الأربعاء 30 أبريل 2014 10:29 صباحاً ((عدن الغد)) متابعات: كتب/ محمد عبدالله يونس تواجه بعثات الإغاثة الإنسانية في الإقليم إشكاليات معقدة تعترض أداءها لمهامها، في خضم الصراعات الداخلية المتصاعدة، بما يؤثر على تلبية احتياجات المدنيين واللاجئين من ضحايا تلك الصراعات؛ إذ لم تعد بعثات الإغاثة بمعزل عن تبعات تزايد وتيرة المواجهات المسلحة، وباتت تعاني من استهداف عسكري متواصل، سواء عبر التصفية الجسدية، أو الإصابة المباشرة، أو استهداف المقار الخاصة بها، أو التعرض للحصار والاختطاف، فضلا عن بعض القيود التي تفرضها الحكومات على أنشطتها لعدم الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان في التقارير الدولية الصادرة عنها، مما يؤدي إلى مضاعفة أزمات الأمن الإنساني في مناطق الصراعات، نتيجة تلازم معاناة المدنيين في خضم الصراعات المسلحة مع تعثر وصول المساعدات الإنسانية إليهم موضوعات ذات صلة معضلة الاستهداف: تكشف مراجعة حالات استهداف أطراف الصراعات الداخلية لبعثات الإغاثة الإنسانية على المستوى العالمي عن تصاعد مضطرد في الآونة الأخيرة، في ظل مساعي أطراف الصراع للتحكم في احتياجات المدنيين كآلية لإدارة الصراع، وإضعاف الخصوم، وللتعتيم على الانتهاكات بحق المدنيين، فضلا عن محاولة الاستيلاء على الإمدادات الإنسانية لسد احتياجات الوحدات العسكرية، أو الحصول على فدية من جانب المنظمات الدولية مقابل الإفراج عن المختطفين من عناصرها. وفي هذا الإطار؛ يُشير تقرير أمن عمال الإغاثة الصادر عن مؤسسةHumanitarian Outcomes"" قبيل نهاية عام 2013، إلى أن الهجمات التي استهدفت المتطوعين في مؤسسات الإغاثة قد ارتفعت من 151 هجومًا إلى 167 هجومًا خلال عام، وأن عدد ضحاياها تجاوز 274 متطوعًا أجنبيًّا و225 متطوعًا محليًّا، وتكشف إحصاءات المؤسسة أن دول الشرق الأوسط تتصدر حالات استهداف العاملين بالإغاثة الإنسانية، وفق ما يوضحه الرسم البياني التالي: فقد جاءت أفغانستان على رأس قائمة دول الإقليم التي يتعرض فيها العاملون ببعثات الإغاثة لهجمات من جانب أطراف الصراع الداخلي، في ظل تصاعد نشاط حركة "طالبان"، تليها السودان وخاصة في إقليم دارفور، وسوريا لا سيما عقب احتدام الصراع بين نظام الرئيس بشار الأسد وقوى المعارضة المسلحة، والصدامات المسلحة بين "جبهة النصرة" و"تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، ثم الصومال عقب تصاعد نشاط تنظيم "جماعة الشباب الإسلامية"، وباكستان. وتتنوع عمليات الهجوم وفق ما يوضحه الرسم البياني التالي: ويمكن القول إن عمليات الاختطاف باتت تتصدر أنماط استهداف المتطوعين في منظمات الإغاثة الإنسانية، سواء للحصول على فدية، أو للضغط على الحكومات، تليها عمليات إطلاق الرصاص على المتطوعين، واستهداف قوافل الإغاثة الإنسانية بالتفجيرات، ثم الاعتداءات البدنية على المتطوعين، وحصارهم داخل المقرات بهدف عرقلة أنشطتهم، أو الاستيلاء على الإمدادات الإنسانية المخصصة لضحايا الصراعات المسلحة من المدنيين. مخاطر متصاعدة: تتسق بيانات التقارير الدولية سالفة الذكر مع تصاعد عمليات استهداف البعثات الإنسانية في بعض دول الإقليم، حيث اتهم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في 24 مارس 2014، طرفي الصراع في سوريا بعرقلة عمل مؤسسات الإغاثة الدولية رغم استصدار مجلس الأمن قرارًا بالإجماع يطالب بحرية وصول المساعدات بشكل سريع وآمن عبر الحدود في فبراير 2014، خاصة في ظل وجود ما يقرب من 220 ألف مواطن تحت الحصار في مناطق متفرقة، وحاجة 9.3 مليون سوري إلى مساعدات إنسانية، بالإضافة إلى 2.6 مليون لاجئ، وفق إحصاءات الأممالمتحدة. بينما أشار تقرير مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية، في 6 أبريل 2014، إلى أن بيئة عمل البعثات الإنسانية في اليمن أصبحت أكثر خطرًا، خاصةً عقب اختطاف اثنين من موظفي الأممالمتحدة في 25 مارس 2014، ومقتل رئيس الوكالة الألمانية للتعاون الدولي في ديسمبر 2013، وهو ما دفع "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" و"منظمة أطباء بلا حدود" إلى تخفيض بعثاتها للحدود الدنيا في مناطق الاشتباكات، في ظل حصار العاملين في المجالات الإنسانية بين ميليشيات الحوثيين في الشمال والانفصاليين الجنوبيين والتنظيمات الجهادية والميليشيات القبلية والعصابات الإجرامية. وفي السياق ذاته، تعرض العاملون في منظمات الإغاثة الإنسانية بالصومال، في مطلع أبريل 2014، لهجمات متكررة من جانب "جماعة الشباب الإسلامية"؛ حيث قتل اثنان من موظفي الإغاثة في بلدة جالكايو بوسط الصومال، كما تم اختطاف اثنين من العاملين ب"منظمة أطباء بلا حدود". والأمر نفسه ينطبق على إقليم دارفور، حيث أدى انعدام الأمن إلى إلغاء زيارة منسق مكتب الأممالمتحدة للشئون الإنسانية دايمن رانس لمخيم "زمزم" بشمال دارفور، في 10 أبريل 2014، بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في ظل الاشتباكات بين المتمردين والقوات الحكومية التي أسفرت عن إحراق 72 منزلا، فضلا عن نزوح ما لا يقل عن 270 ألف شخص من إقليم دارفور منذ فبراير 2014، كما قدمت بعثة الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي بدارفور "يوناميد" شكوى، في مارس 2014، من إعاقة الحكومة السودانية لعمل منظمات الإغاثة الإنسانية في دارفور، واستدلت على ذلك بمقتل أحد متطوعي الإغاثة الإنسانية التابعين لمنظمة "ورلد فيجن" في يوليو 2013 بجنوب دارفور. وعلى الصعيد ذاته، تعرض أربعة من موظفي منظمة "الجذور من أجل السلام" الأمريكية للحصار في أفغانستان، في 28 مارس 2014، عقب هجوم حركة "طالبان" على أحد مقراتها، وهو ما يتسق مع تصريحات مارك باودين منسق الأممالمتحدة للشئون الإنسانية في أفغانستان، في 30 نوفمبر 2013، التي أكد فيها أن موظفي الإغاثة الإنسانية في أفغانستان أصبحوا يواجهون تهديدات متصاعدة، خاصةً عقب الانسحاب الأمريكي، وذلك بعد مقتل تسعة من موظفي الإغاثة الإنسانية، واستهداف ما لا يقل عن 73 شخصًا من المتطوعين بمنظمات الإغاثة. محفزات الترصد: لا ينفصل تصاعد وتيرة استهداف المنظمات الناشطة في مجالات الإغاثة الإنسانية عن التحولات الجوهرية في طبيعة الصراعات الداخلية عقب الثورات العربية، مع تفكك دول الإقليم، وتآكل قدرتها في السيطرة على إقليمها، وتصاعد دور الميليشيات المسلحة، واتساع نطاق التدخل الخارجي في مسار الصراعات. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى أسباب متعددة تحفز عمليات استهداف منظمات الإغاثة الإنسانية: 1- التضييق الحكومي: تسعى بعضُ نظم الحكم في دول الإقليم إلى تحجيم دور منظمات الإغاثة الإنسانية، بسبب التقارير التي تصدرها تلك المنظمات لإدانة انتهاكات تُرتكب بحق المدنيين، والتي قد لا تخلو في بعض الأحيان من تسييس متعمد. ففي السودان، اتخذ نظام الرئيس عمر البشير قرارًا بطرد عشرات المنظمات الإغاثية الدولية، وتقييد عمل منظمات أخرى بدعوى تدخلها في الشئون الداخلية للدولة السودانية، خاصةً عقب إصدارها تقارير دولية عن الانتهاكات في إقليم دارفور، ومساهمتها في التصعيد الدولي ضد الخرطوم، وإصدار مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس البشير في مارس 2009. 2- ادعاءات التبشير: عادةً ما تتهم بعض التيارات الجهادية منظمات الإغاثة الدولية -خاصةً المرتبطة بحركات مسيحية عالمية- بالقيام بعمليات تبشير تهدف إلى تغيير ديانة ضحايا الصراعات الأهلية، وهو ما يدفعها لاستهداف المتطوعين التابعين لها. وفي هذا الصدد، هاجمت حركة "طالبان"، في مايو 2010، جمعية "الإغاثة الكنسية النرويجية" بدعوى ممارستها التنصير عقب اختطاف الحركة حوالي 21 من المتطوعين في أنشطة إغاثة ينتمون لكوريا الجنوبية، وقتل 2 من بينهم في عام 2007، وهي الادعاءات ذاتها التي توجه لمنظمات الإغاثة الإنسانية في السودان، انطلاقًا من محاولات التضييق على أنشطة الإغاثة الإنسانية، والسيطرة على السكان المحليين. 3- المطالبة بفدية: قد يكون اختطاف المتطوعين في عمليات الإغاثة الإنسانية بهدف الضغط على نظم الحكم لتحقيق مطالب محلية، كما يحدث في اليمن، التي شهدت تصاعدًا في وتيرة اختطاف الأجانب بهدف الضغط على الحكومة لتحقيق مطالب بعض الأقاليم، وفي هذا الإطار أشار سيريس هارتكورن، رئيس تحليل المخاطر في شركة الاستشارات الإنسانية "يمن أكثر أمنًا"، في 6 أبريل 2014، إلى أن عمليات الاختطاف أصبحت أكثر عنفًا، وباتت تنطوي على إطلاق رصاص على الضحايا، وتستهدف الحصول على فدية مالية، على غرار ما تعرضت له منظمة "الصليب الأحمر" خلال عام 2013. 4- قطع الإمدادات: أصبح تحجيم نشاط منظمات الإغاثة الإنسانية وقطع إمداداتها الغذائية والدوائية عن بعض المناطق المحاصرة أحد تكتيكات المواجهات العسكرية بين الأطراف المتصارعة، على غرار استهداف كلٍّ من الجيش السوري النظامي وفصائل الجيش السوري الحر لعمليات الإغاثة الإنسانية، خاصة في المناطق المحاصرة، بهدف تضييق الخناق على الكتائب العسكرية المتحصنة بها ودفعها للاستسلام أو إخلائها لتحقيق السيطرة الكاملة. 5- تقويض الشرعية: تحاول بعض الميليشيات المسلحة، من خلال مهاجمة منظمات الإغاثة الإنسانية، تقويض شرعية نظم الحكم القائمة، ودفع المدنيين للتكتل ضدها نتيجة إخفاقها في تلبية احتياجاتهم الأساسية، وهو ما يفسر عمليات الاستهداف المتتالي لموظفي الإغاثة الإنسانية في أفغانستانوسوريا وليبيا واليمن، وإعاقة محاولات تلك المنظمات الوصول إلى مناطق المواجهات العسكرية المحتدمة لمساعدة المدنيين، فضلا عن عمليات السطو المسلح على إمدادات الإغاثة الإنسانية بهدف الإفادة منها في المواجهات العسكرية. وإجمالا، يمكن القول إن عمليات استهداف منظمات الإغاثة الإنسانية ستؤدي لتعميق أزمات الأمن الإنساني، وزيادة الفجوة بين القدرات الاستيعابية لنظم الحكم واحتياجات المواطنين من المتطلبات الأساسية للحياة، في خضم الصراعات المسلحة، بشكل يعزز من احتمالات تراجع تدفق المتطوعين والناشطين على بؤر الصراعات الداخلية في بعض دول الإقليم، نتيجة تصاعد حدة التهديدات، وتزايد نشاط الميليشيات المسلحة، وتداعي مؤسسات الدولة وضعف قدرتها على فرض حد أدنى من الأمن والاستقرار يكفل تحقيق عمليات الإغاثة الإنسانية لأهدافها عن/المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية عدن الغد