لا يمكن أن يكون الاتحاد السوفيتي غزا أفغانستان للوصول إلى تفتيت الاتحاد السوفيتي، ولا يمكن أن يكون النظام العراقي غزا الكويت بغية الوصول إلى غزو العراق وإقصاء النظام العراقي. إذا النظام الأممي في عدن ناصر النظام التقدمي في أفغانستان، فالنظام في صنعاء لم يكن في الموقف أو الجبهة المضادة كموقف مع الجهاد الإسلامي أو كعميل للرجعية أو الإمبريالية كما ظل يطرح، فموقفه لم يكن مع الجهاد الإسلامي لكنه لا يحتاج لموقف ضده إذا كان ذلك يصنع له مشكلة أو يضيف مشاكل لما في واقعه من مشاكل. فعدم السير في موقف دعم وتأييد الجهاد الإسلامي في أفغانستان يقدم وعيه السياسي، وعدم السير في منع الجهاديين وتفويج المجاهدين من اليمن يقدم واقعيته السياسية. معادلة موقف النظام في صنعاء من حرب الجهاديين في أفغانستان تقدم وعيه وواقعيته في ذلك الزمن، كما هي تقدم وعي وواقع النظام هذه الأيام أو في هذا الزمن. فإذا النظام في صنعاء وموقفه ليس مع حروب الجهاد في أفغانستان لا يستطيع تطوير هذا الموقف واقعياً إلى منع سفر وتفويج الجهاديين من اليمن إلى أفغانستان، فإنه لا يمكن تحميله مسؤولية الإرهاب في واقع اليمن في فترة لاحقة، لأن الإرهاب فرض أمراً واقعاً في اليمن منذ ذلك الزمن وفوق قدرات النظام. بغض النظر عما نتفق أو نختلف حوله فلنسلم بأن النظام من هذا الوعي والواقعية كبر إيجابياً واكتسب سمعة عالمية لم يصل إليها أي نظام آخر في اليمن، ومن وضع ومواقف اتزان وتوازن وليس من وضع ومواقف ولاء وموالاة أو معاداة وعمالة، وهذا ما يجعل وصوله إلى هذا التأثير أو السمعة استحقاقا انتزعه أو بلغه وليس هبة من آخرين أو دوراً لآخرين. ما هي أزمات في الواقع أو أزمات الأمر الواقع هي الواقع العام وواقع النظام وواقع الحياة السياسية، وفيها اختلاط ومختلط لحاصل سلبيات وإيجابيات كل طرف مع الواقع العام، والطبيعي اختلاط سلبيات أو أخطاء النظام أو المعارضة بالواقع العام. فأي نظام وفي أي واقع لا بد أن يخطئ ويكون له أخطاء، أما حين يكون الواقع هو كما حالة اليمن فالطبيعي احتمال أخطاء أكثر، ولكن أخطاء النظام تظل جزءاً من أخطاء الواقع، وليست أخطاء الواقع جزءاً من أخطاء النظام. الشيوعية فرضت في الواقع كأمر واقع فهل الذي فرضها خيار ووعي الجبهة القومية أم صراع وقوة السوفيت؟!.. والإرهاب فرض في الواقع كأمر واقع فهل فرضه خيار ووعي طرف داخلي "أصولي" أم مؤثرات وصراع وقوة أطراف خارجية؟!!. عندما ينتهي الأمر الواقع لمشكلة في واقع بلد أو منطقة أو العالم، فإنه يفترض مواجهة ومعالجة تبعات وتداعيات هذه المشكلة في الواقع، أكانت النازية أو الشيوعية أو الإرهاب أو نحوها. النظام في صنعاء ظل المرجح للاتزان أو رمانة الميزان التي حافظت على مستوى من عقلانية الواقع والوعي به، ومنعه من تدهور وانهيار إلى مستوى ما عرف لاحقاً بالصوملة والأفغنة. اليمن كانت مرشحة لصوملة قبل الصومال ولكن قبل الوحدة وليس بعدها، أما ما جرى بعد الوحدة ومن ذلك إطلاق مفردات الصوملة والأفغنة، فإن ذلك جاء من استهداف للنظام ولاستهدافه كما عناوين "انهيار النظام" و"انتهاء صلاحية النظام". لعلي مثلا في التراجع الحاد لسعر العملة الوطنية مؤخرا أميل لتخطيء النظام أكثر مما ألمس ما يقنع لتبرير الخطأ وليس لنفي وجود الخطأ أو حدوثه. إذا خطأ خيار الشيوعية لم تقص نظاماً سياسياً وطرفاً سياسياً، وإذا خطأ علاقة التحام سياسي بالإرهاب لم تقص طرفا سياسيا بل صار في شراكتين قبل وبعد الوحدة، فإنه ومن باب أولى علينا التفكير في ماهية الأخطاء التي يمكن أن تقصي نظاماً أو تقصي طرفاً سياسياً لم يسر في خيار الشيوعية ولا في خط الإرهاب. المعارضة التي لم تكن واقعية مع الثورية في الحرب الباردة ليست واقعية مع وفيما بعدها، ومن ذلك الديمقراطية ولذلك فهي ليست واقعية مع ديمقراطية التنوير وخيارها ديمقراطية التثوير، أي أنها ليست مع أفضلية الديمقراطية كبديل لتثوير الحرب الباردة بل أفضليتها تثوير الحرب الباردة، والديمقراطية وسيلة أنسب فقط للتثوير في الظروف الجديدة. الذي كان يحارب الإرهاب خلال الجهاد في إفغانستان من اصطفاف جبهة السوفيت أو بعد انهيار السوفيت من اصطفاف مع الطرف المضاد، إنما يمارس صراعات لا تعبر عن وعي أو قناعات، فالطرف الذي لديه وعي وقناعات هو الذي لم يكن مع حروب الجهاد، ولا مع الاصطفاف التقدمي كموقف لاسترضاء فيه لطرف ولا خوف من طرف غير واقعية مراعاة الأمر الواقع. هذا الطرف في قناعاته ووعيه ما يصطدم بالإرهاب بحسابات واقع بلد ووعي وطن وليس بحسابات صراعات عالمية و أقليمية، وبالتالي فهو واقعي مع الأوضاع الأقليمية أو العالمية في مدى وتصعيد حربه ضد الإرهاب، وبالتالي فالنظام في صنعاء طرف لم يدخل الديمقراطية كموضة عصر أو كخيار مد قومي أو أممي، وطرف لم ينقلب على ذاته كما الطرف الشيوعي بعد اندثار الشيوعية أو أطراف بعد أحداث سبتمبر 2001م.. المعارضة حين تطرح مفردات صوملة أو أفغنة أو عناوين انهيار نظام وانتهاء صلاحية النظام، فهي تؤكد عدم اكتراثها بالوطن وواقعه وبواقع أي نظام في أي وطن، وبالتالي فهي تقدم بديل تخريب وتدمير ولا تقدم بديل تنمية وتعمير واقعي، ففيما الشيوعية في وضع انهيار وتلفظ أنفاسها الأخيرة، كان انقلابيون شيوعيون على نظام شيوعي في عدن يقدمون عهوداً ووعود بناء حزب طليعي شيوعي من طراز جديد، وهكذا بديلهم شعارات في ظل ديمقراطية ناشئة تنمى أو في ظل شيوعية تتهاوى وتنهار. إذا ثقل الشيوعية والأنظمة الشيوعية تنهار فهم لا يقرون بالانهيار وربما لا يقرأون، بل يصممون على بناء حزب شيوعي من طراز جديد، وإذا النظام يكتسب ثقلاً أقليمياً ودولياً لم تصل اليمن لمستواه في تاريخها فهذا النظام يتهاوى وينهار ومنتهي الصلاحية. إذا وعي أثقال أو أحزاب سياسي يشكله مد قومي أو مد شيوعي أممي أو مد أسلمة وأصولية، أو يتشكل من انتصار طرف في الحرب الباردة كغرب ورأسمالية فهو وعي يتشكل لصراعات ومن صراعات، وبالتالي هل تثوير الحرب الباردة كان يحتاج ديمقراطية مرفوضة ورفضت من الأثقال المعارضة الآن؟! أم أن الديمقراطية التي فرضها وعي وخيار واعين أو فرضها المتغير العالمي على البعض هي التي تحتاج لتثوير الحرب الباردة؟!.. أي تغيير لا يسبقه تقديم بديل والإقناع والاقتناع بأفضلية قد يطلق عليه أية تسمية أو مسمى أو وصف وتوصيف لا صلة له ولا علاقة لا بالديمقراطية ولا بمسماها إلا بقدر ما ظلت مسمى لأنظمة شيوعية، وليس لما تعرف اليوم ببلدان وأنظمة الديمقراطيات العتيقة. هل يعي المشترك أن في واقع اليمن كثر باتوا يعون؟!!.