رغم أن اليمن اعتبر من أقل البلدان تضرراً من عاصفة (الربيع العربي) بالنظر الى الطريقة التى جرت فيها عملية انتقال السلطة من الرئيس السابق الى الرئيس الجديد وارقام ضحايا العنف والخسائر الاقتصادية والتحرك الخليجي الذي لعب دوراً محورياً على صعيد احتواء الازمة والحد من تفاقمها واقناع الفرقاء بافضلية الخيارات السلمية في تسوية الخلافات والانقسام الناتج عن الصراع على السلطة فإن هذه الصورة التى رسمها الاعلام في اذهان الناس بعد عدة اشهر من اشتعال ذلك الربيع وتوقيع الفرقاء على المبادرة الخليجية لم تكن سوى صورة مخادعة ومباينة لحقيقة الواقع اليمني وتعقيداته وحجم التصدعات والتشققات التى يعاني منها والجروح النازفة والغائرة في داخله. لذلك كان من الطبيعي ان يتفاجأ البعض ممن بنوا مواقفهم وتصوراتهم استناداً الى تلك القراءة المغلوطة ان البلد الذى بدا سباقاً في اختيار المسار الصحيح لتجاوز ازمته هو من يظهر اليوم وبعد 3 سنوات من جائحة الربيع العربي بوصفه الحلقة الاضعف من بين مجموعة الدول التى تعرضت لتلك الجائحة فالاوضاع في البلاد لم تتغير كثيراً ان لم تكن قد ازدادت سوءاً والتهاباً بارتفاع معدلات الفقر والبطالة وسموم الفتن والانقسام بين قوى النفوذ والهيمنة التي تتصارع على مغانم الحكم ومكاسب السلطة دون ان تهتز لها شعرة تجاه شعب داخ بالحروب ويكاد الارهاب ان يجهز عليه إن لم ينفجر به وبناسه. لا تكمن الاشكالية في اليمن في تعدد مراكز النفوذ المتصارعة على السلطة والهيمنة وانما ايضاً في ضعف وهشاشة الدولة وهو ما اسهم في عرقلة عملية التغيير التى خرج اليمنيون للمطالبة بها واعاقة انجاز استحقاقات المرحلة الانتقالية في مواعيدها لتدخل البلاد في فترة انتقالية ثانية تم التوافق عليها في مؤتمر الحوار الوطني بغية استكمال المهام المؤجلة وانجاز الدستور الجديد وبدء اجراءات الانتقال الى النظام الاتحادي الذى جرى اقراره كبديل عن الدولة الموحدة التى اصبح بقاؤها في صورتها الحالية غير ممكن في نظر بعض السياسيين بعد ان برزت ارهاصات متعددة لنزعات انقسامية وانفصالية في الجنوب تحديداً وخرجت الى السطح قوتان جديدتان مدعومتان بمشاريعهما واللتان تبحثان من خلالها عن دور تلعبانه في مستقبل اليمن وتتمثل هاتان القوتان بالحراك الجنوبي الذي يتهم الدولة الموحدة باقصاء وتهميش الجنوب فضلاً عن حركة الحوثيين التي باتت تسيطرعلى مناطق واسعة في شمال الشمال وتسعى الى فرض اجندتها المدعومة من ايران وجني النتائج المحتملة عنها. وبناء على كل هذه المعطيات فليس بوسع احد تحديد الافق الذي يتجه نحوه اليمن وليس من احد قادراً على التنبؤ بمستقبل هذا البلد كما انه لا احد داخل اليمن نفسه قادراعلى تحديد اتجاهات ذلك المستقبل والامر هنا ليس تشاؤماً او تفائلاً بل هو مجرد حدس لوقائع تجري امام اعيننا تفيض بالمصاعب البنيوية والهيكلية والمفردات الكفيلة بان تقلب بلداً رأساً على عقب وتنغص حياة امة باكملها فمابالك ان اجتمعت معاً كل تلك المصاعب في لحظة زمنية واحدة وفي بلد خاض خلال ثلاثة عقود اكثر من سبع حروب ويصل تعداد قطع السلاح في داخله اكثر من ثلاثة اضعاف عدد سكانه. ومع كل ذلك يبقى الامل في استشعار العقلاء في هذا البلد بان العبور الى المستقبل الآمن والمزدهر لن يتحقق الا من خلال وحدة جميع اليمنيين وتماسكهم وقيامهم سوياً بملء الفراغات التى تتسلل منها مشاريع الفوضى والخلايا الارهابية المتنقلة لضرب مقومات الاستقرار والتنمية فان تلك هي البداية للتصالح مع الذات والعقل والتصالح مع الوطن والانتقال به الى ضفة السلام والامان والرخاء.