اثارت موافقة غالبية السويسريين على منع بناء المآذن في في استفتاء شعبي الاحد ردود فعل معارضة الاثنين ليس من جانب منظمات وجمعيات اسلامية فحسب ولكن في اوروبا كذلك ومن قبل الفاتيكان. واعرب عدد من المسؤولين الاوروبيين عن اسفهم لنتيجة التصويت وعن خشيتهم من عواقب مثل هذا القرار. في حين قال اخرون وان كانوا اقل عددا ان التصويت يعكس قلقا حقيقيا ينبغي اخذه على محمل الجد.
ولم يصدر اي رد فعل رسمي في العالم الاسلامي على هذا الاستفتاء حتى عصر الاثنين. وايد الفاتيكان الاثنين موقف الاساقفة السويسريين الذين اعتبروا حظر بناء المآذن "ضربة قاسية لحرية المعتقد". وقال رئيس المجلس البابوي للمهاجرين المونسنيور ماريا سفيليو لوكالة الانباء الايطالية (انسا) اننا "نتبنى الموقف نفسه للاساقفة السويسريين".
واضاف "نلاحظ بالتاكيد شعورا بالكراهية والخوف في كل مكان، لكن على المسيحي ان يعرف كيف يتجاوز ذلك".
والاحد اعلن الامين العام للمؤتمر الاسقفي السويسري المونسنيور فيليكس غمور ان اساقفة سويسرا مستاؤون، واضاف "ان المجمع الفاتيكاني الثاني يقول بوضوح ان من المسموح لكل الديانات بناء اماكن عبادة، والمآذن هي اماكن عبادة. انها ضربة قاسية للحمة" المجتمع السويسري.
وفي جدة، اعرب الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي اكمل الدين احسان اوغلي في بيان عن "خيبة امله وقلقه ازاء نتيجة الاستفتاء".
وقال الامين العام للمنظمة التي تضم 57 دولة يعيش فيها اكثر من مليار مسلم ان الحظر يعد "نموذجا جديدا يجسد مشاعر العداء المتنامي ضد الاسلام والمسلمين في اوروبا من قبل جماعات اليمين المتطرف العنصرية والمعادية للمهاجرين وللاجانب، والتي تقف في وجه المواقف الحكيمة والمنطقية والقيم العالمية".
وذكر انه مقابل انخراط المسلمين في مكافحة التطرف، "نرى ان المجتمعات الغربية اصبحت اليوم رهينة للمتطرفين الذين يستغلون الاسلام ككبش فداء وقاعدة لتنفيذ أجندتهم السياسية التي تكرس الاستقطاب والتشرذم في المجتمعات".
وناشد احسان اوغلي المجتمعات المسلمة "الالتزام بالوسائل السلمية والديموقراطية في التعبير عن آرائها بشأن هذه المسألة".
ومنذ الاحد، وصف مفتي الديار المصرية علي جمعة نتيجة الاستفتاء بانها "ليست اساءة طفيفة للحرية الدينية، انما ايضا اهانة لمشاعر الطائفة الاسلامية في سويسرا وسواها". لكنه حرص على دعوة المسلمين الى عدم ترك هذا القرار يستفز مشاعرهم.
ودان المرجع الديني الشيعي اللبناني السيد محمد حسين فضل الله الاثنين نتيجة الاستفتاء، وقال في بيان "ان حملة دعائية استهدفت اثارة الراي العام السويسري بهدف تقديم صورة مشوهة ومخيفة عن الاسلام".
واضاف "ان التحريض المتواصل الهادف الى ايجاد حالة من العنصرية في الغرب ضد المسلمين من شانه ان يعود بالضرر على غير المسلمين".
وحذر المرجع الديني المسلمين من "ان يندفعوا باتجاه العنف تحت وطأة ذلك"، داعيا اياهم الى "ان يكونوا ايجابيين مع مواطنيهم السويسريين، حتى مع الذين صوتوا لصالح قرار منع المآذن في سويسرا".
ورات جمعية نهضة الامة الرئيسية في اندونيسيا في الاستفتاء مؤشرا على "الكراهية" و"اللاتسامح"، لكنها دعت بالمثل الى ضبط النفس. وفي باكستان اعتبر خورشيد احمد نائب رئيس الجماعة الاسلامية العضو في البرلمان ان الاستفتاء "يعكس كراهية شديدة للاسلام". ورات جماعة الدعوة التي تعتبر الجناح السياسي لمجموعة "عسكر طيبة" المسلحة المحظورة في القرار "انتهاكا لمبادىء التعايش والتسامح الديني".
ورات منظمة العفو الدولية ان نتيجة الاستفتاء تشكل "انتهاكا لحرية المعتقد التي لا تتماشى مع الاتفاقات التي وقعتها سويسرا".
واعرب الاوروبيون عموما عن اسفهم لنتيجة الاستفتاء الذي ايد فيه 57,5% من السويسريين دعوة اليمين الشعبوي لمنع المآذن، معربين عن خشيتهم من تبعاته لا سيما وان التظاهرات والاضطرابات التي حصلت في 2005 و2008 بسبب نشر رسوم كاريكاتورية تصور الرسول محمد في الدنمارك لا تزال ماثلة في الاذهان.
وعبر وزير الهجرة الفرنسي اريك بيسون عن الاستياء الغربي بقوله انه "لا ينبغي اعطاء شعور باستبعاد ديانة بعينها، كالاسلام في هذه الحالة".
واعربت الرئاسة السويدية للاتحاد الاوروبي عن استغرابها لطرح الامر اصلا على استفتاء. وقالت وزيرة الهجرة السويدية نيامكو سابومي ان "لدى سويسرا نظام استفتاء شعبيا رائعا لكن يساء استخدامه احيانا، كما في هذه الحالة بعينها".
واضافت الوزيرة وهي من اصل افريقي "ما من مشكلات بين المسلمين والاوروبيين في الاتحاد الاوروبي. المسلمون هم اوروبيون". ولكن القيادي في حزب المستشارة الالمانية انغيلا ميركل (الاتحاد المسيحي الديموقراطي) فولفغانغ بوسباخ راى ان التصويت يعكس خشية من اسلمة المجتمع ينبغي "التعامل معها بجدية".
واعرب وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير عن صدمته لما وصفه بانه تعبير عن "عدم قبول الاخر". وفي جنيف نفسها، عبرت المقررة الخاصة لحرية المعتقد في الاممالمتحدة اسماء جهانغير عن "بالغ قلقها" امام ما اعتبرته "تمييزا واضحا". كما اعرب برلمان مجلس اوروبا كذلك عن قلقه.
ولم يعلن تاييده لنتيجة الاستفتاء السويسري سوى بعض السياسيين الايطاليين ومن بينهم وزير ومسؤول اقليمي وكذلك حركات اليمين المتطرف في فرنسا والنمسا، والنائب الهولندي اليميني المتطرف غيرت فيلدرز.
وينتمي النائب الى حزب الحرية الذي يعارض "اسلمة" اوروبا ويعتبر القرآن "فاشيا". ويشغل هذا الحزب تسعة مقاعد من اصل 150 في مجلس النواب.
ووصف فيلدرز نتيجة الاستفتاء السويسري بانها "رائعة"، وقال ان حزبه سيطالب الحكومة الهولندية بالعمل على اتاحة تنظيم استفتاء مماثل. ولا ينص الدستور الهولندي على تنظيم استفتاءات.
وفي ايطاليا حيا العديد من السياسيين نتيجة الاستفتاء من بينهم وزيران في رابطة الشمال الشعبوية المنضوية في حكومة سيلفيو برلوسكوني وعدد من نواب اليمين. حتى ان نائب وزير البنى التحتية والنقل روبرتو كاستيلي قال "للاسف نحن نواجه هجوما قوية يستهدف هويتنا من جانب دين غير متسامح مثل الاسلام". واقترح بالتالي ان تضيف ايطاليا صليبا على علمها الوطني.
في المقابل صرحت وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي-راي مساء الاثنين انها استقبلت في برن سفراء الدول الاسلامية ل"تشرح" لهم نتائج استفتاء الاحد حول حظر بناء المآذن في سويسرا.
وقالت الوزيرة لاذاعة ار تيه ال الفرنسية "نسعى لتوضيح الوضع بشأن نتائج التصويت خاصة في الدول العربية والاسلامية. وقد التقيت سفراء الدول المعنية (...) المعتمدين في برن بعد الظهر".واضافت "لدينا مصالح مشتركة" داعية الى "تعزيز الحوار بين مختلف الطوائف الدينية" في سويسرا البلد "المتعدد الثقافات".
وفي تركيا اعتبر وزير الثقافة التركي ارطغرل غوناي الاثنين منع بناء المآذن في سويسرا "انتهاكا لحرية المعتقد" بعد الاستفتاء الذي نظم الاحد.
وقال الوزير في تصريح نقلته وكالة انباء الاناضول ان "مثل هذا الاستفتاء غير المتماشي مع العصر ما كان ينبغي ان ينظم في ايامنا هذه. انه انتهاك لحرية المعتقد".
واضاف ان "سويسرا في قلب اوروبا ولكن يبدو انها لم تتبن القيم الاوروبية"، معتبرا انه قد يتم اتخاذ تدابير "سياسية وتجارية" في غير مصلحة هذا البلد بعد نتيجة الاستفتاء التي ستصبح جزءا من القانون، والتي قال انها "غريبة على عصرنا".