يتحسرون على الذي مضى، ويتأسفون على ايام صدام، فيستقر بالذهن الديكتاتور كمخلص، وكيف أنه ضرورة لا يستقر بدونه حال، وان الدنيا تتفسخ من بعده على قتل وانتقامات. ثم لا تهدأ الحياة ولا تستكين، فنبيت على دم ونصحو على دمار، لتعود القسوة وريثا شرعيا للقهر من قبل ومن بعد. وها هي بغداد لا تغدو بما عهدته لياليها، وقد هجرها النواسي ولا تعانق الخيام، وهي تطل بالسيف على السيف، وكأن روح الحجاج حلت على روح دجلة وطغت على شذى الفرات. والنخل فيها يقطر دماً كلما تخمر، وما عاد منه رحيق ولا كسوة كأس دارت بأيام خوالي منذ او قتل، وقد فقد النديم تلو النديم. وتجرع الان الموت تلو الانفجار، وكأن الرشيد لم يكن بها يوما ولا مر عليها المنصور، وقد عاد فيها الامين والمأمون اخوة اعداء ثانية. وإذ ينفجر كل العراق بالعراقيين بلا ملل او كلل، ويحل فيه الآن الشيطان ضيفاً مقيماً، في بغداد تارة وفي النجف مرات، ولا يفرق بين قم والرياض، ويعجل بالجر الى جهنم، ويسد الطريق الى الجنة، مغويا للنفس بالنفوس بلا هوادة، فإنه بذلك يكون قد نجح لتصبح استعادة الديكتاتور عملا شجاعا ومشرفا، وهذا لا يجده احد بعد، ومن يدعيه ليس اكثر من قاتل مأجور. ويريدون الآن فرض الترحم على ايام مبارك رغم اربعين عاما من وجع المصريين. وعلى ايام القذافي رغم كل العهر والاغتصاب والجنون علناً. وايام زين العابدين الذي ما عبد أبداً واشترط بطاقات لدخول المساجد، وإذن من المحافظ لاقامة الصلاة، ثم فرض السياحة على التونسيات كواجب وطني. ترى من الذي لا يتمنى لو أن الذي يجري في سورية الآن لم يحدث أبداً، وان ظل النظام نفسه على ما كان عليه؟ ومن الذي لا يقول هنا وهناك ليكن ما يكون عليه النظام ولا ان نتحول الى يوم سوري واحد. ترى كيف يحب الضحية الجلاد، ويصدق الناس درويش شاعرا انه سيأكل لحم مغتصبه ان جاع او غضب.