أصبحت كلمة (النخبة) سيئة السمعة، وذلك رغم أن العالم كله ينهض بواسطة النخبة المتعلمة المستنيرة التي تشكل الرافعة لكتلة الجماهير على طريق التقدم، كان مفترضًا أن تكون النخبة المصرية هي قاطرة النهضة التي تسرع بعربات القطار الوطني للحاق بركب التطور والوقوف في مصاف الأمم المتقدمة ولكن ذلك لم يحدث بل إن مصر التي كانت منذ ثلاثين عامًا تصنف على أنها رقم 31 في ترتيب الدول التي تسير في مسار النمو والتقدم تراجعت إلي المركز رقم 138 من بين 142 أي في ذيل القائمة. والمشكلة في النخبة نفسها وليست في الظروف لأنها نخبة منفصلة ومستعلية على شعبها من ناحية كما أنها مستغرقة في البزنس والمصالح الشخصية والتربيطات والحفلات وغيره ليس ذلك فقط بل إن ما ميزها في البداية من تعليم أو ثقافة تتراجع فيه، فليس هناك وقت ولا دافع للقراءة والمتابعة مما أدى عند بعضهم لما يمكن تسميته (حالة تحلل الأفكار) فتسمع عن فلان أنه قامة فكرية كبيرة فإذا استمعت إليه وجدت نفسه خاوية على عروشها. ولأن الناس لابد لها من قادة للرأي فقد التفوا حول الدعاة ورجال الدين ووجدوا لديهم بغيتهم، يأخذون بأيديهم يستمعون لهم يوجهونهم يمنحونهم الأمل في الحياة وعلى مدار سنوات انفصلت النخبة عن الشعب وأصبحت تحلق وحيدة في سماء الأفكار الليبرالية ونمط الحياة الغربي بينما اتجهت جماهير الشعب للتدين واتخذت سمتًا إسلاميًا ونمط حياة مغاير ليس فقط للنخبة ولكنه مغاير أيضًا لما اعتاده المصريون عبر عقود طويلة، وفي المنتصف ظلت هناك فئات تراوح أقدامها بين هذا وذاك في رمضان والمناسبات الدينية يشابهون النمط الإسلامي وفي المناسبات الدنيوية والاحتفالية مثل حفلات الغناء ومباريات كرة القدم ومسلسلات التليفزيون واحتفالات الزواج ينجذبون أكثر لنموذج النخبة المتغربة. لم تشعر النخبة بقلق إزاء وضعها وربما ارتاحت لما فيه من تمايز عن باقي طبقات وفئات الشعب وكان حكم مبارك وفساده هو الحارس الأمين لبقاء كل معسكر في مكانه بلا قلق، الإسلاميون إما مضطهدون أو مهمشون والنخبة بارزة في وسائل الإعلام وتمسك بمفاصل الدولة وتحنو أحيانًا على بعض الإسلاميين بقولها كفاية حرام. وبقية الطبقات تتعايش هكذا صباحًا عمل متواصل من أجل لقمة العيش ومساءً عينها على التليفزيون ووعيها المنهك مفتوح لتأثيراته والجانب الروحي مع المشايخ وفي المساجد واللحظات الروحانية التي لابد منها لنستمر بشرًا. بمرور الوقت ومع استمرار النهب والتراجع الاقتصادي كان التآكل يزداد في الطبقة الوسطى ومع تراجع التعليم وانهياره أدى كل ذلك للمزيد من قلة أعداد النخب الحقيقية إما بسبب هروبها للخارج أو يأسها من الإصلاح أو اتجاهها للتعايش مع الفساد بالبحث عن موضع قدم في مجال العمل والمحصلة النهائية هي ابتعاد النخبة التقليدية القديمة من رجال الفكر والفن والأدب والإعلام عن دورها الحقيقي كطليعة للأمة. بعد ثورة يناير وصعود الإسلاميين حدثت حالة من الارتباك والفوضى الشديدة في المشهد وفوجئ العالم كله ولعل من بينهم أبناء التيار الإسلامي نفسه بشعبية جارفة للتيار الإسلامي في الانتخابات البرلمانية وانصراف ملفت عن كل الرموز النخبوية رغم محاولات الإعلام المستميتة للترويج لهم وكان ما كان من أحداث متعاقبة حتى وصلنا لأول رئيس جمهورية مدني منتخب هو الرئيس محمد مرسي ابن الإخوان المسلمين وهنا طار عقل النخبة في الإعلام والسياسة والقضاء والصحافة وعرفوا أنهم لم يؤدوا واجبهم طوال سنين فنسيهم الشعب وتجاهلهم كما تجاهلوه طويلًا. الحكمة حاليًا تقول لأهل النخبة انتبهوا عقارب الساعة لا تعود إلى الخلف ولذلك لا يمكنكم العودة للوراء وحركة التاريخ تسير دائمًا في اتجاه واحد إلى الأمام دائمًا فلا تحاولوا إلغاء الحاضر أو حرقه للحفاظ على مكتسباتكم وتذكروا أبسط مفردات وقواعد الديمقراطية والحرية التي طالما تشدقتم بها وناديتم بها وفي مواجهة شعار الإسلام هو الحل رفعتم شعارًا بديلًا يقول بل الديمقراطية وصناديق الاقتراع هي الحل فما الذي جرى؟ ولماذا انقلبتم عليها وعلينا؟ وتقول أيضا للتيار الإسلامي: افرزوا نخبكم وثقافتكم وإعلامكم حتى تثبتوا أقدامكم في أرض مصر الحضارة ولا تصبحوا مجرد تيار شعبي قابل للتراجع، تقول: معارضوكم ليس لديهم مواهب ولا مبدعون ويحتكرون هم وحدهم مقاليد الثقافة والفن والإبداع ، المعركة حاليًا ثقافية فكونوا متنبهين ولتعرفوا مقدار التأثير الثقافي تأملوا كيف يردد الناس كلام التليفزيون بسرعة فائقة. وتقول لشعب مصر الأصيل: أنتم أكثر أهمية من كل النخب والتيارات افرزوا ما ترون واستوعبوا أحسنه، وكونوا أنتم كعهدكم دائمًا رمانة الميزان التي تساعد الكفتين على الاعتدال وتسهم في إعادة الترابط الوطني كما كان، دائمًا الشعب المصري قادر على استيعاب كل الثقافات وكل التيارات ثم إعادة إنتاجها بشكل حضاري يحافظ على وحدة المجتمع ويسهم في تقدمه ونهضته.