اعتبر الصحفي الأمريكي، مايكل فايس، في مقاله المطول حول الدور الروسي المتنامي في الشرق الأوسط بعنوان «العالم لا يشعر بارتياح لعودة روسيا إلى الشرق الأوسط»، الذي نشر قبل بضعة أيام على موقع «أميريكان إنترست» الإلكتروني، أنه يمكن اعتبار العام 2013 العام الذي أعاد فيه الكرملين تعزيز قوة روسيا في الخارج التي تضعضعت مع انهيار الاتحاد السوفيتي، وهو ما اتضح بشكل لافت في منطقة الشرق الأوسط وعلى وجه التحديد في سوريا ومصر وإيران وإسرائيل.. ويمكن للمراقب أن يلاحظ أن روسيا أصبحت تمرح الآن فوق العشب الأمريكي بما يعد محاولة لتقليص الدور الأمريكي في المنطقة، التي كانت واشنطن تهيمن عليها حتى وقت قريب، وأن هذا الوضع لم يعد قائمًا الآن، بعد وصول راع جديد إلى المنطقة ومعه عروض مغرية لأسلحة متطورة. وعلى العكس من واشنطن فإن هذا الراعي الجديد أظهر استعدادا كبيرًا للوقوف إلى جانب الأصدقاء إلى حد عدم الممانعة في خوض غمار حرب دبلوماسية مع الغرب في حالة تعرض أولئك الأصدقاء إلى الخطر.. ويمكن القول استنادًا إلى هذه الحقيقة إن استعادة روسيا لدورها في منطقة الشرق الأوسط يعود بالدرجة الأولى إلى تنازل أمريكا عن هذا الدور، ومسارعة روسيا لملء الفراغ الحاصل من جراء هذا التنازل.. ويحذر وايز من الدور الروسي الجديد في المنطقة بالقول: إنه يتوجب على واشنطن أن تفكر مرتين قبل الترحيب بهذا الدور.. وفيما يلي أهم ما تناوله وايز في هذا المقال المهم. تطور دراماتيكي يجيب وايز على السؤال حول الأسباب، التي دعت واشمطن إلى التنازل عن دورها في الشرق الأوسط بأنه نتيجة للإجهاد الأمريكي بسبب التدخلات السابقة في المنطقة، ونتيجة اضطرابات الشرق الأوسط بما فتح المجال واسعًا أمام روسيا للتدخل في المنطقة كراع ووسيط وقيم جديد عليها.. واعتبر وايز أن تتويج ملكية الكرملين للدبلوماسية الدولية من خلال السيطرة على الأزمة السورية على مدى ال 18 شهرًا الأخيرة، وهي تلك الأزمة، التي أسفرت حتى الآن عن سقوط 120 ألفا، مع الاستخدام المتكرر للسلاح الكيميائي، واستمرار إضفاء الشرعية على الشخص المسؤول عن هذه الجرائم – رأس النظام: بشار الأسد- مضيفًا أن الحرب الأهلية السورية، وبسبب عدم اتخاذ البيت الأبيض موقفًا حازمًا بشأنها، نقلت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى وسيط قوي ورئيسي لفترة ما بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، وحولت موسكو إلى مركز جديد للتأثير الجيوسياسي في المنطقة.. وهكذا أصبح هدف بوتين تقديم نفسه كرئيس يمكن الاعتماد على مواقفه الثابتة كبديل لأوباما الذي يغير مواقفه بسهولة. وتبدو المفارقة في هذا التغير الدراماتيكي الذي يبدو من الواضح أنه يخدم المصالح الروسية في أن العلاقات السورية – الروسية الآن أفضل من العلاقات في زمن الاتحاد السوفيتي، وهو ما دعا، بالرغم من أن السوريين كانوا أكثر تأسفًا على انهيار الاتحاد السوفيتي من الروس أنفسهم.. والحقيقة أن العلاقات السورية – السوفيتية كانت على جانب كبير من التعقيد، ولا تخلو من الشكوك المتبادلة بسبب محاولات موسكو فرض الأيديولوجية السوفيتية على سوريا، وهو ما لم يكن الرئيس حافظ الأسد يرحب به، في مقابل المساعدات العسكرية والاستخباراتية، التي لم يكن في استطاعة سوريا الاستغناء عنها.. بيد أن العلاقات السورية – الروسية، التي بعثت من جديد في عهد الرئيس الروسي بوتين أصبحت تتخذ مظهرًا جديدًا تقوم على أساس رفض الأخير لما يراه هيمنة أمريكية على المنطقة. وهو ما أصبح بالإمكان ملاحظته الآن بطرق العديد من حلفاء أمريكا التقليديين في المنطقة أبواب الكرملين بعد أن أدركوا أن روسيا هي الراعي الجديد لاستقرار المنطقة، وأنها الطرف الدولي القادر على حل الأزمة السورية. تشفِّي بوتين عندما وقعت هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، التي استهدفت مدينتي نيويوركوواشنطن، والتي تعتبر الأكثر كارثية على الولاياتالمتحدة منذ قصف اليابانيين لبيرل هاربور، كان الرئيس بوتين (في فترة رئاسته الأولى حينذاك) أول رئيس في العالم يتصل بنظيره الأمريكي جورج دبليو بوش ليعزيه ويعرض عليه المساعدة. لكن بعد مضي 12 سنة على ذلك الحدث، وظف بوتين ذكرى 11 سبتمبر في توجيه التهديدات غير المباشرة للأمن القومي الأمريكي، وفرك أنف واشنطن على خلفية فشل سياستها الخارجية، وتذكير الأمريكيين بأن لا استثناءات لبلدهم في ظل النظام الدولي الناشئ الجديد. وهو ما اتضح في عدة مظاهر، كان أولها نشره افتتاحية رأي في صحيفة «نيويورك تايمز» في ذكرى 11 سبتمبر حذر فيها من التورط في سوريا، مذكرًا بالتجربة الأمريكية المريرة في ليبيا والعراق وأفغانستان، كدليل على أنه ينبغي على واشنطن أن تنأى بنفسها عن الخوض في مستنقع الشرق الأوسط مجددا، وأن لا تتدخل في دعم الكرملين للرئيس بشار الأسد تحت حجة أنه ديكتاتور.. والحقيقة أن هذه الافتتاحية أعطت المثال على ما اعتاد جهاز المخابرات الروسي (الكى .جي .بي) على تسميته «التدابير الفعالة»: التضليل والدعاية السياسية التي تهدف إلى تأليب الرأي العام ضد دول الغرب، وعلى الأخص الولاياتالمتحدة. والواقع أن توقيت نشر بوتين لمقاله في أوسع الصحف الأمريكية انتشارًا كان توقيتًا بارعًا للغاية، فإلى جانب تذكيره لهم بمأساة 11 سبتمبر، فإن المقال جاء مواكبًا لتردد الرئيس أوباما حيال اتخاذ الإجراء المناسب للرد على استخدام الرئيس بشار الأسد للسلاح الكيميائي في الغوطة بالقرب من دمشق، مما أشعل الجدل حول هذا الموضوع في أوساط الرأي العام الأمريكي، إلى جانب عدم إخفاء الكثيرين من الأمريكيين إعجابهم بالرئيس بوتين وتمنياتهم أن يكون رئيسهم في مثل مستوى براعته السياسية. معلومات هامة ربما أن كثيرين يجهلون حتى الآن كيف استخدمت موسكو ورقة التهديدات إذا ما أقدمت واشنطن على قصف سوريا، وهو ما كشف عنه ألكسندر بوشكوف رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالدوما (البرلمان الروسي) بقوله إنه إذا ما أقدمت الولاياتالمتحدة على قصف سوريا، فإن موسكو ستعيد التفكير في الحظر، الذي تفرضه على إيران الخاص بتصدير التقنيات المتقدمة لها، إلى جانب وضع نهاية لشبكة التوزيع الشمالية لأفغانستان، التي ينقل البنتاجون من خلالها الرجال والعتاد عبر الأراضي الروسية. من هو مايكل ويس؟ مايكل ويس هو رئيس تحرير صحيفة «المترجم» الإلكترونية التي تعنى بترجمة الأخبار الروسية إلى اللغة الإنجليزية، وهو أيضًا كاتب عمود في «ناو ليبانون»، و»فورين بوليسي»، وينشر مقالاته في العديد من الصحف والمجلات الأخرى.