تواصل الفوضى تسيدها أجواء الجلسات العامة النصفية لمؤتمر الحوار الوطني.. جُهد رئيس جلسة يوم الأحد - نائب رئيس المؤتمر، الدكتور ياسين سعيد نعمان، ضبط انفلات القاعة.. ولما لم يفلح، آثر الضغط على نفسه لكبح نزعته الانفعالية أمام حالة الفوضى الطاغية.. وذلك ما كشف غير مرّة كان المتحدثون من الأعضاء يطالبون زملاءهم بالإنصات، فيقاطعهم «استمر.. استمر.. ما يسمعوش». عرضت رئيسة فريق عمل الحقوق والحُريات، أروى عبده عثمان، تقرير الفريق، وفي تراتبية متصاعدة احتجت عثمان على فوضى القاعة.. في المرة الأولى مع افتتاح عرضها التقرير، قالت: «في ضجة وإلا يتخيل لي، كيف تشوفوا؟»، ردوا عليها بأن الصوت ضعيف، فتم رفعه من قبل الكنترول.. ما هي إلا لحظات حتى أعادت بحدة «كذا مينفعش.. إما تتكلموا انتم وإلا أنا.. كيف تشوفوا؟»، وساندها الدكتور نعمان «ما يصلحش كذا، حُرية الكلام متاحة خارج القاعة، لو سمحتم»..
استمرت أروى في عرض التقرير، لكنها اعترضت على الفوضى للمرة الثالثة، وخاطبت مجموعة من الأعضاء يتكدسون في أحد جوانب القاعة: «يا جماعة، اللي بالمعسكر هذا، لو سمحتم»، ومرة أخرى عقّب عليها الدكتور ياسين: «في ثلاث برزات (أو فرزات).. برزة في هذي الجهة (على يمينه)، وبرزة في الوسط، وبرزة في الجهة الثانية.. أصحاب البرزات يتوقفوا وإلا بذكرهم بالاسم».. هو الاسم الذي يبدو أنه لن يكون مجدياً ذكره أو مغيراً في حال الفوضى شيئاً حتى لو ذُكر، كما حصل في مشاهد تالية.
أروى عثمان طالبت بالهدوء ثلاث مرات وفي المرة الرابعة قالت «ودعتكم الله.. المؤتمر تحول إلى سوق.. بغّرتوا بي» في المرة الرابعة، رتبت أوراقها (أروى وعثمان) وقالت: «ودعتكم الله.. واعتذر عن إكمال قراءة التقرير، المؤتمر تحول إلى سوق».. ضغط عليها الدكتور ياسين للعودة، وقال لها: «إحنا على الهواء، واصلي يا أروى، ما يصلحش»، وطالب القاعة بالصمت، ومع عودتها مجدداً لمتابعة التقرير صفق لها الأعضاء فخاطبتهم: «مشتيش تصفيق.. بغرتوا بي».. وأضاف الدكتور ياسين: «واصلي بس، اللي يصفقوا هم اللي ما يسمعوش أصلاً».
أنهت أروى عرض تقريرها، قاطعها الدكتور نعمان في مستهله، متيحاً نقطة نظام لعضو المؤتمر المحامية نبيلة المفتي، جددت فيها تأكيد اعتراضٍ سابق قدّمته، الأربعاء، على إحلال بدلاء لنواب رئاسة المؤتمر، فالدكتور يحيى الشعيبي يحل بديلاً عن الدكتور عبدالكريم الإرياني، ومحمد قحطان بديلاً عن عبدالوهاب الآنسي.. ترى المفتي أن هذا الأمر مخالف للنظام الداخلي للمؤتمر وتطالب بإعادة تسمية البدلاء أو تشكيل هيئة رئاسة، فرد عليها الدكتور ياسين: «كنت بتنتظري ثلاثة أيام وتطلبي تغييرنا كلنا».
بعد عرض التقرير، تقدّمت الدكتورة ألفت الدبعي بنقطة نظام، أعادت فيها التأكيد على اعتراض نبيلة المفتي، وواصلت حديثها، عن أوضاع الكهرباء ومعاناة الناس في عدن من انقطاعها، وطالبت المؤتمر باستدعاء وزير الكهرباء ومساءلته، دونما اكتراث باعتراض رئيس الجلسة باعتبارها خاضت في رأي بعيد عن محور نقاش الجلسة.. وبعد انتهاء مداخلتها بدا نعمان منزعجاً من نقاط النظام، التي لا تلتزم بجوهر نقطة النظام، وأكد: «خلاص.. ما فيش نقاط نظام»، رغم انه أتاحها مجدداً بعد ذلك.
وطالب الدكتور ياسين المعترضين على إحلال بدلاء في هيئة رئاسة المؤتمر بتوقيع رسالة ومخاطبة رئيس المؤتمر حول هذا الموضوع، وأقر بأن الأمر للقاعة.
عضو في المؤتمر، ينحدر من عدن، تحدث منتقداً التقرير، لجهة تخصيصه نسباً للنساء والمهمّشين، وفئات أخرى، مشيراً إلى أن المواقع ستتحول إلى محاصصة فئوية «وكملنا»، ولن يتبقى للآخرين شيء، وتطرق إلى تجارب إدارية في عدن يطغى عليها تواجد النساء، واقترح أن تكون النسبة إذا ما قررت للمرأة بعشرة في المائة. تخللت مداخلته ضجة واسعة من عضوات المؤتمر، ونقاط نظام مرفوعة رفضها الدكتور ياسين لإدراكه أنها رد على رأي المتحدث.
نعمان يطالب القاعة برفع مذكرة للرئيس لمطالبته بتقرير مصير بدلاء نوابه في رئاسة المؤتمر ورغم أنهن أكثر التزاماً في الجلسات، غدا المكون النسائي، أمس، جزءاً من حالة الفوضى لمجرد رأي مخالف.. اعترضن بصوت نسوي صاخب على المراجعة في نسبة «الكوتا»، ولا يرغبن في سماع رأي آخر أو جدل حول النسبة، وتبيّن أن فائقة السيد تتصدّر حالة الفوضى تلك، وكرر رئيس الجلسة اسمها مراراً، لدى مطالبته بهدوء الضجة النسوية المتعالية.
عاودت الجلسة أعمالها عند الحادية عشرة والنصف بعد استراحة استغرقت نصف ساعة تقريباً، وكان موعد العودة بعد الاستراحة دقيقاً للغاية، وواصل المتحدثون الإدلاء بملاحظاتهم دون أن تتغير حالة الفوضى، مع اختلاف بسيط، أن الدكتور ياسين سعيد نعمان قرر التخلي عن محاولاته ضبط فوضى الأعضاء، لا يسنده في ذلك سوى التعويل على ما يحظى به الرجل من احترام وتقدير الأغلبية العظمى من أعضاء المؤتمر، إن لم يكن جميعهم، لكن نزعة الفوضى تفوّقت على الاحترام اللحظي الذي يبديه الأعضاء لطلبات ومناشدات الدكتور ياسين.
تركت القاعة لضميرها، الذي واصل غيابه، فكانت فوضى طاغية، حاول بعض المتحدثين شحذ إنصات واهتمام القاعة لمداخلاتهم، دون جدوى، بل إن رئيس الجلسة أصبح يطلب منهم الحديث لأن الجماعة «ما يسمعوش»، مبدياً تذمّره من فوضى وانفلات الأعضاء على الهواء وعلى مرأى ومسمع متابعيهم المؤملين فيهم مستقبلاً مختلفاً للبلاد.
رفعت الجلسة عند الواحدة ظهراً تقريباً، وهو الإجراء الذي يبدو أن رئيس الجلسة كان يستعجل موعده، إذ لم يعد هناك جدوى من استمرارها.
وفي ظل هذه الصورة المشوّهة، التي ظهر بها مؤتمر الحوار الوطني، لا تبدو الجلسة أكثر من «بانوراما» هزلية منفلتة، عصية على الانضباط.. وهذا الانضباط منوط بلجنة تضمّنها النظام الداخلي للمؤتمر تضم 7 شخصيات قضائية وإدارية محايدة، تتولّى البت في مدى التزام بالضوابط والتغيّب المستمر، والنظر في شكاوى الأعضاء، وما يتصل بأعمال المؤتمر، وتقرير الإجراءات المناسبة.
لكن اللجنة لا تبدو في وضع يؤهلها للقيام بعملها، خصوصاً في ظل ما يتردد عن تهميشها، وتتردد أنباء عن تذمر كبير يبديه أعضاؤها من تهميش المعنيين في المؤتمر لمهامها ومستحقات أعضائها.. كذلك غابت تلويحات رئاسة المؤتمر بإحالة غير المنضبطين إلى اللجنة، كما كان الحال في الجلسات الأولى.
يبدو استمرار الجلسات العامة في ظل هذه الفوضى ضرباً من العبث والتشويه للمؤتمر، ومع كل يوم يمر تزداد أوضاع المؤتمر انفلاتاً وفوضى، وهو الأمر الذي يتطلب تفعيل آليات حازمة وضبط إيقاع المؤتمر بحد لا يفقد ثقة الناس في أعضائه الذين ظهروا بصورة تهز التفاؤل بإمكانية نجاحه وخروجه بقرارات مختلفة تلبِّي تطلعات اليمنيين.