الإخوان والمشترك يبحثون عن حل لهم لن يأتي لا من الخارجية الأميركية ولا من الغرب عموماً، والحوثيون ربما ينتظرون حلاً لهم لن يأتي لا من إيران ولا من غيرها إذا المحطات هي مواقف والمواقف هي إما حسبة صراعات ومصالح أو حسبة واقع ومستقبل وطن. في محطة الثورات السلمية فالإرهاب اصطف مع "المشترك" والثورة كما هي اصطفت معه، فيما الفساد توزع وانقسم بين الاصطفاف مع "الثورة" والاصطفاف مع "النظام"، ولكن أثقاله الأقوى والأكبر والنسبة الأكبر هي في اصطفاف الثورة بشكل جلي وواضح، فهل الفساد يمول ويحمي الثورة أم أن الثورة تستقوي وتستمد قوتها من الفساد؟!!.. الفساد الذي احتوى الثورة وركب موجتها كثوار، هو الفساد الذي احتواه النظام ومن ثم احتوى النظام منذ صراع توحيد اليمن شيوعياً بالقوة حتى محطة 1994م وما تبعها من صراعات وحروب، وصعدة تحديدا حتى محطة 2011م. إذاً وبغض النظر عن عنوان المحطة وما يرتبط به من صراعات وترتيبات مصالح أكبر، فالمرء مخير في الاصطفاف بين أن يقف مع الفساد الذي احتوى النظام ثم خرج إلى الساحة ليحتوي الثورة كثوار، وبين أن يقف مع ما تبقى من فساد في أوساط واصطفاف النظام. هذا الاصطفاف بالإرهاب والتوزع أو الانقسام في اصطفاف الفساد يجعل مثل هذه المحطة في مثل واقع اليمن هي محطة كثافة وتكثيف الصراعات المفتوحة والمنفتحة والخافية والعلنية. عندما تم إيقافي أو حبسي لثلاثة أسابيع في وزارة الداخلية عام 2002م، فإن صحفاً معارضه إن تعاطت الموضوع بأقل السطور كانت تستبق ومن أول كلمة وسطر بعبارة مثل "رغم اختلافنا معه 99 %". إنني من جانبي لم أهتم ولم أسع لأن تتبنى صحف معارضة أو منظمات أهلية داخلية أو خارجية وضعي أو موضوعي من وعيي وواقعيتي وما يتصل بها من فلسفة في الخيال وللحياة في ظل أوضاع وواقع اليمن. وبالتالي فوضعي ظل هو منذ دخولي وخروجي من نقابة الصحفيين عام 1999م كأمين عام حتى محطة 2011م، فما يطرحه النظام وأثقاله أو أطراف المعارضة لا يعنيني قليلاً ولا كثيراً، والذي يعنيني هو اختيار مواقفي من وعيي وواقعيتي واستعدادي برضا لتحمل تبعات إضرار أو ضرر بشخصي. ولهذا فالرئيس علي عبدالله صالح الذي ربما تذكرني أو ذكر بي استدعاني في ابريل 2011م، وحين سألني عن أوضاعي أجبته "خليك بالبيت والدرجة العطاسية".. لا اعتقد أن أي أحد في هذا التوقيت والموقف أو قبله أو بعده خلال 2011م يحتاج لترتيب مصالح من خلال النظام، والمصالح باتت أسهل وأوفر وربما أكبر وأبعد من خلال الطرف الآخر. مواقف ترتيب المصالح ربما كانت مهيأة لمثلي أكثر من كثيرة، ولا أنكر معرفتي كثيرة الدقة بالكيفية والتكييف، ولكن - بكل ثقة - ليست ذاتي ومصالحي هي عكاز أو مرتكز مواقفي، والمعارضة لا تستطيع أن تحكم مواقفي مثلما النظام لا يستطيع تشكيل مسلكي أو التحكم في سلوكي، ولهذا فإنني حين أصل إلى موقف من أو في محطة فإنني افترض حدوث أسوأ الاحتمالات، وأتخيل كيف وكيفية الدفاع عن موقفي الذي سرت فيه. ما سميت "ثورات التحرر العربي" ربطاً بالقومية والأممية هي محطات شرقية، ومحطات ما بعد ذلك بما في ذلك الثورة الإيرانية وأسلمة حروب الجهاد في أفغانستان حتى محطة الثورات السلمية هي محطات غربية، بغض النظر عن اختلاف ثقل وتباينات الأرضية الداخلية. من حقي المخالفة والاختلاف مع شرقية وغربية هذه المحطات، ويظل لي حق الاختلاف من منظور الصراعات اليمنية والميمننه ومن تموضع الإرهاب واصطفاف الفساد ونحوه، ولهذا فمواقفي لا تأتي من تلقائية آلية النظام ولا من هدير معارضة وآنية التعبئة والتعبوية، فبغض النظر عن قدرات المحطة وأطراف الصراع فيها أو عليها داخلياً فقناعتي إلى حد الإيمان أن الحل السياسي السلمي والديمقراطي هو الأفضل لليمن والأفضلية لواقع اليمن، وهذا هو موقفي الذي لدي استعداد للاستمرار فيه تحت أي ظرف وللدفاع عنه في ظل أي وضع أو ظروف. عبدالباري طاهر مهما تقاطعت مع مواقفياً يظل أستاذاً أو أحد أساتذتي، ونصر طه مصطفى زميل بمرتبة أستاذ، وقد يكون مستوى حدة أو تطرف عبدالباري طاهر مفاجئاً أو أكثر مما أتوقعه ولكن المفاجأة الأكبر هي من نصر طه، حين يكتب مثلاً "إن الرئيس الذي ظل يباهي بإنجازاته يطلب الحصانة من محاكمته"، ومن هذا السياق يستنتج إدانات في إطار أطراف وتطرفات الصراعات. وضع وتموضع الزميل نصر طه مصطفى في كل المحطات حتى محطة 2011م تجعل مثل هذا الخطاب والموقف منه بالذات مفاجئاً وغير مقبول أو مستساغ، فهو تحت مظلة انتمائه "الإصلاح" كان يملك حماية أقوى لرزقه ويمتلك مساحة أوسع وسقفاً أعلى للنقد تحت هذه المظلة قبل أو بعد الوحدة، وكان الأقدر على تفعيل المغايرة للتغيير مبكراً وذلك كان الأصوب والأسلم. كونه لم يسر في مثل ذلك المتاح له أكثر من غيره، ومن ثم ظل في موالاة إلى درجة إعلان الانتماء للمؤتمر الشعبي وترأس وكالة "سبأ" حتى 2011م، فغير الطبيعي أو المقبول هذا الانقلاب على الذات وإن في محطة هي ضد الأنظمة كثورات أو انقلابات. حين كان مثل الدكتور صالح سميع يطرح ويكرر الطرح بأن قطع الكهرباء هي من العقاب الجماعي الذي يمارسه النظام تجاه الشعب ربما كثيرون صدقوه، وإن دافعت عن الواقعية إزاء هذا الطرح فذلك يضعف تأثيره باعتباره دفاعاً عن نظام أو أخطاء نظام أو اصطفاف مع نظام. حين أصبح الدكتور سميع وزيراً للكهرباء وأصبحت "الداخلية" للمعارضة في حكومة "الوفاق"، يؤكد أن قبائل هم من يقطعون الكهرباء، ويذهب للتفاوض مع القبائل، ولم يواجه القبائل ب"الداخلية" كما كان يطالب قبل أن يصبح وزيراً. إذا أي شخص كان لا يدافع عن نظام ولا عن أخطائه ولكنه مع الواقعية ويدافع عن الواقع، فكيف له ذلك في ظل اصطفاف وتطرف أطراف وخطاب الصراع؟!.. الواقعية هي هذا المفهوم والوعي والواقع هو هذا الفهم والواقعية، وإذا ثقل الفساد قرابة 80% هو ثقل وقوة الثورة فطرح المحاكمات هو بمثابة إسفاف في الاستهداف، يعيد أشكال المحاكمات السياسية الصورية ويجدد الصراعات ويضيف للواقع بما لا يتحمله ولا يحتمله. حين تصبح المحاكمات هي قضية وأولوية في هذه المحطة فهي ليست قضية ولا أولوية للداخل إلا كصراعات أو إقصاء أو حقد أو انتقام، ولكنها قضية وأولوية لمن يريد إذعان بقية الحكام والقادمين في قران الربيع العربي والشعب الفلسطيني المخترع. باعتبار محطة 21 فبراير محطة توافقية كانتخابات وهي بمثابة انتهاء الحياة السياسية للرئيس علي عبدالله صالح حتى لو ظل رئيساً للمؤتمر الشعبي العام كما يطرح، فالمفروض من معارضة المشترك وأي أطراف أخرى أن تسير فيما يخدم الوصول إلى هذه المحطة، وتسلم عبد ربه منصور هادي كامل المسؤولية كرئيس جديد وعهد جديد في اليمن. علي عبدالله صالح لا يحسب عهده على مستوى اليمن إلا منذ تحقق الوحدة في مايو 1990م، ولا تحسب ولايته إلا منذ انتخابات 1993م، علماً أن انتخابات 1999م هي أول انتخابات رئاسية مباشرة في تاريخ اليمن. "الحصانة" مسألة واقعية تفرضها حقائق الصراعات في اليمن ومحطاتها، والذين يرفضون "الحصانة" هم يرفضون المبادرة الخليجية، والحل البديل هو الدماء والدمار كواقعية وحتمية في صراعات الواقع مهما قدموا في التنظير صوراً أو تصويراً آخر. على الأطراف المعنية التنفيذ الدقيق للمبادرة الخليجية لنصل إلى انتخابات 21 الشهر القادم، وإذا أطراف موقعة على المبادرة ترفض أو تعطل التنفيذ فلا داعي لمثل القول بأن الرئيس صالح يتشبث بالسلطة ولا يريد تسليمها. مثل هذا الكلام لا مكان له ولا يعقل أو يسمع إلا إذا نفذت كل الأطراف مبادرة الخليج بدقة، وتمت الانتخابات في 21 فبراير 2012م ورفض الرئيس تسليم السلطة للرئيس الجديد المنتخب، أما طرحه في ظل رفض تنفيذ المبادرة أو تعطيل التنفيذ فهو مجرد رغي سياسي يؤكد عدم أهلية الأطراف السياسية أساساً لحماية الواقع ومصالحه أو قيادة الوطن ومستقبله. النائب الاشتراكي سلطان السامعي قال في تغطية "السعيدة" لموضوع الحصانة بأنه سيصوت ضد منحها، وهو يمثل الأمة وليس حزبه الذي رشح باسمه "الاشتراكي". الأحزاب السياسية هي أهم مفصل ومكون للديمقراطية إلى درجة أن المرء يحس بأن التعددية السياسية هي المرادف للديمقراطية. فالديمقراطية بدون أحزاب سياسية أو بدون نشوء أحزاب سياسية تجسد تباينات المجتمع أو الرأي العام الشعبي، هي الفوضى وهي التقويض للحياة السياسية والواقع السياسي وللديمقراطية، وهي الدمار والتدمير في الواقع، وهي الصراعات والدماء والفناء للشعب في واقعه وفي حياته وفي مستقبله. الحوثيون يسيرون مسيرة من مناطق مختلفة إلى العاصمة، وحين يسألون في فضائية "العالم" ينفون أي علاقة لهم بحزب الحق أو الجديد المعلن "الأمة"، وبمنطق أنهم لن يشكلوا أو يعلنوا حزباً سياسياً إلا بعد إقصاء النظام، والمعنى بعد السيطرة على النظام. الأطراف التي وقعت على المبادرة الخليجية تتنصل من مسؤوليتها تجاه الواقع والمجتمع في تنفيذ المبادرة بالتفافات جسدها "السامعي" وأثقال في الواقع، كما الحوثية ترى مصلحتها في الفوضى الواقعية والسياسية وليس في تشكيل حزب سياسي يعبر عن مطالبهم ويتعاطى باسمهم في مختلف المحطات والقضايا. إذا قرابة 95 % من أبناء الشعب أيدوا المبادرة الخليجية والحل السياسي فالشعب تجاوز وحسم مسألة الثورة السلمية، وإرادته باتت في الحل السياسي.. والذين يستمرئون الاستمرار في التثوير والثورة باتوا يقفون ضد إرادة الشعب وضد السلم الأهلي الاجتماعي وبأي التفافات أو استهدافات. فالحصانة أو المحاكمات تجاوزها الشعب بتأييد المبادرة الخليجية، والبعض يريد من مثل هذه العناوين إعادة التثوير والثورة في تقاطع صارخ مع إرادة الشعب، فهل سمعتم في التاريخ عن ثورة ضد إرادة الشعب؟!!.. والتقاطع مع إرادة الشعب ينفي حقيقة الثورة فيما لا توجد البتة "سلمية" في ظل هذا التقاطع الصارخ مع إرادة الشعب!. حين أسير في موقف في أية محطة فإنني لا أرتهن إلى طرف ولا أراهن على انتصار طرف، كما لا أراهن بالضرورة على أن الموقف الذي سرت فيه هو الذي سينتصر أو يسود، ولكن رهاني على أن هذا الموقف هو الأسلم والأصوب واقعياً وسياسياً بل إن رهاني عليه سيكون أكثر أو أكبر حين انتصار الآخر كطرف أو موقف ومن خلال التبعات والتداعيات على مدى قريب أو بعيد. الإخوان والمشترك يبحثون عن حل لهم لن يأتي لا من الخارجية الأميركية ولا من الغرب عموماً، والحوثيون ربما ينتظرون حلاً لهم لن يأتي لا من إيران ولا من غيرها، ولذلك ف"المشترك" ربما لم يعد يعنيه عامة الشعب بقدر ما يعنيه خط ما تسمى "الثورة" والأرضية الخارجية الغربية "تحديداً". "المشترك" من هذه القناعات يستطيع تعطيل الحل والانتخابات وإبقاء الأزمة، و"المشترك" هو من سيتحمل المسؤولية واقعياً ومن سيظل المطالب من الواقع والشعب بالحل. لقد لبى "الكرملين" طلب أطراف صراعات النظام في عدن واستدعى الرئيس عبدالفتاح إسماعيل لإقامة "جبرية" في موسكو، ولكن الصراعات عادت باحتدام أكبر، وأطراف منها إعادة فتاح إلى عدن قبل أحداث يناير 1986م بنصف عام. "المشترك" كأنما يريد من البيت الأبيض تنفيذ ما مارسه "الكرملين" زمان، ولهذا فهو منشغل بالدبلجات والديباجات لتحقيق هذه الغاية كحل من وجهة نظره ينفذ ولا حاجة لمبادرة الخليج ولا لتنفيذها، ولا أدري إلى أي حد هذا معقول أو مقبول أم غير ذلك!.