صادفت زيارة رئيس تحرير صحيفة "الوطن" القطرية التي كنت أراسلها من اليمن إثر حبسي أو توقيفي في وزارة الداخلية، وقد حرص خلال لقاء أجراه مع رئيس الجمهورية وآخر مع رئيس الحكومة الأستاذ عبدالقادر باجمال آنذاك أن يطرح سؤالاً حول وضعي أو موضوعي.... الأستاذ عبدالقادر باجمال طرح بأنه – شخصياً- لا يعرفني وهو في ذلك صائب وصادق، فهو كمسؤول لا يعرفني كصحفي أو مواطن بين الناس العاديين والمغمورين، ولكنني أعرفه كمسؤول عرف واشتهر كرئيس للوزراء أو في مناصبه قبل ذلك كنائب لرئيس الوزراء وغيرها، ولكنه في جملة استكمال الإجابة قال عن شخصي بأنني أمارس "إفساد الحياة السياسية" فكيف لشخص لا يعرفه رئيس الحكومة أن يمارس إفساد الحياة السياسية في البلد؟!! اعترف بخلاف مع رئيس الحكومة قبله "الإرياني"، وهو عمد وبإصرار على فرض خلاف استهدافي أثناء عملي كأمين عام نقابة الصحفيين، الذي لم يستمر سوى 9 شهور عام 1999م، كما علي الاعتراف بأنني ربما تطرفت بعد ذلك في ممارسة الخلاف معه عبر الصحف وخاصة صحيفة "الشموع"، ولكنني مع الأستاذ باجمال لم أخالفه أو اختلف معه إلا ما قد يكون في التعامل العادي التلقائي والروتيني الذي لا يحسب خلافاً. ولهذا فإنني وقتها وحتى اليوم لا أؤمن بأنه كان يريد استهدافي بأي قدر في طرح "إفساد الحياة السياسية"، ولكنها بمثابة اختزال لتقييم من خلال معلومات قدمت له ولا أعرفها، ولا يعنيني مجرد اهتمام أو تفكير في معرفتها. لم أقتنع – ولا زلت- بأن يصبح مسمى "المشترك" مسمىً دائماً لأحزاب يمثل بديلاً لهذه الأحزاب أو يضعف تأثيرها في انعكاسات التعاطي الإعلامي السياسي في الواقع العام، وكنت أطرح آنذاك مثلا بأن المشترك الأهم أو الفاعل هو مشترك آخر بين النظام والمعارضة، هو مشترك الفساد والإفساد وتصبح "أخطاء نظام" شماعة المشترك في خطابه السياسي الإعلامي و"المشترك" شماعة النظام في خطابه السياسي الإعلامي. بدون شماعتي "أخطاء نظام" و"المشترك" فإنه لا وجود لخطاب سياسي إعلامي يقنع بالحد الأدنى لدى الطرفين. فالحياة السياسية كانت فاسدة وتمارس الإفساد منذ التشكل مروراً بالتكتل، وما حدث في محطة الثورات السلمية بالنسبة لليمن هو التحام وملحمة الفساد والإفساد في اصطفاف الثورة وساحات التغيير كما تسمى بوضوح أكثر منه في اصطفاف النظام. لقد سعى الاشتراكي تحت مبررات أخطاء نظام وفي وضع أقليمي رآه يفي ويكفي لإعادة الانفصال والتمزيق، وحيث فشل في ذلك و"الإصلاح" أو الإخوان صدم بطريقة خروجه من الشراكة عام 1997م.. تم بالاتفاق الحدودي مع السعودية وأحداث سبتمبر 2001م والحرب ضد الإرهاب، فصار الثقلان إلى مشترك لإسقاط النظام وليس لتفعيل معارضة واعية وواقعية ضد النظام. بالنسبة للنظام فأن تسير المعارضة في الأهداف ورفع السقف إلى إسقاطه أو إقصائه، فذلك أفضل له وأفضلية من معارضته بمعارضة واعية وواقعية. ولذلك فهو نجح في لعبة التعارض مع المعارضة من هذا السقف والهدف أكثر من نجاح المعارضة في معارضته. لعبة "المشترك" هي التي جعلتها شريكة الفساد ولعبة النظام لمواجهتها هي التي جعلته شريكاً في الإفساد، و"المشترك" ظل حامي الحمى للنظام من الديمقراطية وبدائل الواقع، والنظام ظل الحامي للمشترك من بدائل الحياة السياسية أو الواقع العام كمعارضة، وحين يمنع في واقع الحياة السياسية والعام أهلية وتأهيل بديل للنظام وأهلية وتأهيل بديل للمشترك كمعارضة، فإنه لا بديل إلا من خلال لعبة المشترك الإقصائية مع لعبة النظام المطاطية الاستنزافية. ولهذا فإنه حين مجيء محطة الثورات السلمية لم تكن توجد مشكلة في تشبث الرئيس علي عبدالله صالح بالحكم أو رفضه التغيير أو الرحيل، وإن استخدمت المعارضة واصطفاف الثورة خطاب التشبث للتثوير للوصول إلى الإقصاء بالحسم الثوري أو بالعنف الثوري. الرئيس كان يشترط الرحيل من خلال الحل السياسي السلمي والديمقراطي التوافقي، والمشترك كان كثير العشم والإصرار على الحسم الثوري، وذلك كل الخلاف وكل المشكلة. بعد أن أوصلنا الواقع والاصطفاف الشعبي إلى الحل التوافقي السياسي والديمقراطي، فإنه يجدر بالأطراف السياسية وأحزاب الثقل مراجعة مواقفها وخياراتها في الحياة السياسية والعمل السياسي والخطاب السياسي الإعلامي، لأنه حتى بافتراض أن المشترك أو أي حزب أو طرف سياسي فيه بات الحاكم أو وصل إلى الحكم من خلال الانتخابات والمؤتمر الشعبي العام هو المعارض، فسيظل مبدأ أو حقيقة أن المعارضة لا تحتاج للكذب أو الزيف أو المزايدة في ظل موفور الحقائق عن النظام في أدائه أو أخطائه، وهذه هي الأفضلية للمعارضة وأي طرف معارض كان المشترك أو المؤتمر، فأية معارضة لا تستطيع كشف ألعاب الخداع أو الكذب للنظام إلا إذا ألزمت لعبتها وألعابها كخطاب ومنابر بالصدق لتنال الثقة والمصداقية شعبياً، وإلا فسيظل الصوت الهادر والطاغي هو الشراكة أو مشترك الفساد والإفساد، والمعارضة هي الطرف الذي يتحمل المسؤولية أكثر أكان المشترك أو المؤتمر. إذا علي عبدالله صالح هو نظام يتهاوى وينهار وفاقد الشعبية والمشروعية الشعبية وانتهت صلاحيته منذ 2006م كما تزعم المعارضة وإذا هو خلال ثلاثة شهور مجرد بقايا نظام فلا تضخموه أو تمارسوا إعادة تضخيمه بعد سفره إلى الولاياتالمتحدة للعلاج، ومع انتهاء فترته ورحيله من الحكم بانتخابات 21 فبراير 2012م بزعم أنه من يلعب بالقاعدة والإرهاب والحوثية والسلفية.. الخ. الحملة السياسية والإعلامية التي شنت على الرئيس والنظام هي حرب أقوى من كل الحروب وأكثر من الإرهاب، فحين تقدمونه هكذا وبعد كل هذا فأنتم تصنعون من حيث لا تعون بطلاً أسطورياً بأكثر مما يريد وأكبر من أي أفعال له أو أفاعيل افتراضاً، ومهما قدرتم أن ذلك لصالح ألعاب وأهداف صراعية لكم فهو يضر بمصالحكم الواقعية أو السياسية واقعياً بأكثر مما تتصورون أو تتخيلون. الوفاق وحكومة الوفاق والفترة الانتقالية إذا هي ستتعامل مع أزمة أو أزمات في الواقع صعبة أو شديدة الصعوبة بعد عام من الأزمة وأخطاء وصراعات ما قبلها في ظل استعداد المحيط والعالم للدعم والتعاون الكبير لتخفيف ومعالجة هذه الأزمات، فعلينا التذكر بأزمة وأزمات ما بعد حرب 1994م والاحتياطي في البنك المركزي نصف مليار دولار بالسالب، وكيف واجهها علي عبدالله صالح برباطة جأش في ظل صراع مع المحيط وخلافات مع أثقال العالم المؤثرة في منح أو منع الدعم!!. إذا التوافق وأية شراكة أو مشترك نضج وعياً إلى درجة الاستغناء عن الصراعات وألاعيبها، وبات التوافق هو إرادة في الوفاق والفترة الانتقالية ثم معطى ما بعدها، فبالإمكان عمل الكثير وإنجاز الكثير لتجاوز أولويات المشاكل والصعاب في الواقع. أقر وأعترف بأنني سرت أو ذهبت إلى قرار الكتابة في الأسبوعية "الشموع" بعد ترك نقابة الصحفيين نهاية 1999م من معرفتي أو تقديري أن علي محسن وهو ثقل وقطب في النظام هو الداعم للصحيفة وعلى خلاف مع القطب والثقل الآخر الدكتور عبدالكريم الإرياني، وذلك يوفر سقفاً مفتوحاً لآرائي، وقد تكون من حيث أعي أو لا أعي إمكانية لنجاح ما قد تكون لعبة لشخصي. لست إذاً من مارس أو حتى حاول إفساد حياة سياسية، وربما مثل هذه المسائل كانت فوق وعيي وفوق قدراتي، ولكنني أرى أن من حقي كشخص لم يتأدلج حزبياً ولا يستطيع الالتزام تنظيمياً لحزب وليس لدي ما يخسره أن يبحث عن الوسيلة الأنسب لرؤى أو آراء لشخصي في مراحل أو تجاه أوضاع وقضايا، وذلك ما أفعله وما فعلته وما أتحمل مسؤوليته بكامل الرضا. ما أنتقده في أداء حزب حاكم أو نظام أو معارضة وتكتل كالمشترك هي وجهات نظر من جانبي كمواطن من البسطاء أو المغمورين، فيما التقييم والتقويم كتغيير في داخل كل حزب أو طرف سياسي لا يكون إلا من داخل هذا الحزب أو الطرف. ولذلك فإنني أرى أن محطة الثورات السلمية أوصلت إلى وجوب أن يمارس كل حزب سياسي تقييم وتقويم ذاته، وإلا فإنه قد يخسر المحطة والمرحلة، والاحتكام سيكون للزمن القادم وتطوراته!.