العيد هو ذلك اليوم الجديد المييز من بين سائر أيام السنة, أرأيتم قائد حرس الشرف في الاحتفالات الرسمية عندما يقف الجند خلفه ويتقدم هو نحو المنصة لإلقاء التحية على قواده, فيلفت الأنظار نحوه, فكذلك هو العيد بين سائر الأيام, له خصائصه وعاداته وتقاليده, والناس فيه بين مسرور آمن, وحزين مرعوب, الأول توفر له المال فراح يشتري لعيده مما لذ وطاب من الطعام والشراب, وأبناؤه يصخبون ويتبخترون بين أقرانهم متباهين بملابسهم الجديدة غالية الثمن وألعابا نارية يعبرون بها عن فرحتهم بمناسبة قلما يجدونها. أما الثاني فيمثله السواد الأعظم من الشعب اليمني – حزين تائه ومدين مهموم ومتعب من كثرة الكد الذي لا يوفر سوى رغيف الخبز والماء مجردين من أي إضافات وكماليات, يأتيه العيد فيستعيذ منه في كل ألف مرة؛ أبناؤه كئيبي الوجوه كسيري الأجنحة, في شرود دائم, ثيابهم خلقة مرقعة, يتمنون طمرا جديدا يتجنبون به ازدراء المتكبرين, ويضاهون أبناء حارتهم في يومهم الوحيد.
فبأية حال عدت ياعيد..؟ أعدت بالأزمات والملمات التي حسبنا أنها مضت, أم بالفقر واللأواء وأنين المحتاجين والفقراء.. أم بالمظاهرات والاحتجاجات وتعدد المظالم والرايات.. أبالقتل ياعيد والدماء والأشلاء .. ماهكذا تورد الإبل ياعيد, ماهكذا عهدناك, لقد فاجأتنا بمقدمك وما انفككنا نلملم جراحنا.. نشيع موتانا.. نقضض القبور وندعو على الحكام بالويل والثبور, ما أن يذكر العيد لأحدنا إلا وتراه مولولا شاردا يسبح في بحر من التكاليف والديون التي أثقلت كاهله وناءت بها الحيل والأساليب.
تعلمنا منك أيها العيد أن ننتزع فرحتنا من حواصل الطغاة ومصاصي الدماء, فأنت من أجبر الحزين أن يبتسم له, ولهيبتك قطع المسافر آلاف الأميال ليشارك الجميع في مهرجان استقبالك, سنتعلم منك أن التغيير لن يتأتى بالقول والمظهر قبل أن يزرع في الجوهر قناعات وأهداف.