لم تمر سوى بضعة شهور على تولى الرئيس محمد مرسى مقاليد الأمور حتى ضربت الخيام فى ميدان التحرير، وتعالت الصيحات التى تطالبه بالرحيل، ومنها الشعار الأكثر رواجا فى الربيع العربى «الشعب يريد إسقاط النظام»، حتى فى مسجد الشربتلى واجه هتافات المصلين الغاضبين. أليس من المبكر أن يضيق صدر المصريين بالرئيس المنتخب بعد أن صبروا لعقود على رئيس مستبد؟ الإخوان المسلمون يبدو أنهم وقفوا عند تصور وجود مؤامرة على الرئيس والشرعية، والمعارضون ينددون بالمؤامرة على الثورة والديمقراطية. الفريقان وجهان لعملة واحدة يلعبان الكراسى الموسيقية الثورية. رئيس الجمهورية -وخلفه التيار الإسلامى بأطيافه- يتصورون أن الإعلان الدستورى «إجراء ثورى»، والمعارضون المعتصمون بميدان التحرير، والمتظاهرون فى الميادين يعتقدون أنهم يحملون على كاهلهم هدف «حماية الثورة». لم يعد للثورة «تعريف» أو «بوصلة» أو «مقياس». مر عامان من اللعب بالشرعية الثورية والشرعية الدستورية، شرعية الميدان فى مواجهة شرعية البرلمان. النتيجة هى مشهد ملتبس مضطرب ليس له شكل محدد. التنوع فى الأصوات الإسلامية شبه غائب، الكل يحمل نفس الشكل، ويتحدث نفس اللغة. تباين هنا أو هناك لا يغير من الصورة الإسلامية العامة. والتجانس شبه غائب فى معسكر «قوى المعارضة»، التى التقت بعد أن شعرت جميعا بالتهديد، وقد تتفرق عندما تواجه «صراع الزعامات». الفريقان بدآ رحلة لا يعرفان على وجه الدقة نهايتها. الإسلاميون يقولون «مرسى ليس مبارك»، والمعارضون يرون أن ميدان التحرير له كرامات. والناس العادية قلقة، تقول ما النهاية؟ القياس خاطئ، الثورة المصرية التى ظلت ثمانية عشر يوما قضت على رأس نظام جاءت مباغتة، غير مخططة، عفوية، ليس له زعماء أسقطت ثمرة حان وقت قطفها. أما المشهد الآن فهو مختلف. هناك انقسام وتوازن حقيقى -وليس وهميا- للقوى. معارضة يقف معها غالبية القضاة، والإعلام المؤثر، وبعض النقابات، وسلطة يقف معها فريق آخر من القضاة، وإعلام قومى عاد لطبيعته السابقة فى خدمة الحاكم، وبعض النقابات. المال على الجانبين. الجديد فى الأمر أن الشرطة -هذه المرة- على الحياد تشارك القوات المسلحة ذلك التعبير المصرى العبقرى «المسافة المتساوية من كل التيارات». الفريقان يستعرضان عضلات الميادين. لم يكن أحد يشك فى قدرة الإسلاميين على التنظيم والحشد، ولكن القوى الأخرى المدنية حققت المفاجأة التى أذهلت خصومها، وهى امتلاكها هى الأخرى القدرة على حشد الجماهير، والرهان على تعبئة المحبطين والخائفين والحالمين فى صفوفها. المشهد مقلق والمخاوف تتصاعد، لكن توازنات القوى تقول إن التفاوض بين الطرفين هو الحل النهائى، وأى نتيجة سوف تسفر عنها هذه العملية هى مكسب للتجربة الديمقراطية المصرية، ويكفى أن كلا الطرفين خائف من الآخر حتى يكون الحوار هو المخرج النهائى مهما طالت المواجهات، وسقط الضحايا، وعلا الضجيج، وارتجت الميادين لا سبيل سوى الحل الوسط الذى قد يكون فى اتفاقهما أو رحيلهما معا.