العلاقة العضوية بين القصة الومضة والتوقيعات الأدبية التوقيعات مشتقة في اللغة من التوقيع بمعنى التأثير فيكون (التوقيع) سبباً فى (وقوع) الأمر وإنفاذه ، وعرفت التوقيعات بأنها الأقوال الموجزة البليغة التى يكتبها المسئول أو يأمر بكتابتها كرد وتوجيه مؤثر وفعال فى المعاملات الإدارية . ازدهرت التوقيعات فى ظل الاهتمام ببلاغة اللغة وفصيح الكلام في عصور الدولة الإسلامية والأموية والعباسية وخصصوا حينئذ ديواناً يُعرف ب(ديوان التوقيعات) عينوا فيه بلغاء الأدباء والكتاب ، ثم اندثرت (التوقيعات) وخبا وميضها المبهر فى ظل الإطناب والاسترسال والشرح والتفصيل على نحو ماحدث فيما بعد ؛ من إصدار مراسيم مدونة فى عدة صفحات ؛ ففقدت بهذا صفتها الأدبية لافتقادها عنصر البلاغة التى تعنى :حسن البيان وقوة تأثيره ويجدر بنا أن نعرض هنا بعض التوقيعات من عصور الازدهار ليتبين لنا ماحوته من عناصر أساسية (إيجاز ومفارقة وأمر نافذ مباغت ومدهش) : شكوت فأشكيناك ، وعتبت فأعتبناك ، ثم خرجت على العامة ؛ فتأهب لفراق السلامة . داو جرحك ؛ لايتسع . كثر شاكوك ، وقل شاكروك ؛ فإما اعتدلت ، وإما اعتزلت . القدرة تذهب الحفيظة ، والندم جزء من التوبة ، وبينهما عفو الله . طهر عسكرك من الفساد ؛ يعطيك النيل القياد . ليت طول حلمنا عنك ؛ لايدعو جهل غيرنا إليك . أراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى ، فإذا أتاك كتابي ؛ فاعتمد على أيهما شئت . أدارك فى البصرة ، أم البصرة فى دارك . قيمة كل امرىء ؛ مايحسن . الخط جسم روحه البلاغة ، ولاخير في جسم بلا روح . ونختتم هذه النماذج الرائعة من أدب التوقيعات بتوقيع أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه (ادن من الموت ؛ توهب لك الحياة) إيجاز ومفارقة وإيحاء وخاتمة مباغتة مدهشة وتلك لعمري هي عناصر الومضة التى أضحى جسدها التوقيعات وثوبها القص هذا الثوب القصصي لو اتسع أضاع ملامح الجسد وتاهت معالمه ، ولو ضاق وأحكم عليه أظهر حسنه ومفاتنة . ........................... هذه مقدمة سريعة ومقتضبة أردت بها التأكيد علي حقيقة العلاقة الوطيدة بين القصة الومضة وأدب التوقيعات ، وأعد أن أتبعها إن كان فى العمر بقية بدراسة مطولة فى هذا الشأن .