ما كانت السياسة في يومٍ من الأيام عملاً مزاجياً، أو فكرة عابرة كفكرة بعض الاختراعات في مصانع الإنتاج، السياسة الفاعلة هي تلك التي تقوم على معلومات شاملة، ومشاورات مُتكررة لأصحاب الرأي والإختصاص، من المحيطين بالحاكم، السياسة الإيجابية، هي التي يبدأ صاحبها بخلق محيط شامل من أصحاب الرأي والمشورة، ليرفد محيطه وعقله بعقول الآخرين، وهنا تكون البداية الحقيقية للسياسة الإيجابية الفاعلة. المستبدين يرفضون كافة الأفكار الإيجابية مالم تصب في مصالحهم الشخصية، لذلك فهم لا يحبذون أن يكون المحيط حولهم من ذوي العلم والمعرفة وأصحاب الرأي، لأن ذلك يكشف مدى تقزمهم الفكري، والعلمي، والأخلاقي، هم يُدركون أن ذلك سيكشف حقائق سذاجتهم، وغباءهم، وعجزهم، يرفضون أن يتعلموا، لعلهم يُحسّنوا من أداء عقولهم الهزيلة، بل يرفضون من يفعل ذلك، ويعتبروه أمراً في غاية الترف، عملاً يضيع الأوقات، لذلك فإنهم يفضلون أن يكون المحيط حولهم من تلك الشخصيات التي تفوقهم غباء وبلاهة، أولئك الذين يحبون من يبالغوا في امتهانهم وعبوديتهم من أجل لا شيء، سوى أن يبقوا عبيداً، يلعقون ما علق في أواني أسيادهم، باحثين عما يمكن أن يتفضلوا به عليهم، ليخرجوا متبجحين بعلاقتهم وقربهم من تلك الشخصيات المستبدة، التي تبدأ ممارسة هوايتها الإستبدادية عليهم أولاً. تلك النوعية التي تحيط المستبدين، تصير هي حقل تجاربهم، النسخة التي يجربون عليها منتجاتهم السيئة، من القرارات، والسلوكيات، والممارسات، وحين يجدونها تأتي مفعولها عليهم، يعتقدون أنهم عباقرة أفذاذ، الأمر الذي يدفعهم إلى الرغبة في تعميم تلك التجارب على الشعب، وحين تلاقي تلك النظريات رفضاً من القادرين على استخدام عقولهم، أو يسخر منها، أو يُقلل من شأنها، يحقدون عليه، يعتبروه عدواً، يلصقون به كل الصفات الذميمة، وتلك هي بداية الاستبداد السياسي في ممارسة الحاكم العربي. فيما يتعلق بالشأن اليمني، يُعتبر الجديد فيه، هو ذلك التحالف المقيت بين تلك العقليات الإستبدادية التي تعاني إعاقة عقلية دائمة، وأصحاب نظرية العصمة المقدسة، تلك النظرية التي تقوم على أساس أن الإيمان بها دين، ومخالفتها كفر، وعدم الإنصياع لها جريمة، الأمر الذي أنتج سياسة استبدادية معلومة الأهداف والنتائج، شبيهة إلى حد ما من تلك الأنظمة التي سادت أوروبا في القرون الوسطى، حين اجتمعت السلطة السياسية مع سلطة الكنيسة، فأنتج أوضاعاً مأساوية كان أبرزها ماعُرف حينها بمحاكم التفتيش، جسدتها معتقلات هذا التحالف في اليمن. هذه العقلية هي منتج استبدادي قديم، انتهى مفعوله في الواقع العملي، تجاوزه التاريخ منذ عقود، يوم كان فيه الحاكم وأدوات حكمه، هو مصدر كافة المعلومات والأخبار، فكان بمقدوره أن يُحرّف الحقائق ويُجيرها لمصلحته الشخصية، وهو مالم يعد ممكناً في العصر الحالي لأي نظام. لعل من أبرز صور السياسة الاستبدادية التي يمارسها هذا التحالف، ذو الإنتاج الحصري لسياسة متناقضة الأحداث، على المستويين السياسي والإعلامي، ما يمكن الإشارة إليه في ما يلي: *- يُريد أن يُدير الدولة، وهو لا يعترف بأنه يفعل ذلك، ويرفض من يشير إلى هذه الحقيقة، يُصدر التوجيهات والأوامر، ويقول بأنه غير مسؤول عما يجري لأنه لا يحكم، يشن حروبه في مختلف البلاد، قائلاً إنه يُحارب الإرهاب، في الوقت الذي يُنكر بأنه بهذا الفعل يقوم بمهام ومسؤوليات الدولة. هذا التناقض، الذي يريد أن يفرضه على المجتمع اليمني، يريد أيضاً أن يفرضه على المحيط الخارجي، طالباً الإعتراف به كحاكم، وهو ينفي عن نفسه تلك الصفة، يريد من الخارج أن يتعامل معه بالطرق السياسية والدبلوماسية، وهو يعاملهم بطريقة الرجل البدائي الأول. هذه العقلية لا نستطيع أن نقول بأنها لا تدرك الوسائل الحديثة في العلاقات الدولية الحالية، لأنها تشاهده من حولها، لكنها في نفس الوقت تريد أن تفرض طريقتها البدائية، ووسائلها وأدواتها التسلطية، في تعاملها مع ذلك الآخر. تماماً، كمن يحبس نفسه في غرفة، الكاميرات تحيط به من كل جانب، هو يدرك ذلك لأنه يخاطب الآخرين من خلالها، ومع ذلك يدفعه غباءه إلى التعري الفاضح، متجاهلاً كل تلك الكاميرات التي تنقل أفعاله القبيحة، ثم يطالب الجميع عدم القول بأنه يتعرى، ومن يقول غير ذلك فإنه عدو، حاقد، إرهابي، قاتل، كاذب، يسعى إلى الخراب والدمار!!!. *- استماتة عجيبة على الإستمرار في قتال الداخل، في الوقت الذي يتلقى فيه كافة الضربات من الخارج، الذي يديرون له ظهورهم، مُعلنين بأن الخطر الحقيقي هو في الداخل (هكذا يقول صالح لأنصاره، بعد ضرب منزله باعتداء خارجي وليس داخلي -يبدو أن منزله يُعتبر أهم مقدرات البلد، المنازل التي تدمرت منذ أكثر من شهر ونصف، سواء من قبل الخارج أو من دمرتهم قواته، فليست ضمن مقدرات هذا البلد- داعياً الشرفاء والوطنيين، إلى أن يحملوا أسلحتهم على أكتافهم، وأن يضعوا رؤوسهم في أكفهم، للدفاع عن مقدرات البلد –يقصد الانتقام من اليمنيين لأن الخارج فجر منزله- بينما يختبئ هو في دهاليز الفئران والأرانب -أعتقد بأنه يقول بوضوح، أنه ليس شريفاً ولا وطنياً، بالنسبة للكثير من اليمنيين، فإن هذه الحقيقة قد عروفها منذ زمن طويل) . بالعودة إلى دعوته لقتال الداخل، يتساءل المواطن اليمني، متى يمكن أن يتفرغ للخارج إذاً؟! هل سيكون بعد القضاء على الشعب؟! -من لم تصبه ضربات الخارج، من الشعب أو من أنصاره، أصابته مواجهات الداخل- أليست الخسائر في نهاية المطاف يدفعها طرفي الداخل؟! (يمكن مراجعة الخطاب الأخير لصالح بعد قصف منزله). *- يفرضون على الشعب اعتقاد أن هذا التحالف في جهاد مُقدس، دون أن يقوموا بمواجهة ذلك العدوان الخارجي، مُصرين على الإستمرار في قتل الداخل وحصاره !!!. *- الطرف الآخر الذي يتم الإعتداء عليه في الداخل، لم يقل بأنه يُجاهد، بل يقول بأنه أجبر على مقاومة العدوان الذي يقوده تحالف صالح والحوثي عليه، ومع ذلك فإننا في كل يوم نسمعهم يعلنون عن شهداء وجرحى، مخطوفين، ومشردين، هذا الإعلان يعتبرونه شرفاً يقدمونه لزملائهم، لكن التحالف الذي يقول بأنه يُجاهد لم يتحدث عن أولائك الذين قضوا وهم يدافعون عنهم وتحت إمرتهم!!! على كل حال، كذلك لم أسمع بأن مستخدمي كروت الشحن الفوري، يتحدثون عن الكروت التي استخدموها، من أي فئة كانت. *- يقولون بأن الخارج هو الذي يحاصر الشعب، في الوقت الذي يعرف الجميع بأن البترول، الديزل، الغاز، الكهرباء، كلها منتجات محلية لا علاقة لها بالخارج، وأن سبب انعدامها هي تلك الحروب التي يشعلها تحالف صالح والحوثي على المحافظات التي تنتج تلك الخدمات!!!. *-يُطالبون المواطنين، بمناصرتهم وتأييدهم، والمشاركة بالنفس، والمال، والدعاء، غير مدركين بأنهم سبب توقفه عن وظيفته، أو فصله منها، وأنهم يحرمونه من كل ما هو ضروري للبقاء على قيد الحياة (الماء، الغاز، الكهرباء، وسائل المواصلات) بينما تُباع كافة المشتقات النفطية في السوق السوداء بأسعار خيالية، وتوزع على أخص أنصارهم وجماعتهم، وحين يكون لديهم خبراً يعتبرونه نصراً، فإن الكهرباء تعود للعمل لساعات. أليس من الأفضل أن يسعوا جاهدين لتوفير ما أمكنهم من هذه الخدمات الضرورية؟! والقيام بالتوزيع العادل لما توفر منها، ليشمل كافة المواطنين بدون انتقاء، ليتمكنوا بالفعل من كسب ولاء الناس ومناصرتهم ؟! *- يؤكد خبراء الحروب أن من عوامل ثبات المُحارب، وجود حاضنة شعبية، إضافة إلى وحدة الجبهة الداخلية، وأن يكون بمقدوره مع مرور الوقت، أن يكسب المزيد من الأنصار والمتعاطفين، على المستويين الداخلي والخارجي، بما فيهم من كانوا معارضين له، لكن هذا الحِلف في الواقع العملي، يُمارس الأعمال التي تدفع الجميع إلى مقته، بما في ذلك أنصاره، المواطن -أياً كان- حين لا يجد قوت يومه، لن يُفكر بالمكاسب السياسية لمن يواليه ويناصره. *- يطالبون الخارج بالمواجه البرية، رافضين القصف الجوي (ترى هل يستحقون براءة اختراع على إيجاد هذا النمط في الحروب الحديثة؟!) في حالة الحروب، لا يمكن لطرف أن يفرض على عدوه نوعية المواجهة التي يريدها، ولا السلاح الذي يُفضله، في الحروب كل طرف يفرض قوته وينتصر على خصمه، من خلال نقطة ضعف الخصم. *- يغلقون القنوات الفضائية، المحلية والأجنبية، والمواقع الالكترونية، دون أن يدركوا بأن عالم اليوم، أصبح قرية واحدة، وأن ما يجري في اليمن على سبيل المثال، سيهتم به العالم أجمع، وسيتناقلون أخباره وحقائقه، بكافة الوسائل التي لا يكون بمقدور هذا التحالف أن يمنعها عن أحد. *- لدى إعلامهم قاعدة واحدة للتعاطي مع الأحداث وهي تتلخص فيما يلي(أن ما يقومون به، يتهمون به الخصوم) بعض النظر عن واقعيته، ومعقوليته، حتى صاروا نكتة كافة وسائل التواصل الإجتماعي (يمكن مراجعة ناطقهم باسم الجيش، المعروف بالطواير) آخر النكات عليهم تقول: إعلام الحوثي يؤكد عدم تواجد حسين بدر الدين في قبره أثناء قصف الضريح. !!! *- يقولون بأنهم إن واجهوا الخارج سيغدر بهم الداخل، هل يُتصور أن يأتي أبناء عدن أو تعز أو أي محافظة يمنية لقتالهم، وهم في مواجه خارجية ؟! الأخلاق والأعراف اليمنية تأبى ذلك، مهما كانت الخلافات. لكن لو سلمنا جدلاً بهذا القول، ألا يكون بمقدورهم أن يُجربوا توقفهم عن حرب الداخل، ويتفرغوا لمواجهة الخارج، وإن حصل شيء مما يدعونه، يكشفوه للرأي العام، الأمر الذي سينعكس في صالحهم، لأنهم في هذه الحالة سيجدون الأنصار والمقاتلين والمدافعين عنهم، يأتونهم من كافة مناطق الجمهورية، هذه هي القيم اليمنية عبر التاريخ. *- يطالبون المواطنين بالخروج في المظاهرات التي ينظمونها، للتنديد بالعدوان الخارجي وحصار الشعب، وحين يخرج هذا الشعب بشكل عفوي، للتنديد بنفس هذه المطالب، يقتلونه بشكل مباشر ودون سابق إنذار!!!. *- يقولون بأن أطراف الداخل هي التي تسببت في العدوان الخارجي، والشعب كله يعرف بأنهم الذين انقلبوا على مخرجات الحوار الوطني، ونكثوا بكافة الإتفاقات التي أبرمت معهم، بعد أن كان الجميع على مشارف الاستفتاء على الدستور وإجراء الانتخابات، الجميع لا يزال يتذكر قولهم بأن دخول صنعاء هو فقط من أجل تحقيق ثلاثة مطالب شعبية (1-إسقاط الجرعة. 2-إسقاط الحكومة. 3-تنفيذ مخرجات الحوار.) الجميع يعرف بأنهم الذين رفضوا دعوات الداخل والخارج للعودة للحوار، والتقيد بالإتفاقات السابقة (مجلس الأمن، والأمم المتحدة، والدول الصديقة والشقيقة) الجميع يعرف بأنهم هم الذين تحدوا الداخل والخارج، وهددوا بغزو جيرانهم في العام القادم، والطواف حول الكعبة بأسلحتهم. كثيرة هي تلك الممارسات المعوجة، والأخبار والبيانات التي تحاول اليوم، أن تلوي أعناق الحقائق التي يدركها كل أبناء الشعب، ويعلم تفاصيلها الخارج، لذلك أيد الضرب عليهم، هو اليوم يراقب فقط. إذاً: إن الأسباب الحقيقية وراء كل مايجري في اليمن، هو حلف صالح و الحوثي، الذي يمارس سياسته الاستبدادية بعقلية تعاني إعاقة دائمة، فحين عجزوا عن مواجهة الخارج، أشعلوا حروبهم الإنتقامية ضد الداخل، الأمر الذي نتج عنه هذا الحصار الهمجي والغير إنساني لكل أبناء الشعب، الكثير من المواطنين، يدركون هذا الأمر، وهذه الحقائق. أن الشعب يُدرك جيداً من يحاصره، ومن يقود هذه الممارسات الإجرامية ضده؟! لا أدري إن كان هذا التحالف، ينتظر الوقت الذي يجد فيه الشعب اللحظة التي لا يكون فيه مشورة للعقل، ولا خوف من الموت، عندما يحاصرهم الجوع، وتبدأ مخالب الموت بالاتجاه إلى عنق كل مواطن، عندها بلاشك سيفضل الجميع أن يموت مُمسكاً بعنق كل من أوصله إلى هذا الحال، وعندها ستكون الكارثة الكبرى، التي لن تستثني أحداً. [email protected]