نشر الموقع الرسمي لمؤتمر الحوار الوطني حواراً مع الدكتور عبدالباري دغيش رئيس فريق العدالة الانتقالية في مؤتمر الحوار والذي تحدث عن الصعوبات التي يواجهه الفريق والتقرير الذي أنجزه خلال الفترة الماضية. وفيما يلي نص الحوار الذي أجراه مجيد الضبابي: بداية دكتور دعنا نتحدث عن فريق العدالة الانتقالية من حيث المهام والعمل؟ طبعا الفريق حسب دليل مؤتمر الحوار الوطني الشامل مكون من 80 عضواً من مختلف المكونات المشاركة في مؤتمر الحوار سواء المكونات السياسية أو الحزبية أو المنظمات الجماهرية وكذلك نساء وشباب ومنظمات مجتمع مدني ومن قائمة الرئيس ايضا التي شملت أعضاء من مختلف المكونات.
أما فيما يتعلق بعمل الفريق خلال الفترة الماضية والتي تجاوزت الشهرين والنصف، عمل الفريق بدايةُ على وضع خطة عامة للفريق، وحددنا في هذه الخطة الأهداف التي نريد الوصول إليها، من خلال عمل الفريق بمختلف مجموعاته.. الفريق اسمه فريق قضايا ذات بعد وطني والمصالحة الوطني والعدالة الانتقالية.
في القضايا ذات البعد الوطني هناك مشكلة النازحين وسبل معالجاتها وأيضا مسألة الأموال المنهوبة واستردادها في الداخل والخارج، بسبب سوء استخدام السلطة وكذلك، مشكلة مكافحة الإرهاب فيما يتعلق بمحور العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وحددت انتهاكات حقوق الانسان خلال عام 2011 وكذلك الصراعات السياسية السابقة والانتهاكات المرتبطة بهذه الصراعات وكذلك قضايا الاخفاء القسري.
اضطررنا طبعا أن نفتح ضمن انتهاكات حقوق الإنسان خلال 2011 التي رافقت الثورة الشبابية الشعبية السلمية، وانتهاكات حقوق الانسان التي حدثت منذ بدء الحراك الجنوبي 2007 وبالتالي عمليا كانت هناك سبعة تقارير لسبع مجموعات فرعية ضمن فريق قضايا ذات بعد وطني والمصالحة والوطنية والعدالة الانتقالية. مع ان هناك كانت مقترحات بإعادة تسمية الفريق بفريق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وقضايا ذات بعد وطني، ولكن هكذا حدد في مؤتمر الحوار الوطني.
- بعد ان حُددتْ هذه الأهداف هل تمكن الفريق من انجاز مهامه خلال النصف الأول من مؤتمر الحوار الوطني؟ بالتأكيد انا راض عن الأمور التي وصلنا اليها، ولكن دعني في البداية أؤكد اننا لسنا جهة مخولة بإصدار التشريعات ولسنا جهة قضائية ولا جهة تقصي حقائق أو تحقيق.. نحن فريق سياسي من مختلف المكونات، معني بوضع المحددات والخطوط العريضة التي يمكن أن تنبثق عنها مواد في الدستور اليمني القادم الجديد، وأيضا يمكن أن تبثق عن هذه المحددات مشاريع قوانين لمعالجة مختلف المشاكل، وكذلك استراتيجية وطنية لمعالجة مختلف القضايا.
- في بداية مؤتمر الحوار الوطني كان هناك نوع من عدم الثقة بين القوى المشاركة في الحوار الوطني، الأمر الذي جعل التقارب بينهما صعبا نوعا ما.. فريق العدالة الانتقالية لم يكن في معزل عن هذا، كان يحدث نوع من الصراع والجدل بين الأعضاء يصل بعض الاحيان إلى تعليق الجلسة.. ما هي أبرز المعوقات التي واجهت الفريق، وكيف تعاملتم معها؟ بالتأكيد في بداية الأمر كان الأعضاء قادمين وهم يرتدون قبعات مكوناتهم لكن شيئا فشيا بدأ الناس يلبسوا قبعة مشتركة، وبدأوا يتوصلون إلى القواسم المشتركة التي جئنا أساسا للبحث عنها.
البحث في العدالة الانتقالية موضوع في غاية الاحساسية لأنه يتعلق بالماضي وبصراعات الماضي، ومآسي والماضي والتي للأسف مازالت تمتد أيضا إلى يومنا، ومازالت هناك انتهاكات ومازالت هناك سرعة في الاحتكام للعنف وميل لممارسة القتل، بغض النظر أي مكون لكن للأسف الشديد هذه ثقافة موجودة.. المهم كيف نستطيع تجاوز هذه الثقافة، ثقافة الإلغاء والإقصاء وثقافة رفض الآخر وثقافة العنف، والقتل؟.. كيف يمكننا أن نعمل على رفع سعة النفسية في مسألة تقبل الآخر والقدرة على محاورة الآخر؟
طبعا واجهنا صعوبات في البداية لكن مع التقدم بالعمل مع الجلسات بدأنا نجد لغة مشتركة.
- ما نوع هذه الصعوبات دكتور؟ أنا أعتقد أن كثير منا أكيد محملا بأعباء الماضي، البعض مثلا كان يقول لماذا تبحث انتهاكات 2011 لماذا لا يتم بحث انتهاكات 2007 في المحافظات الجنوبية وهذه لم تكن أساسا ضمن دليل مؤتمر الحوار الوطني وبالتالي كانت هذه واحدة من الصعوبات التي وجهتنا في البداية، واضطررنا طبعا لأن نجتهد في الفريق وبالتالي أي حاجة تجسد المصلحة الوطنية وتجمع الناس في اتجاه الوفاق أتينا بها.
وايضا هناك من قال لماذا لا تبحث المشكلة من سنة 2004 على اعتبار أن حروب صعدة الستة كانت في 2004، نحن في كل الأحوال ندين عملية القتل من أي جهة كانت، العنف من أي كان، هذا مبدأ كلي لا يمكن تجزئته، نحن مع احترام حقوق الإنسان وبالتالي نجسد هذه الكلية، هذا المبدأ الكلي الذي لا يتجزأ هو احترام حياة الانسان، وحق الانسان في الحياة الهدف الاول في حقوق الانسان الأساسية وكذلك في الشريعة الاسلامية، ومقاصد الشريعة الاسلامية حماية النفس البشرية.
- لا شك أن المواطن كان يتطلع إلى مشاهدة النقاشات والحوارات داخل الفريق، ولكن شئتم أن تكون هذه الجلسات مغلقة، هل بالإمكان أن تذكر لنا كيف كان يجري العمل داخل الفريق؟ طبعا كان هناك جهد كبير بذل من قبل الفريق، ثمانون يوماً ونحن في نقاش، حوار، جلسات استماع وكانت هناك زيارات ميدانية كذلك، لكن وللأسف الشديد الناس مازالوا حتى بعض اعضاء الفريق يطرحون قضايا أساسا لم تكن في صلب أعمال الفريق، مهمة الفريق أساسا كانت كيف يصل إلى محددات يمكن أن تنبثق عنها مواد في الدستور، لكن نحن لسنا معنيين بأن نحل محل السلطة التنفيذية، والحكومة ومحل السلطة القضائية أو محل الأجهزة الأمنية، ولا حتى محل اللجان التي يمكن أن تتشكل وفقا للمحددات القانونية التي سيخرج منها مؤتمر الحوار الوطني مثلا.
- ماذا عن قضايا استرداد الأموال المنهوبة وكيف تم التوصيف لها من قبل الفريق؟ قضية استرداد الاموال المنهوبة بالداخل والخارج بسبب سوء استخدام السلطة هذه قضايا يمكن يستغرق العمل فيها عقد من الزمن من خمس إلى عشر سنين، وبالتالي لا يمكن لمؤتمر الحوار الوطني ولا لأعضائه في المجموعة أن ينهوا هذه المشاكل، لكن ممكن لمؤتمر الحوار الوطني ولفريق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية أن يضعوا المحددات من أجل أن يتم تشكيل لجنة مستقلة حكومية تُعني باسترداد الاموال المنهوبة وفقا للقانون، هكذا مثلا.
- هل اتفق الفريق على قضايا معينة للبحث عنها وسبل معالجتها، أو على تاريخ معين مثلا يمكن بدء المعالجات منه؟ نحن نقول بأن هذا الموضوع مفتوح، أي طالما هناك قضايا يمكن بحثها، وطالما هناك انتهاكات مست حقوق الإنسان يجب أن تبحث ولم لا؟ يمكن بحث اي قضايا مازالت آثارها قائمة وبالتالي كان مطروح على أن نبحث عن أي انتهاكات حصلت منذ عام 62 أو 67 في الشمال والجنوب مرورا حتى اللحظة الراهنة، ربما يعني، كثير من المسائل هذه تكون صعبة
- ما وجه الصعوبة فيها؟ وجه الصعوبة مثلا أنه لا يمكن لواحد أن يفكر مثلا بالتعويض، لأنه تحتاج أنت إلي موازنات هائلة لا تطيقها مؤسسات الدولة اليمنية وبالتالي ممكن في هذا الموضوع تحال هذه القضية إلي اللجنة التي ستنبثق عن قانون العدالة الانتقالية المعنية بالإنصاف والمصالحة، كيف يمكن أن نعوض هؤلاء وأن يجبر ضررهم، جبر ضرر معنوي على الاقل، إعادة صياغة التاريخ؟ لأنه تم ظلم بعض الناس تاريخيا، غمط أدوارهم النضالية وبالتالي يمكن تخليد ذكراهم، هؤلاء كانت لهم موقف وبالتالي كشف الحقيقة هنا له أهمية معنوية وأهمية في منع التكرار لأنه عندما نتحدث الآن عن إعادة كتابة التاريخ للأسف الشديد كان التاريخ يكتبه المنتصر وبالتالي سبب أساسي في أنه منْ يأتي إلى السلطة كان يعول دائما على منطق القوة، ومنطق الغلبة هذا المنطق لا يمكن له الاستمرار لأن دوام الحال من المحال.. القوى اليوم ربما يصير غدا ضعيف وبالتالي، إذا أرسيت قيم تعتمد على أساس قبول الآخر وثقافة التسامح وثقافة التعايش وقبول الآخر المختلف كما هو وليس كما نتمناه نحن، هذه القضايا هي قضايا أساسية يمكن نستفيد من الماضي لكن لانحبس أنفسنا في هذا الماضي بل بالعكس نأخذ العبرة من هذا الماضي من أجل الانطلاق إلى المستقبل.
- إلى أين وصلتم في تقريركم النهائي؟ وصلنا واتفقنا وكان في توافق من قبل الفريق ب39 قراراً وتوصية ومبدأ، وهذه تشمل مختلف الجوانب فيما يخص العدالة الانتقالية وقضايا ذات البعد الوطني والمصالحة الوطنية ومعالجة جراح الماضي بكامل الشفافية وتخليد الذاكرة الوطنية وكشف الحقيقة، والاعتذار من الجهات المعنية، وأقول إن النقاط العشرين ستحل جزء كبير جدا من قضايا العدالة الانتقالية ولذلك نحن أكدنا على مسألة تنفيذها.
- هل وقع جميع الأعضاء على تقريركم الذي تم عرضه أم أن هناك تحفظات من قبل البعض؟ حقيقة كان هناك تحفظ غير مبرر من قبل زملاءنا في الحراك وانصار الله (الحوثيين)، لأن القضايا التي حاولوا أن يصروا عليها لم تكن مبرره وليست جوهرية كذلك، على سبيل المثال إدانة الفتاوى التكفيرية التي حصلت، في موضوع كهذا أولا يتم رفع دعاوي ضد من يعتقد أنه أطلق الفتاوى التكفيرية وعندما يحكم القضاء نحن ندين، عندما نتعامل مع قضايا حقوقية أو قضايا قانونية يجب أن تكون مثبته، وتعني مثبته أن يكن فيه حكم قضائي بات، ومثال آخر كان البعض يقول أن هناك فتاوي تكفيرية يجب الاعتذار عليها، مع أنه في الأساس كان يجب أولا أن نلجأ إلى القضاء، ونطالب بمحاكمة المعنيين وعندما يتم إدانتهم مثلا يمكن التعويض أو السجن أو يحاكم وتطلق عليه أحكام، أنا اتكلم في هذا الموضوع تحديدا من منطلق قانوني، نحن بصدد مناقشة قانون خاص بالعدالة الانتقالية، لذلك المسألة مش مسألة كيد سياسي وتسجيل هدف في مرمى الخصم.. لا، الموضوع بالفعل محتاج إلى دقة متناهية.