرها ويخضع لها في المنطقة. التفجيرات التي تتم بين الحين والآخر في لبنان سواء في الضاحية الجنوبية من بيروت حيث تعيش الأغلبية السكانية الشيعية، أو في مدينة طرابلس حيث الأغلبية السنية، إنما يأتي في مسلسل خلق جو من الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة ليس في لبنان وحسب، بل في المنطقة بشكل عام، وإشاعة جو من العداوة والكراهية بين أصحاب المذهبين، بهدف إحداث فتنة واقتتال طائفي، كما يأتي في سياق الفتنة بين السنة والشيعة؛ أيضاً التفجيرات المتكررة في العراق، واشعال حالة من الاحتدام والصدام بين مكونات الشعب العراقي، وفي مقدمتهم الطائفتين السنية والشيعية باعتبارهم أكبر مكونين من مكونات الشعب العراقي ، كل هذه الفتن التي يتم تدبيرها وتنفيذها إنما تأتي لتحقيق هدفين ، الأول هو تفتيت العالم العربي والإسلامي من خلال تناحره واقتتتاله واضعافه ومن ثم عدم وجود أي مقاومة للكيان الصهيوني المحتل ، والثاني هو تنفيذ الولاياتالمتحدة والكيان الصهيوني لأهدافهم بالهيمنة علي المنطقة . عودة المفاوضات بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين ليست بعيدة عما حدث في الثالث من يوليو 2013 في مصر ، حيث أن تلك المفاوضات التي تعارضها الحركات المقاومة وعلي رأسها حركة حماس كانت في حاجة إلي غطاء سياسي من الدول والقوي الداعمة لتلك المفاوضات، مع تكميم الأصوات المعارضة لها، وكذلك اضعاف وانهاك وحصار القوى الرافضة لتلك المفاوضات، وقد كانت مصر في عهد محمد مرسي من أهم المناصرين والداعمين لحركة حماس، ونظراً لإستحالة اسكات الصوت المصري، وصعوبة إخراج مصر من المشهد الفلسطيني، فقد كان لابد من إخراج مرسي نفسه من المشهد السياسي، وإغراق مصر في حالة من الفوضى لا يستطيع الشعب المصري التعبير عن رفضه للمفاوضات التي لم تقدم أي شيء للشعب الفلسطيني، وكذلك فإن القوى الداعمة لحركة حماس وفي مقدمتها إيران وتركيا لا تستطيع من التواصل مع حركة حماس وقطاع غزة بشكل عام، ويكون التواصل مع غزة عبر الموافقة والشروط الإسرائيلية. لقد أصبحت حركة حماس باعتبارها امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين هدفا عدائيا في وسائل الإعلام المصري، وذلك بالتنسيق مع أجهزة المخابرات في السلطة الفلسطينية، وقد قامت وسائل الإعلام المصرية التابعة للدولة وفلول النظام السابق في مصر بشن حملة إعلامية غير مسبوقة بهدف تشويه سمعة الحركة وتوجيه الاتهامات لها عن الكثير من الأحداث التي وقعت في مصر من أجل إثارة الرأي العام المصري ضد الحركة، وهو ما كشفت عنه حركة حماس بعد حصولها علي عدد من الوثائق التي تثبت تورط حركة فتح في تسريب أخبار كاذبة عن مسئولية حماس عن العديد من الأحداث في مصر بهدف خلق جو من العداء والكراهية بين حماس والشعب المصري. هناك أطراف في المنطقة في مقدمتها الكيان الصهيوني من مصلحتها زيادة التوتر في العلاقات بين دول المنطقة ، وخاصة الدول الكبرى والهامة والمؤثرة كإيران وتركيا ومصر، فإذا كانت مصر بحكم التاريخ والجغرافيا شريكا أساسيا في الصراع العربي الإسرائيلي عامة، وفي القضية الفلسطينية خاصة، وأن الاهتمام التركي بالقضية الفلسطينية الذي أصبح يشكل محوراً أساسياً في السياسة الخارجية التركية منذ وصول حزب العدالة والتنمية للحكم عام 2002، فإن الاهتمام الإيراني بالقضية الفلسطينية بدأ مبكراً مع قيام الثورة الإسلامية، ويكفي أنه بعد أربعة أشهر فقط من الثورة أعلن الإمام الخميني عن تسمية الجمعة الأخيرة من شهر رمضان من كل عام بيوم القدس العالمي، لتجديد العهد في دعم الكفاح من اجل تحرير القدس والأراضي الفلسطينية، ولذلك فإن الولاياتالمتحدة والكيان الصهيوني يعملان مع شركائهما في دول الخليج الفارسي من الدول النفطية على إشاعة عدم الاستقرار في مصر والدول الفاعلة في القضية الفلسطينية والداعمة لها. /2336/ 2811/