أربع سنوات بعد إطلاق سراح المعتقل السعودي خالد الجيهاني من السجنِ الأمريكي في خليج جوانتانامو -كوبا. الجيهاني - وعمره 34 سنة – يعيش حالياً حياة هادئة في هذه المدينة الساحلية الكبيرة. يملك سيارة ووظيفة، وشقة مؤثثة بشكل جيد، أهديت له مجاملة من الحكومة السعودية. إن إعادة تأهيل الفدائيين مثل الجيهاني، أقنع إدارة أوباما، بأن المملكة العربية السعودية، هي المكان المثالي لإرسال العشرات من اليمنيين المحتجزين في جوانتانامو. لشهور، ضغط مسؤولون أمريكان على الرياض. لكن المسؤولين السعوديين يقولون إن نجاحهم مع المحتجزين السابقين مثل الجيهاني يعود إلى أفراد عائلته وقبيلته، الذين أبقوا مراقبتهم المستمرة عليه، ولا يمكن أن يتم استنساخ ذلك مع أولئك الذين تمتد جذورهم وشبكاتهم الاجتماعية خارج العربية السعودية. ويقول الجيهاني، الذي انضم إلى الحركة الإسلامية الأصولية في الفلبين، ودرب مقاتلي القاعدة في أفغانستان: "إذا حاولت عمل أي شيء سيئ، فإن عائلتي ستخبر الحكومة عني". وأضاف: "كَيف يمكنك أن تثق بأن ذلك سيحصل مع حي أو سكن عائلي في اليمن؟ "
وبينما تعهد الرئيس أوباما بإغلاق معتقل جوانتنامو بشكل نهائي في يناير/كانون الثاني، يظل مصير 97 يمنياً هو العقبةَ الكبرى أمام الإدارة لغلق المرفق، وصياغة سياسة عقابية جديدة. إنهم المجموعة الأكثر التي بقيت في المعتقل، وتقريباً يمثلون نصف السجناء المتبقين هناك، ويعتبرون من بين أكثر الجذور الجهادية المتعمقة داخل اليمن، الوطن السلالي لأسامة بن لادن.
وتدار اليمن من قبل حكومة مركزية ضعيفة، تواجه تمرداً في الشمالِ، وانفصاليين في الجنوب، و حضوراً متزايداً للقاعدة. ولذلك فإن إدارة أوباما غير متحمسة لإرسال المحتجزين اليمنيين لديها إلى هناك، لعدم إيمانها بوجود ضمانات أمن يمنية كافية. وفقط أعيد 15 يمنياً إلى بلادهم خلال السنوات السبع الماضية، بينما مئات السعوديينِ والأفغان المعتقلين عادوا إلى أوطانهم.
أكثر البلدانِ التي وافقت على إعادة إسكان المحتجزين من البلدان الأخرى، متحمسة فقط لأخذ أولئك الذين اتضحت براءتهم وتقرر إطلاق سراحهم من قبل المحاكم، أَو من قبل القسم الأعلى لفريق إعادة النظر في العدالة والذي لا يمكن أن يعيدهم إلى وطنهم الأم، بسبب المخاوف من التعذيب أَو أي إساءة أخرى.
اليمنيون لم تنطبق عليهم تلك المعايير. الأغلبية منهم لم يجازوا ليُطلق سراحهم. علاوة على ذلك، فإن الولاياتالمتحدة ترفض أن تعيد 26 يمنياً إلى وطنهم، وهم الذين اتضحت براءتهم، معيدة السبب إلى المخاوف الأمنية، الأمر الذي يعزز الشكوك لدى المسؤولين السعوديين، مثلما يؤكده أيضاً لدى المسئولين في الدول الأوربية، ذلك لأن المعتقلين اليمنيين يشكلون خطراً، يجعلهم لا يرغبون تحمل أعبائه.
على الرغم من الطريق المسدود، إلا أن مسئولين أمريكان يأملون إرسال أغلبية اليمنيين إلى العربية السعودية. هم سيكونون المعتقلين الوحيدين، من غير السعوديين، يتم أرسالهم إلى هناك. وأكد مسئول في الإدارة الأمريكية أن "المحادثات مع الحكومتين السعودية واليمنية على ترتيب أوضاع المعتقلين اليمنيين كَانت منتجة ومستمرة ".
علناً، مسؤولون سعوديون قالوا بأنهم سيقبلون اليمنيين فقط، إذا رغبوا هم بالمجيئ بشكل واضح. وبصورة خاصة، قابل المسؤولون السعوديون هنا رأي الذين يودون إيجاد حل مختلفاً. إذا وافقت العربية السعودية على قبول اليمنيين- القرار الذي يرى أكثر المراقبين أنه سيتطلب مباركة الملك عبد الله بن عبد العزيز – فإن ذلك سيجعلها تخاطر بأَن تصبح هدفاً كبيراً للقاعدة. كما أن المملكة، أيضاً، لديها صلات وثيقة مع الحكومة اليمنية، التي ربما تعتبر أن نقل المعتقلين إلى العربية السعودية يسبب لها إحراجاً شعبياً. وقد أعلنت اليمن بشكل علني وواضح، بأنها تريد إعادة معتقليها إلى وطنهم الأصلي.
إذا عاد اليمنيون، وانضموا ثانية إلى القاعدة، فإن ذلك، سيوجه ضربة حادة للبرنامج، مثلما سيكون بالنسبة لكبرياء المملكة أيضاً..
"إنها حالة فشل بالنسبة للسعوديين. فهم لا يستطيعون تَأهيل هؤلاء الرجال، ولا يريدون أَن يصبحوا سجّان أمريكا" حسب كرستوفر بوسيك، المحلل في معهد كارنيجي للسلام العالمي، الذي درس برنامج إعادة التأهيل.
• العلاقات التي تلزم : عندما يهبط المعتقلون العائدون من جوانتنامو إلى أرض العربية السعودية، فإن الأمير محمد بن نائف - أحد أفراد العائلة السعودية الحاكمة البارزين، والمسئول الأول عن عمليات مكافحة الإرهاب في المملكة - يقوم شخصياً بإبلاغ أسرهم أن أبناءهم عادوا إلى الديار.
مزيج من البرامج النفسية والدينية والاجتماعية تفطم المشاركين من الفكر المتطرف. 1,500 معتقل على الأقل، أطلق سراحهم من البرنامج لمدة ستة أشهر . ومن بين ال120 معتقلاً من جوانتنامو، تخرج108 : أي أن أكثر من 80 بالمائة مازالوا في إطار المشاركين الفاعلين في جهود إعادة التأهيل، ولم يعاودوا الانضمام مرة أخرى إلى القاعدة، بحسب ما أكده مسؤولون سعوديون. وتقريباً فإن نسبة 20 بالمائة فر إلى الخارج، اختفى أَو اعتقل ثانية.
واجه البرنامج نقداً من قبل جماعات حقوق الإنسان، من حيث قولهم بوجود معتقلين بدون أن توجه إليهم أي اتهامات. وفي وقت سابق من هذه السنة، أكد دنيس س. بلير - مدير الاستخبارات الوطنية – أثناء شهادته أمام لجنة خاصة في مجلس الشيوخ، حول الاستخبارات، أنه من الصعب قياس نجاح هذا البرنامج"، مضيفاً: قد تم إطلاق سراح "مجرمين بسيطين في الغالب"، بينما " العديد من الإرهابيين الأكثر تصلباً لا يخضعون لإعادةِ التأهيل". بحسب ما جاء ضمن وثيقة سرية سربت من مكتب مديرِ الاستخبارات الوطنية، حصل عليها ونشرها اتحاد العلماء الأمريكان.
عند إطلاق سراح أحد المحتجزين توقع العائلة وزعماء القبيلة على ضمانات تَكفل بأنه لَن يعود إلى الإرهاب. ويبقى الرهان المهم على شرفهم واسم عائلهم، وهو أمر ضروري ومهم في المجتمع السعودي. وبينما يظل مسؤولو الأمن في تواصل مستمر، ويعتمدون بشكل كبير على العائلة، لإنذارهم حول أي مشاكل محتملة، وتتدفق المعونة المالية بحرّية كاملة للتعليم والوظائف والزواجِ. ويقول الجيهاني " أن الحكومة دفعت حتى ثمن معالجة خصوبة زوجته.
وحول ذلك، يعتقد عبد الرحمن الحذلاق – وهو يدير وحدة مكافحة التطرف في وزارة الداخلية السعودية – أنك "عندما تَتزوج ويكون لديك أطفال، فأنت ستكون مشغولاً بعائلتك". مضيفاً : لذلك فإنك ستدرك قيمة ومعنى الحياة، وتدرك ثقافة الموت أكثر."
وفي نهاية الأسبوع الماضي، في مركزِ التأهيل، علم المدرسون بموت طفل رضيِع، لأحد المعتقلين السابقين في معتقل جوانتنامو، فقام أحمد جيلان – وهو منسق البرنامج ، باستدعائه فوراً وقدّم له التعازي، وعرض عليه العون والمساعدة.
ويقول حميد الشايجي، وهو عالم اجتماع في المركز: "إذا نحن لم نساعد العائلةَ، فإن القاعدة ستقوم بذلك". ويضيف قائلاً: " البرنامج لا يمكن أَن يكون بهذه الفعالية، مع المحتجزين اليمنيين". حوالي 20 من اليمنيين فقط، لهم بعض الروابط العائلية داخل المملكة العربية السعودية، كما أنه غير واضح مدى قوة تلك الروابط معهم. وتساءل:"كيف ستعمل عوائلهم معنا؟ ". أضف إلى ذلك: أن اليمنيين والسعوديين يزاولون أنواعاً مختلفة من الإسلامِ السني. كما أن الشريحة الواسعةَ من السعوديين ينتمون لطبقة اقتصادية أعلى من اليمنيين، الأمر الذي ربما يقود إلى الاستياء.
ويواصل: "نحن سيكون لدينا الرياض - ناموا" – قياساً على (جونتانامو) - ويستنتج قائلاً: "و سنصبح هدفاً للقاعدة. وسينظر للسعوديين على أنهم يواصلون عمل الأمريكان."
• ارتفاع المخاطر المحيطة: المسؤولون السعوديون يقولون بأنهم قلقون جداً بشأن اليمنيين بعد التأهيل. وفي فبراير/شباط، أصدرت الحكومة قائمة من 85 اسماً لأكثر الإرهابيين السعوديين المطلوبين. و 11 منهم على الأقل، كَانوا قد تخرجوا من البرنامج؛ معظمهم فر إلى الخارج. بضمن ذلك، اثنان منهم عبر من خلال حدود المملكة الجنوبيةَ غير المحمية، إلى اليمن.
كان ضمنهم سعيد الشهري، الذي أصبح الزعيم الثاني المهم في جناح القاعدة في اليمن، ومحمد العوفي، الذي أصبح القائد الميداني للقاعدة. ويقول العقيد منصور التركي – الناطق باسم وزارة الداخلية السعودية: "لا يمكنك أن تضمن النتائج ". وأضاف: "ما نقوم به هو بمثابة جهد الفرصة الأخيرة. نحن لا نستطيع وضعهم خلف القضبان بينما لا نملك شيئاً لدينا ضدّهم."
وقبل ستة أسابيع حاول فدائي سعودي – ليس بضمن قائمة المطلوبين ال 40 المهمين - اغتيال الأمير نائف بعد أن تخطى الحدود قادماً من اليمن، مع قنبلة أخفاها في جسمه. ويقول بوسيك: "السعوديون لا يجدون طريقة للسيطَرة عليهم عندما يغادرون إلى اليمن". مضيفاً: "لكن العالم سيحملهم المسؤوليةَ."
إن رهانات إدارة أوباما عالية أيضاً. إن عدم التعامل مع العربية السعودية سيؤدي إلى أن أغلب اليمنيين يمكن أَن ينتهوا في النظام الجزئي من الحجز المطول، المبرر بالإدارة تحت قوانين الحرب. وإذا أغلق جوانتنامو، فيمكن أَن ينتهوا في معسكر سجن على التربة الأمريكية، ومن المحتمل على قاعدة عسكرية، تضفي مزيداً من المشاكل السياسية لأوباما.
ما زال، لدى العربية السعودية مصلحة خاصة في ضمان عدم عودة اليمنيين للانضمام إلى القاعدة. ويخلص بوسيك، إلى أن هناك سيناريو واحد، وهو بأن العربية السعودية قد تكون راغبةَ في استضافة اليمنيين لبضعة أشهر لكسب الحكومتين الأمريكية واليمنية وقتاً لإيجاد حل نهائي.
في إطار اللقاءات، تحدث بعض المسؤولين السعوديينِ والغربيين عن حل ممكن، هو أن الولاياتالمتحدة، والعربية السعودية، وآخرين، يعملون على بناء برنامج إعادة تأهيل في اليمن. لكن الفساد الرسمي ، إلى جانب الاضطراب الداخلي، أصاب الكثيرين بالشكوك من إمكانية نجاح الفكرة.
ويتساءل الجيهاني:"هل هذا يفلح مع كل اليمنيين؟"، مجيباً: ربما لا. واستدرك: "حتى في العربية السعودية، هو لم ينجح 100 بالمائة."
*السلك الأجنبي الواشنطن بوست - جدة، العربية السعودية.