يقضي ماجد -الطفل الذي لم يبلغ العاشرة من عمره- كل نهاره في جولة الجامعة يتسول من يراهم طيبين حسب قوله. فماجد لم يحظَ بفرصة الالتحاق بالتعليم مثل الآلاف من أمثاله في عموم الجمهورية لظروف أسرية، حيث يجبرهم آباؤهم على مغادرة الدراسة، ويوجهونهم للانخراط في مثل هذه الأعمال التي تسيء لحق الطفولة "عهد الإنسان المبارك" حسب الأديب حبيب السروري. ماجد لم يعد يحلم إلا بأن يعيش بغض النظر عن طريقة العيش. لم يكن يعلم أنه سيكون يوماً ما في عهدة هذه الجولة التي تذبح مستقبله. هكذا تبدو اليمن، وبالأخص صنعاء، مليئة بالقصص والحكايات المأساوية التي تجعلك تقرأ مستقبل البلد والمصير الذي تؤول إليه، فالشوارع والأزقة والجولات والجامعات والمطاعم والمستشفيات بل وكل شبر في صنعاء يقطن العشرات من المتسولين معظمهم من الأطفال والفتيات الصغيرات. حتى الجوامع كادت تتحول من أماكن للعبادة إلى أماكن للتسول، وهذه الظاهرة موجودة في كل محافظات الجمهورية. فما إن يسلم الإمام حتى يقوم الثلاثة والأربعة يكررون عبارات الاستجداء والاستعطاف بغية الحصول على بعض الريالات حتى يشعر المصلي أنه ليس في مسجد. ولا يدري الجميع حقيقة من يمارسون هذه الظاهرة التي ستكون نتائجها مأساوية على مستقبل البلد حسب أساتذة الاجتماع، خصوصاً أن معظم المتسولين هم من الأطفال والشباب الذين ينتظرهم المستقبل. فهذه الظاهرة لم تعد على المستوى المحلي بل يتم تصديرها إلى الخارج، فقد كشفت دراسة حديثة حول هذه الظاهرة الأسبوع الفائت -نشرتها الصحف السعودية- أن أكثر من 100 ألف طفل متسول يجوبون شوارع المملكة، وأن أغلبهم من اليمن يتم تهريبهم إلى المملكة للتسول والعمالة. وذكرت الدراسة أن حوالي 3500 طفل يمني يقبض عليهم شهرياً من قبل السلطات السعودية المختصة. وأرجع الدكتور العجمي صاحب الدراسة أن الافتقار إلى التعليم يعد من الأسباب الرئيسية التي تقف وراء هذه الظاهرة. وقالت عفاف الحيمي، رئيسة قسم علم الاجتماع في كلية الآداب بجامعة صنعاء: "إن الفقر في المجتمع، والسياسات الاقتصادية السيئة مثل نظام الخصخصة، أثرت على المجتمع الذي لم يكن مؤهلاً لهذه الأنظمة لأن معظم أفراد المجتمع معتمدون على الزراعة".. وقالت عفاف في حديثها ل"المصدر": إن ذلك أثّر سلباً على بعض فئات المجتمع" وصارت تتخذ هذه الظاهرة وسيلة تجني من خلالها الأموال، إضافة إلى افتقار المجتمع إلى أبسط الخدمات الأساسية في الأرياف مثل الصحة والكهرباء ما يجعلهم يهاجرون إلى المدن، وهنا يجدون أنفسهم غير قادرين على الإيفاء بتكاليف استئجار بيت في المدينة، وهذا يدفع أبناءهم إلى التسول". وتشير أستاذة الاجتماع إلى أن كثيراً من أفراد الشعب اليمني لا يرى غضاضة في ممارسة الأطفال لمثل هذه الظواهر، في ظل البطالة المتفشية وسوء الأحوال المادية التي تعيشها آلاف الأسر. وعن حكم الشرع في ظاهرة التسول أوضح الدكتور عادل الفقيه أستاذ أصول الفقه في جامعة صنعاء، أنه لا يجوز للمسلم أن يمتهن هذه الظاهرة، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من يقومون بهذه الظاهرة أن يأتي يوم القيامة ولحم وجهه يتساقط. وقد وصل الحد ببعض العلماء إلى أنهم يحرمون الصدقة على هؤلاء، بل من يريد أن يتصدق فليذهب إلى الفقراء إلى بيوتهم ويتصدق عليهم. والأيام قد كشفت أن من هؤلاء المتسولين من معه البيوت والأراضي وغيره من الممتلكات. وأشار الدكتور الفقيه إلى أن ذلك يعبر عن قلة وعي وفقدان قيم كانت متجذرة في مجتمعنا مثل الحياء والتعفف. وقال: على الدولة التصدي لهذه الظاهرة ومحاربتها وإيجاد الحلول الكفيلة للقضاء عليها، لأن استمرارها يعني أننا ننتج مجتمعاً كسيحاً عاجزاً عن النهوض أو مواجهة التحديات.