القاعة ممتلئة في الجلسات التي يديرها الدكتور ياسين سعيد نعمان، وهناك عشرات المشاركين، أغلبهم من أعضاء البرلمان، خارج القاعة. الوجوه الجديدة، خصوصاً المرأة والشباب، في مؤتمر الحوار الوطني، هي الأكثر انضباطاً، وينزل الفنان القدير محمد محسن عطروش، في المنطقة الوسط، المواجهة لمنصة هيئة الرئاسة؛ هادئاً وثابتاً في مكانه، لا يتحرك. وعطروش ذا القامة القصيرة، والصوت الدقيق، الذي غنّى للهوية الوطنية والكرامة، منذ نصف قرن، أكثر الحريصين على نجاح هذا المؤتمر المصيري: مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
من مقعده هذا، يتابع محمد محسن عطروش وقائع الجلسات بانتباه، ولم يطلب الكلمة، حتى مرّة واحدة. إنه فقط يتابع الجيل الجديد وهو يتحدث ويبتهج.
يبدو عطروش مهموما ولا يعجبه الحديث في الطارود، رغم أنه يصافحك بودٍ، ويختط طريقه وسط الزحمة كأي رجل، قصير، مرهق، ويبتسم، إنما ابتسامة أب، عزيز النفس، يخطو بعجالة، نحو دورة المياه.
في «الطارود»، وفي البهو الجانبي الغربي لفندق الموفمبيك المطل على صنعاء، تدور نقاشات وحوارات ثنائية، ويتبادل المشاركون النقاش والنكات على بعضهم، وهناك يرتشفون السيجارة؛ صادق الأحمر، صلاح الدكاك، نبيلة الزبير، محمد الشايف، أمل الباشا، منصور الزنداني، وشباب يلتقطون الصور.
شيوخ قبليون يتخلون عن الجنابي والسلاح ويدخلون القاعة كبقية المشاركين، وأمل باشا تأتي بصحيح البخاري إلى قاعة الحوار وعبّر الدكتور محمد عبدالمجيد قباطي عن ارتياحه لأجواء مؤتمر الحوار الوطني، قائلا: «نرى هنا اليوم داخل مؤتمر الحوار مشايخ قبليين يرتدون البدلات، وتخلوا عن الجنبية وعن السلاح وعن المرافقين، وصاروا يستقلون الحافلات كبقية أعضاء المؤتمر، وهذا مظهر جميل جدا، لكن الموضوع الأساسي في هذا الجانب ليس فقط المظاهر في قاعة المؤتمر بل ما سيطبّق على أرض الواقع».
من يوم لآخر، والجليد يذوب بين المشاركين، ذوي الطبائع والأفكار المتقاطعة والخصومات، فأمل باشا مثلا تخوض جدالاً مع خطباء، في قضايا فقهية، وجاءت قبل أيام بصحيح البخاري لإثبات مسألة أنكر أحدهم وجودها، واتضح أن أمل مثقفة في أصول الفقه، وتسوق أدلة وبراهين دينية لتُثبت أو تنفي أموراً كثيرة.
اللقاء الأهم، والذي يترقبه الناس، هو الذي جمع الشيخ صغير عزيز بخصومه؛ الحوثيون من جهة وأولاد الشيخ الأحمر من جهة أخرى.
وفي الصورة يظهر بن عزيز والشيخ صالح هبرة -رئيس كتلة أنصار الله (الحوثيين)- وهما يتحدثان إلى بعض لأول مرة، حيث التقيا فجأة في الصالة الرئيسية وبدون موعد. وكان بن عزيز التقى الشيخ صادق الأحمر وأخيه حمير قبل أيام، وقال أحد المشاركين أنهم تصافحوا ولم يحصل شيء.
يجلس السلفيون وإلى جوارهم الشيخ محمد علي عجلان والقاضي أحمد عقبات، وزير العدل الأسبق، في منطقة واحدة؛ على يمين القاعة. هل هي صدفة؟! وبينهم اصلاحيون، ومؤتمريون ومستقلون، بينما يتوزع الشباب في كل أرجاء القاعة.
يجلس السلفيون والقاضي عقبات والإصلاحي عجلان في مربع واحد وإلى جوارهم تجلس 3 نساء من عدن وشيوخ قبليون من مراد وخولان الطيال الصورة الأوسع والأكبر هي أن الجميع يتفاهم، كما أن شيوخ القبائل مجردون من السلاح والمرافقين.
ليس هناك مقاعد مُخصصة للكبار ولا وقتا إضافيا لأحد، وفي الطارود يوجد «شاهي» للجميع. ولئن نهض أحدهم من مقعده لآخر، كالشيخ ناجي الشايف أو غيره، فتقديراً لفارق السن. وقال شيخ كبير من خولان: «يا ملك الله، لو يمشي الناس هكذا في اليمن بدون سلاح».
الحرص على نقل الأجواء الإيجابية لمؤتمر الحوار، لا يعني عدم وجود مشاهد سلبية، فالأخطاء كثيرة والناس تتحدث كل يوم. وفي الساعة الأخيرة، قبل العصر بقليل، يتزاحمون «بجنون» من أجل الوصول إلى حافظة الدوام.
الصوت الأقوى، داخل أروقة الحوار الوطني، هو صوت القضية الجنوبية، وعندما اعتلى القيادي البارز محمد علي أحمد المنصّة، يوم السبت، طالباً الحديث، هدأت القاعة وأنصت الجميع باهتمام شديد وترقب لما سيقوله رجل الجنوب القوي.
يتحدث محمد علي أحمد كما تتحدث «دثينة»، وعندما يمشي تتقافز الكاميرات أمامه، والناس تهب لمصافحته. محافظ أبين الأشهر يمثل أحد أهم الشخصيات التي يحدق فيها معظم المشاركين. كما أن الرجل يُصافح الشماليين بودٍ، وينصت إلى محدِّثه باهتمام، وأحياناً يعلّق –مازحاً- كسياسي رزين صقلته الأيام، أو كشيخ احترف السياسة مبكراً.
تقدم الصحفية شذى الحرازي عرضاً مشرفاً للشباب وللمرأة اليمنية الصاعدة، بروح إيجابية وتفكير عصري، قادر على صناعة الأفكار. وشذى الحرازي، الصحفية التي تكتب تقاريرها باللغة الانجليزية، حازت في يوليو الفائت جائزة القيادات العالمية ضمن تسع نساء عالميات، من مؤسسة «فايتل فويسر» الدولية، التابعة لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون.. وعندما طلبت الزميلة شذى الحرازي، يوم الأحد، الكلمة؛ قالت كلاماً مُهماً. اختطت طريقها إلى المنصة، وكانت شُجاعة وعملية، وهي تتحدّث من على منبر الحوار إلى القاعة، وقدمت أفكاراّ ومقترحات بناءّة.
قالت شذى: «قدم الكثير اعتراضاتهم، على تبدل الاختيارات في قوائم اللجان، ومنذ أمس والمداخلات تدور في هذا الاتجاه، وحتى لا نهدر الوقت، يجب أن ندخل في الجانب العملي مباشرة ونسأل: ما مصير هذه الاعتراضات؟».
وطالبت بأن «تُحصر انتخابات رؤساء فرق العمل على المكوِّنات التي غيّبت من هيئة الرئاسة، وألاّ تتكرر مكوِّنات هيئة الرئاسة في رئاسة الفرق، لضمان التوازن في لجنة التوفيق». كانت شذى الحرازي تتحدث بدون ورقة والقاعة تستمع إليها بتركيز، وقالت: «نحن نعتقد بأن الموضوع الأهم الذي يجب أن نشدد عليه هو أن تتشكل اللجان وفرق العمل التسع المختصة، وتتحدد اختيارات المشاركين فيها وفقاً للتخصص والخبرة وليس طبقاً للرغبات الشخصية». وطالبت شذى الأمانة العامة بأن تنشر السير الذاتية للمشاركين، ولأعضاء اللجان «حتى يتعرّف المشاركون على مستويات بعضهم، ويتم التوزيع وفقاّ لهذه الشروط الموضوعية». وتساءلت: «ما هو المعيار الذي تم الاعتماد عليه في توزيع أعضاء اللجان؟». وصارحت المشاركين وهي آسفة، وهم يصفقون لها: «مشكلتنا الفوضى يا جماعة، وهذه الفوضى سببها غياب الكفاءة والتكنوقراط». وأضافت ساخرة، من بعض المداخلات السخيفة، لأعضاء المؤتمر: «أيش هذا! تتحدثون إلى الشعب على الهواء مباشرة، بهذه الخفة والتسطيح، وهناك من يصعد ليقول أتيت مسطول أمس، وآخر يطلب الكلمة ليعيد الكلام نفسه، الذي يكرره طوال الأسبوع، من نفس المكان»!
وكان أحد المشاركين، وهو عضو مجلس نواب، قال يوم أمس في مداخلته إنه جاء يوم السبت إلى القاعة وكان مسطولاً؛ لأنه خزّن يوم الجمعة، ولم يستوعب ولم يركز على كلمة الرئيس ومداخلات الأعضاء إلا عندما عاد إلى البيت وارتاح وتابع وقائع الجلسة من التلفزيون!!