لا نُمنح غير الذعر، حتى عندما تساق الفوضى إلى الهدوء، ويسكن الضجيج، تؤول حياكة المزح الناسفة إلى من يخشون الحقيقة التي تستدرج اللصيقين بها إلى مربعات الفضيحة.. في سيكولوجيا المفضوحين، يحاول المترنح إلى وحل التلاشي أن يلملم بغضه من كل جانب، تنمو بداخله نوازع الجريمة معززة بدوافع الانتقام، ترعبه الأحرف المتناثرة حول اسمه أو جهته، يخاف من الحقائق المكتوبة بحياد، ينسج الخطة جيداً لينسف.
عبوة ناسفة أمام صحيفة "المصدر"، كان من المُمكن أن يكون فريقاً كاملاً ضحايا العبوة، سنكتفي بحزمة بيانات تدين الحادثة الإجرامية، فيما قد يكون الجاني الأجمل صياغةً لبيانه.
يا الله، لم تذهب الرجفة منّي وأنا بعيد، كيف بهم!؟
قبل أسابيع، امتشق نائب رئيس التحرير علي الفقيه قلمه، وكتب: «علموهم أن الكاميرات أقوى من البنادق»، كان ينافح عن محرر تعرّض للضرب من قبل جنود الأمن المركزي، ويحفزنا جميعاً لأن نقول ونكتب.
نقبت في ذاكرتي عن صحف تعرّضت للحصار والهجوم والحريق، أو أي شيء مُماثل لما حدث ل "المصدر"، لكنّي أصبت بخيبة أمل، على طريقة ماريو بارغاس يوسا في رسائله إلى روائي شاب: "من يحاول أن يجعل الحياة مثلما تظهر في التخيل فإن النتيجة تكون مأساوية، يدفع الثمن عادةً، خيبات أمل رهيبة".
كنت منهمكاً مع يوسا لأطابق ما كتبته مع رسائله، وبعد ذيوع فكفكة العبوة الناسفة من أمام مدخل صحيفة "المصدر"، نسختُ الجملة الآنفة، وكتبت تحتها: "ومن يحاول أن يجعل الحياة كما تبدو في الحقيقة، يدفع الثمن غالياً، عبوات ناسفة رهيبة".
مازلت مذعورًا، وفي مخيلتي صورٌ متعددة، العراقي الجميل حاتم الصكر كتب يوماً عن صندوق الصور، المتصلة باختفاء ابنه في 2006 وحتى اليوم. الصور تحرك كوامن الخوف على الأصدقاء، والشوق للمفقودين، تحرك الحنين المترسب في كوامن هادئة.
في مسمعي، التنغيم الصوتي لسمير جبران عندما يتحدث، أو يطرح فكرة، أو يناقش رأياً، دقة علي الفقيه وتعديلاته على المعلومات المنشورة في الصحف، تعليقات عبد الحكيم هلال، وابتسامته الدائمة، علي الضبيبي وحديثه عن الشخصيات الكبيرة في البلد بشكل لا يختلف عمّا يكتبه في التقارير، رسالة معمر الفهد في صندوق الفيس بوك، طلال الشبيبي وملاحظاته حول كتابات "الناشطين والناشطات".
تذكرت ياسر العرامي مع أنه في أمريكا، خالد عبد الهادي وسماعته البيضاء التي تهرب صوت مارسيل خليفة إلينا، محمد صالح الجرادي..
تزداد رجفتي، كلما لمحت صور من يقاربوني في السن في صحيفة "المصدر" وموقع "المصدر أون لاين"، لكنة أحمد الولي الخاصة، يوسف عجلان والدباب الدب، يوسف قاضي وهدوءه، نظارة شادي ياسين وضحكته، قبل يومين رأيت إعلاناً في الصفحة الأولى من "المصدر"، عن العيون، طفل لا يبدو ببنية مكتملة، شعر سلس ونظارة بديعة، شبهته من بعيد بشادي، قلت سأمازحه إن كانت تلك صورته طفلاً، لكنني أجلت المزاح الضاحك إلى حين انتهاء المزاح الناسف.
كارثة مكتملة الأركان كانت ستحدث، نحمد الله على سلامة الجميع، ولكن ما الذي ستفعله الدولة للحيلولة دون تكرار زراعة العبوات الناسفة!؟
ترعبني حكاية نوعية العبوة، وأن الاستخبارات العسكرية هي الجهة التي تستخدمها!!