من الطبيعي أن يكون الحديث عن التهريب أكثر من الهروب حينما يتعلق الأمر بنجاح عدد من سجناء تنظيم القاعدة في الفرار من أحد السجون اليمنية المحصنة، ليس فقط لأن الرواية الرسمية التي تتناول الحادثة لم تُحبك كما ينبغي، ولا لأن الأحداث تتكرر بذات الشكل ولذات الغرض، ولكن لأن تساؤلات كثيرة تدور حول علاقة النظام اليمني بتنظيم القاعدة. ومع أن العلاقة بين التنظيم والنظام قد تؤخذ بقليل أو بكثير من المبالغة إلا أنها تجد، على أرض الواقع، ما يؤكد صحتها، وإن وجد على أرض الواقع أيضا ما يمكن أن يؤكد صحة كل شيء حين يدخل على خط الربط بمؤامرة ما. والحديث عن علاقة النظام بالتنظيم لا تخلوا منه حركة يقوم بها تنظيم القاعدة أو يقوم بها النظام في هذا الجانب، حتى لو تبنى التنظيم ذلك في بياناته وإصداراته المرئية والمقروءة والمسموعة، كما في أحداث كثيرة. وهذا الأمر أحدث خلطا غير مسبوق في هذا الجانب. ومع أن النظام ليس بريئا من التهم الموجهة له بخصوص الاستفادة من وجود التنظيم أو استغلاله لهذا الوجود لتحقيق بعض الأغراض السياسية أو المادية أو حتى الشخصية، إلا أن هذا لا يعني أن تنظيم القاعدة في اليمن صنيعة رسمية أو أن النظام يديره ويتحكم فيه.
هروب عناصر القاعدة من السجون اليمنية من المفترض أن تكون الحراسة حول السجون التي يتواجد فيها عناصر من تنظيم القاعدة، أكثر تشديدا، لأنها قضية أمريكية قبل أن تكون يمنية، ولا مزاح في مثل هذه القضايا، خصوصا إذا كانت الغفلة الأمنية وراء انتكاسات كبيرة من هذا النوع في أحداث سابقة. وإذا ما نجح تنظيم القاعدة في تحرير سجنائه، أو نجح سجناؤه في تحرير أنفسهم من السجون اليمنية، فإما أن يعود الأمر إلى خلل في جاهزية حراسة السجون، وإما أن تكون قوة التنظيم غير عادية، أو تكون قوة الطرفين خارج السياق تماما، إن كان هناك تواطؤ رسمي سهل عملية الفرار أو الاقتحام، كما يرى البعض، لكن كل الاحتمالات واردة، فللقاعدة سوابق في اقتحام السجون وتحرير السجناء، وللنظام سوابق في الاستفادة من هذا الملف، والذي لا شك فيه هو أن هناك تقاطع مصالح، فاستفادة النظام من التنظيم، يتوقف على استفادة التنظيم من النظام، وإن حدث ذلك دون اتفاق مسبق بين الطرفين.
الهروب من سجن المكلا المركزي بحسب الرواية الرسمية لوزارة الداخلية اليمنية فإن فرار نحو "68" من أعضاء تنظيم القاعدة من سجن المكلا المركزي تم بعد أن نجح سجناء التنظيم في حفر نفق بطول "35" مترا، من الزنازين التي كانوا فيها إلى وسط السجن، حيث مكنهم ذلك من مهاجمة الحراسة ومن الفرار. وأكدت وزارة الداخلية في بيان لها أن بعض السجناء الفارين محكوم عليهم بالإعدام في قضية "خلية تريم الإرهابية" وبعضهم محكوم عليهم بالسجن لمدد مختلفة، والبقية لازالوا رهن المحاكمة. كما أشارت الوزارة إلى أنه "تم تشكيل لجنة للتحقيق في هذه الحادثة وعند استكمال التحقيق سوف تنشر جميع التفاصيل حول هذا الموضوع". لكن مصادر أخرى أشارت إلى أن عناصر من تنظيم القاعدة خارج السجن قاموا باقتحام سجن المكلا المركزي وتمكنوا من تحرير سجناء القاعدة داخله، وهناك روايات متعددة تورد تفاصيل مختلفة للعملية، غير أن ما اتفقت عليه جميع الروايات هو أن العشرات من عناصر القاعدة باتوا خارج سجن المكلا المركزي، بقدرتهم أو بقدرة قادر.
هروب سابق عملية الهروب من سجن المكلا المركزي أعادت إلى الأذهان عملية هروب مشابهة عام 2006م، حين تمكن 23 من أعضاء القاعدة، بينهم قيادات كبار ومتهمون بتفجير المدمرة الأمريكية كول والناقلة الفرنسية ليمبورج، من الفرار من سجن الأمن السياسي بصنعاء عبر نفق بقوا يحفرونه لأشهر بأسنة الملاعق، بحسب الرواية الرسمية للحادثة. ولعل القاسم المشترك الأبرز بين العمليتين هو عدم تصديق الناس للروايات التي توردها الجهات الرسمية، حيث تعاملوا معها في كل مرة، كالعادة، على أنها من ضمن ألاعيب النظام بهذا الملف لأغراض بات يعرفها الجميع، خصوصا وأن العملية الأخيرة حدثت قبل زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكية إلى صنعاء "فليتمان" لبحث نقل السلطة في اليمن في جولة شرق أوسطية بدأت في عمان. أما الفارق الأبرز بين العمليتين فهو أن طول نفق الأولى، بحسب موقع الجيش "26 سبتمبر" كان "70" مترا، بينما كان طول نفق الثانية، بحسب وزارة الداخلية اليمنية، "35" مترا، أي النصف تماما، ربما لأن الأولى كانت إلى خارج السجن والثانية إلى وسطه. إضافة إلى حديث السلطات عن تشكيل لجنة للتحقيق في الحادث.
تشكيك في عملية سجن المكلا في ظل الأزمة التي يمر بها نظام صالح، وفي ظل التطورات التي كانت من تداعياتها، خصوصا في المحافظات الجنوبية، بدت تصرفات النظام كما لو أنها حِلق في سلسلة واحدة، كما أن تعاطيه مع الأحداث، وهو في حالته الراهنة، أسهم في خلق اعتقادات لدى الناس تدينه، وعملية سجن المكلا المركزي تفسر ذلك: أولا: تفاصيل العملية الواردة في رواية وزارة الداخلية اليمنية تبدو غير مقبولة وغير مقنعة، فأربعة حمامات لا يمكن أن تستوعب تراب نفق يصل طوله إلى "35" مترا، إضافة إلى أن عمل كهذا سيتطلب أدوات لا تتوفر لدى السجناء، والمعروف أن السلطات لا تسمح بدخول أية آلة حادة أو حديدية، حتى لا تُستخدم في الانتحار. ثانيا: أهالي المنطقة شككوا في عملية "حفر النفق" التي أشار إليها المصدر الرسمي، لأن السجن يقع في منطقة جبلية من الصعب الحفر فيها مترا أو مترين دون معدات مخصصة للحفر، ناهيك عن حفر "35" مترا. كما أن عملية إطلاق النار بكثافة أثناء الهروب لا تتناسب والخسائر التي تحدثت عنها المصادر الرسمية في أوساط الحراسة أو في أوساط عناصر القاعدة، حيث قالت تلك المصادر إن واحدا فقط من حراس السجن لقي مصرعه، فيما قُتل ثلاثة من عناصر التنظيم. ثالثا: ضمن العمل الاستخباراتي تلجأ السلطات، في اليمن وفي غير اليمن، إلى دس جواسيس بين سجناء القاعدة على اعتبار أنهم منهم، ومن غير المعقول أن لا يحدث هذا داخل أكثر من "70" سجينا بينهم أعضاء من "خلية تريم" التي تصفها المصادر الرسمية دوما بالخطرة. رابعا: هذا العدد الهائل من سجناء التنظيم كان يتطلب حراسة مشددة بكل تأكيد، والحراسة التي أشار إليها بيان الداخلية كانت من مقاس حراسات غرف الحجز في أقسام الشرطة. خامسا: الأصل أن تكون السلطات اليمنية قد استفادت جيدا من درس "الهروب الكبير" في سجن الأمن السياسي بصنعاء عام 2006م، وعملت على تفادي تكراره مرة أخرى، لكن الحادثة تكررت بشحمها ولحمها، والغريب أن يقول مدير الأمن السياسي بحضرموت العميد عبد الله جريدع إن "نتائج التحقيقات ستمكن الأجهزة الأمنية من تلافي أي عمليات مشابهة قد يقوم بها عناصر القاعدة الإرهابيون مجددا وأيضا ستكشف علامات الاستفهام حول كيفية هربهم من السجن". ومن النقاط السابقة يبدو أن عملية الهروب هذه تفوق قدرات سجناء القاعدة، كما يبدو النظام أقرب المتورطين في العملية، إذ لا مصلحة لأحد سواه منها، وهو ما أشارت إليه بعض المصادر، حيث نقل موقع "الصحوة نت" عن مصادر مطلعة اتهامها لشخصية عسكرية مقربة من علي صالح بتدبير عملية هروب سجناء القاعدة. ويرى مراقبون أن العملية قد تكون مدبرة من قبل النظام بالفعل، لغرض تخفيف الضغوط الإقليمية والدولية على الرئيس صالح بالتخلي عن السلطة، كما أن العملية ستربط بين تدهور الوضع في اليمن وبين غياب صالح الذي لازال يتلقى العلاج في المملكة العربية السعودية بعد عملية جامع النهدين، حتى تكون عودته إلى الحكم أمرا ملحا بالنسبة لدول الغرب الخائفة من تنامي القاعدة في اليمن.
فرضية الاقتحام الرواية التي تحدثت عن اقتحام عناصر من القاعدة لسجن المكلا المركزي تبدو منطقية، مقارنة برواية المصدر الرسمي، ونظرا لقدرات تنظيم التنظيم على القيام بذلك، لكن رواية الاقتحام بُنيت على فرضية أن يكون إطلاق النار الذي سمع بشكل كثيف أثناء الفرار، ناتجا عن مواجهات بين حراسة السجن وبين المقتحمين، غير أن وجود رواية رسمية، ولو ملفقة، يجعلنا نستبعد هذه الفرضية. مع العلم أنه سبق لتنظيم القاعدة وأن قام بعمليات مشابهة في عدنوأبين، لكن لا معلومة تؤكد صحة الاقتحام حتى الآن.
قلق ما بعد الهروب تزامن عملية هروب قاعديين من السجن مع تصريحات لمسئولين يمنيين تحدثت عن قرب حسم المواجهات في محافظة أبين أثار مخاوف أبناء محافظة حضرموت من أن تنتقل المواجهات إلى محافظتهم بذريعة البحث عن إرهابيين فارين، حيث يوحي ما حدث ويحدث مؤخرا في الجنوب أن النظام بحاجة دائمة إلى تفعيل ملف تنظيم القاعدة، نظرا لكونه يعيش أزمة دائمة على خلفية الثورة الشعبية المطالبة بإسقاطه. ويعمل أبناء محافظة حضرموت على الحيلولة دون تكرار ما حدث في محافظة أبين، من خلال ترتيبات معينة تضمنت ما يشبه تشكيل اللجان الشعبية للتعامل مع أي مستجد في المحافظة على خلفية هروب أعضاء القاعدة من السجن. وفي أولى ردود الأفعال على حادثة السجن المركزي دعت الهيئة الاستشارية لمجلس حضرموت الأهلي كافة أبناء حضرموت أينما كانوا إلى ضرورة التحلي بأعلى درجات الجاهزية والاستعداد في الوقت الراهن لمواجهة تحديات اللحظة، وحثت الجميع بلا استثناء على تفعيل دور ونشاط لجان الحراسات الشعبية في كل الأحياء السكنية. وحمّلت الهيئة، في بيان لها، السلطة المحلية بالمحافظة والأجهزة الأمنية "مسؤولية ما يجري من انفلاتٍ أمني يُنذرُ بوضعٍ قد لا يكون بعيداً عمّا آلت إليه الأوضاع في عدد من المحافظات كأبين ولحج وغيرها، مما يجعل السلطة المحلية أمام مسئوليات عظيمه منها القيام بدورها في تأمين حضرموت أرضاً وإنساناً، أو أن يلجأ أبناء المحافظة - وهم قادرون - على حماية انفسهم وأعراضهم وأموالهم بالطريقة التي يرونها". وطالبت السلطة المحلية بتوضيح حقيقة ما يجري للرأي العام والقيام بدورها وواجبها في هذه اللحظات الحرجة التي لن يرحم التاريخ من تخاذل فيها عن حماية وتأمين هذه المحافظة وأبناءها. ويبدي أبناء محافظة أبين قلقهم من طول أمد المعارك في المحافظة إذا ما قدم سجناء القاعدة الفارين من سجن المكلا إلى محافظتهم للمشاركة في القتال ضد القوات الحكومية. ومن كل ما تقدم حول عملية الهروب من السجن المركزي بالمكلا يتضح أن لا شيء مؤكد حتى الآن، وإن كانت تفاصيل رواية الجهات الرسمية تشير إلى أن وراء الأكمة ما وراءها، وإلى أن تنشر القاعدة تقريرها المفصل عن عملياتها في العدد القادم من صدى الملاحم، ستبقى العملية غامضة.