الثورة السلمية في اليمن فاقدة لمعايير وأخلاقيات ثورة هل الشعب يعارض الثورة أم الثورة تعارض الشعب؟!! بعد سبعة أشهر من أزمة ما تسمى الثورة السلمية، فإن ما يسمى "التصعيد الثوري" ليس غير استمرار للغث واستمراء لخط العبث. قد استهلكت الأزمة مسميات "الجمع" في مظاهرات الطرفين لسبعة أشهر، وبات وزن كل طرف شعبياً واضحاً وضوح الشمس، حيث شبه الإجماع الشعبي هو مع حوار التوافق أو الانتخابات أو كلاهما للبديل بعد أن أنهى النظام الرحيل كمشكلة، وبالتالي أصبحت المشكلة هي فقط في البديل إذ تطالب الأغلبية بمستوى شبه إجماع بحوار التوافق أو الانتخابات أو كليهما كمخرج واقعي وسلمي وديمقراطي من الأزمة. في ظل هذا الوضع والاصطفاف الشعبي المطالب والمصمم على سلمية البديل، فإن ما يسمى "التصعيد الثوري" هو استمرار أهوج وأعوج للانقلاب على أساس وكل معايير الثورات السلمية، وذلك ما يؤكد أن كل ما في الأمر هو أن أطرافاً سياسية معارضة أرادت من خلال ما تسمى "الثورات السلمية" الانقلاب على النظام، والاستيلاء على الحكم بنفس منطق التسبيب الذي سارت فيه في كل محطة بقاعدة "الغاية تبرر الوسيلة". التبعية لصدام حسين والنظام العراقي أو للإرهاب بعد أحداث سبتمبر 2001م كانت من جسور المحاولة لقلب النظام، والاستيلاء على الحكم، كما ما تسمى "الثورة السلمية" ليست سوى وسيلة لانقلاب واستيلاء على الحكم. المسألة إذاً ليست استحقاقات حقائق أو معايير أو واقع، ولكنها تربص انقلابي بسبق إصرار وترصد، كما طرح وأوضح الشيخ الزنداني في الربط بين محطة ما تسمى "الثورة السلمية" ومحطات أخرى خلال نصف قرن بالنسبة للزنداني، وخلال عمر الإخوان أو المشترك كطرف. التخريب والعنف من طرف واصطفاف ما تسمى "الثورة السلمية" وثقلها الإخوان "الإصلاح"، طال كل جانب من حياة الناس والمرافق الخدمية للدولة ومعسكرات القوات المسلحة حتى دار الرئاسة وجامعه، وكل هذا بات حقائق ووقائع في الواقع. النظام والمجتمع باتا الضحايا لعنف ما تسمى "الثورة السلمية"، وبات هذا الوضع كنتائج ومعطى لأزمة اليمن يطرح تساؤلات مثل: هل الإعلام الحر وإعلام ما يسمى "العالم الحر" يقف في هذه المحطة، كما كان يقف إعلام ثقل الأممية الموجه مع الثورات الأممية الشيوعية؟!!.. إضافة "السلمية" هي إضافة لمفهوم الثورة وليس لفهمها، وبالتالي من السهل استقاف مفهوم الثورات السلمية من مفهوم الثورات غير السلمية أو العكس!!. فالثورات غير السلمية أساسها تقدير طرف أو أطراف تقوم بالثورة بأنها تمثل إرادة الشعب بغض النظر عن مدى الصواب أو الخطأ في التقدير، أما الثورات السلمية فالتقدير لا يصبح حقاً ولا تعبر عنه إرادة الطرف الذي يمثل ثورة أو يرفع شعاراتها بقدر ما يصبح هذا التقدير هو من واقع وبوقائع وواقعية لا يخطئها النظر ولا عقل عاقل!. أهم ما هيئ لما تسمى "الثورات السلمية" من أرضيتها إعلام هادر وفاعل وقوي التأثير، يمثل أشرس الحروب على واقع أي نظام وأي اصطفاف شعبي معه، وقد مارس هذا الإعلام كل قدرات وأدوات وتقنية حربه وتأثيره لكسب الموالين لما تسمى "الثورة"، وإحباط إلى مستوى الإخماد لأي اصطفاف مناوئ أو حتى له تباين وتحفظات تجاه الثورة كوسيلة أو غائية هذه الحروب الأشرس لنصف عام أو أكثر، وأهم الأسباب هو أبسطها. فهذه الحروب كما يركز وترتكز عليها الثورات هي حروب ضد النظام ولإسقاطه، فيما لم تعد هذه هي المشكلة ومنذ وقت مبكر. عندما قدم الرئيس صالح مبادرة "النظام البرلماني" وانتخابات مبكرة نهاية العام قبل خمسة أو ستة أشهر، طرحت أطراف معارضة أو غير ذلك بأن تلك المبادرة هي للخارج أو استهدفت الأرضية الخارجية للثورات. إذاً مثل هذا التحليل خاطئ فالاستنتاج يصبح بمثابة الخطيئة، فهذه المبادرة - في تقديري - طرحها الرئيس صالح للداخل، كان تأثيرها الأوسع والأعمق والأبعد داخلياً، وهي التي غيَّرت المسار في المسألة الشعبية. لنا التوقف عند إعلام المعارضة الداخلي والإعلام الخارجي، ووصف ووصم الشعب بالحثالة والقمامة والمأجورين والمرتزقة مع النظام لاستهداف إحباط هذه الشعبية أو تحييدها لتظل في البيوت ساكتة أو خرساء. فبغض النظر عن مناورات أو حتى شطح كل طرف سياسي بما في ذلك النظام، فإن هذه الجماهير لو ظلت تخرج فقط للمطالبة باستمرار النظام حتى نهاية فترته الدستورية، فذلك يجعلها أضعف في الصمود أمام هذه الحروب والحملات منذ تقديم الرئيس لتلك المبادرة، بات إحساس جماهير هذا الاصطفاف أنها تخرج من أجل ذاتها وواقعها وسلمها وأمانها، والرئيس أو النظام هو الذي يصطف معها من أجل الواقع وليست في اصطفاف من أجله أو معه. فالرئيس بهذه المبادرة عالج نقطة الضعف في الاصطفاف الشعبي، وباتت الحروب والحملات تمثل تحدياً للواقع والشعب، تزيده عزما وإصرار على سلمية البديل بعد سحب النظام الشماعة وتقديم مشروع سلمية الرحيل. في الديمقراطية أو السلمية فالشعب ليس طرفاً سياسياً بغض النظر عن شعبية كل طرف سياسي، ولكن علينا ألاَّ نغفل أن الشعب أو المجتمع هو الطرف الأساسي في الديمقراطية أو السلمية. إذا هذا الطرف الأساسي صمم على مطلب واقعي، ويعني الواقع والشعب أكثر مما يعني طرفاً سياسياً فإنه يستحيل على أطراف داخلية أو خارجية رفض أو تجاوز هذا المطلب الشعبي المجتمعي أو الواقعي وفي ظل ديمقراطية أو سلمية. أي حروب أو حملات سياسية وإعلامية تتقاطع مع هذا المطلب أو تمارس إملاء غيره وإلغائه، لا تمثل غير تحدٍ يستفز الشعب ويجعله أكثر عزماً وتصميماً على فرض مطلبه. ما دام أثقال ورموز الفساد باتوا في ساحة التغيير كقادة للثورة، ويمثلون 90% من الفساد أو أكثر، فإن "أخطاء نظام" سقطت حتى كشماعة وليس كحجة لتثوير أو في التثوير. هذا الوضع والحالة يؤكد أن ما يجري في اليمن هو صراع على الحكم، والثورة السلمية وسيلة مبررة بالغائية أو أن الغاية تبررها، وهذا يؤكد أهمية وحيوية وواقعية مطلب الحوار والتوافق وصناديق الانتخابات شعبياً. لنا استرجاع ما عرف بحادثة الوساطة في بوابة الفرقة الأولى مدرع، والتي وصفها اللواء المنشق علي محسن الأحمر بأنها كانت محاولة لاغتياله، فمع أن وقائع تلك الحادثة لا تؤكد مثل هذا الزعم فلنا مقارنته بحادثة استهداف دار الرئاسة في العنف والأدوات المقارنة عنف بعنف، حتى على أساس المزاعم غير الصحيحة التي طرحها علي محسن. إذا الوساطة هي حبكة لاغتيال علي محسن فهي حبكة شعبية فيها عفوية وضعف مراس في التخطيط لاغتيالات، فيما استهداف دار الرئاسة فيها حبكة دهاء تآمري وإرهابي، وفيها عدة بدائل للتصفية للقتل وأحدث الأسلحة دقة وتقنية وغير مسبوقة عالميا في كل التآمرات والمؤامرات لتصفية حكام أو أنظمة، وهذا هو عنف الثورة السلمية. في أرحب تجميع مليشيات الإخوان من مناطق مختلفة في اليمن لتقوم بعدة محاولات للاعتداء على معسكر للجيش واقتحامه في مرتفع شاهق وبعيد، والاصطفاف الآخر لم يقم بالمقابل بعمل مماثل لمحاولة اقتحام لواء متمرد يقع وسط مدينة عمران وتحيط به الأحياء والسكان. وحيث هذا الطرف واقعي فقائد اللواء الجنرال "القشيبي" يرسل أطقمه وآلياته العسكرية للاعتداء على قبل وسكان مسالمين وعلى بعد أربعين كيلو متراً كما قبيلة الأشمور. والمضحك التناول بأن القبائل التي زحفت لاقتحام واحتلال معسكر في أرحب ليست معتدى عليها، كونها في اصطفاف ما تسمى "ثورة سلمية"، فيما سكان الأشمور المسالمون الذين يعتدى عليهم إلى مساكنهم وقراهم البعيدة عن المعسكر قرابة ال40 كم هي المعتدية، لأن العنف الذي جاء في اصطفاف مع الثورة السلمية، فليس هو المعتدي والطرف الآخر هو العدوان والمعتدي مهما تناقض ذلك مع الواقع والوقائع والمنطق والعقل، فهم بلا خجل فهم أو مفهوم يطبقون إحدى نوادر سمير غانم "الطم ايدي بخده" أو اعتدى بخده على يدي، فالثورة السلمية لم تسقط أسوأ الصراعات إلى مستوى معاييرها المقلوبة أو تنقلب على معايير العقل والمنطق والواقع بمستواها. إذاً فإذا المقصود ب"التصعيد الثوري" العودة لاستعراض الشعبية بشكل سليم حقيقي، فذلك محسوم مسبقاً لصالح الاصطفاف الآخر بأي قياس أو قراءة أو تقدير، إما إذا المقصود تصعيد العنف كما طرح اللواء المنشق علي محسن في خطابه المزاعمي والزعامي، وبأنه سيحسم الصراع كما حالة ليبيا، فذلك لا يحتاج لإعلان أو دعايات للتصعيد، ونرجو ألاَّ يكون على الطريقة "القشيبية" في عمران، لتقوم فرقته وآلياته ومليشياته باقتحام واستهداف قرى آمنة في هذه المنطقة أو تلك من محيطه الأقرب أو الأبعد. الثورة السلمية في اليمن تهتك شرف السلمية كل يوم وكل لحظة، وتقتل المسالمين وكل حمامة سلام، فيما تظل وستظل تدعي أنها سلمية.. ومن عاش خبر!.