عادة الهزيمة تولد بلا أب بينما يكون عشرات الآباء للنصر، الحالة تختلف في نصر محافظة الضالع الجنوبية التي نجحت أخيراً في اسقاط لواء الجيش 33 مدرع لقائده عبدالله ضبعان، والذي كان يوالي الرئيس صالح ثم رفع اعلام الحوثي منذ يناير الماضي بعد انقلابه على الرئيس هادي. نصر حقيقي بعد اكثر من شهرين من اخبار النصر للمقاومة اليمنية ضد الحوثي يقابلها اخبار انتصارات حوثية على الحدود السعودية، كلها اخبار انتصارات هشة تعتمد على تكتيك الكر والفر في هكذا حروب تتسم بطابع العصابات بين اطراف غير منظمة ولا مدربة مثل المقاومة وتعتمد اساليب بسيطة وبدائية بالقتال مقابل قوات منظمة ومدربة.
الأمر مختلف على الحدود، فالسعودية قوات نظامية اكثر تسلحاً تواجه قوات اعتمدت حرب العصابات التي تناسب الجبال وتعوض فارق التسلح النوعي والعددي، لذا في كلا الحالتين الحرب لا تعتمد على المواجهة بل على الكر والفر.
المسألة هنا فيمن يستطيع الحفاظ على نصره وهذا يصب في صالح القوات النظامية لأنها تستطيع تنظيم قواتها دون أن تدب فيها الفوضى بعد النصر، حيث استحقاقات النصر مدمرة للقوات غير النظامية ودون قيادة ابسطها التصارع على توزيع الغنائم وكيفية ادارة المناطق الجديدة.
كذلك عامل آخر مهم على المدى البعيد وهو عامل صاحب الآرض والحاضنة الاجتماعية، فبعد المسافة الجغرافية وغياب تعاطف المجتمعات المحلية على المدى البعيد يستنزف القوات القادمة من خارج المكان ويضعفها.
كل ما قيل عن انتصارات المقاومة في اليمن أو الحوثي على حدود السعودية كانت عبارة عن انجازات تمحوها ساعات أو ربما أيام قليلة، هذا في أحسن الحالات إن لم تكن مفبركة بالأصل، لكن هناك نصر وحيد بدا حقيقي وقوي هو نصر محافظة الضالع في طرد الحوثيين لكنه لم يحظ بأي اهتمام كتلك الانتصارات الوهمية البسيطة التي يرددها الإعلام ليل نهار.
الضالع لم تكن أصلا مدينة يركز عليها الإعلام مثل عدن وتعز، وهي احد المحافظات الجنوبية سياسياً لكنها جغرافياً اقرب للشمال وفي وسط اليمن. مدينة الضالع هي قلب الحراك الجنوبي حيث ينتمي لها معظم ضباط الجيش الجنوبي قبل الوحدة، وكانت قضية تسريح جنود الجيش الجنوبي هي المحرك الأولى والأساسي للحراك الجنوبي الذي انطلقت شرارته في ديسمبر 2003 بإعلان جمعية الضباط المتقاعدين للمحافظات الجنوبية.
الضالع تحديداً كانت دون عن كل المحافظات الجنوبية تشهد احتكاكات مسلحة بين الحراك وقوات الجيش اليمني منذ وقت مبكر، والمدينة كانت دوماً تضرب بعنف من قبل الجيش اليمني سواء في عهد صالح أو عام ثورة 2011م أو اثناء عهد الرئيس هادي.
إذا كان سلوك صالح مفهوم في تعامله العنيف مع المدينة التي انطلق منها الحراك الجنوبي، فمن غير المفهوم إن الرئيس هادي الذي حاول يتقرب من الحراك الجنوبي لم يبادر بإقالة اللواء ضبعان الذي طالما اشتكى منه أهالي المحافظة لقمعه ودمويته.
هذا له علاقة بثأرات الجنوب، فالرئيس هادي يمثل في الجنوب محور أبين- شبوهمحافظات الجنوب الشرقية مقابل محور الضالع- لحج ، وكان هناك تنافس عسكري وسياسي بين المحورين في اليمن الجنوبي –سابقاً- وصل لأشده في حرب 1986م التي انهزم فيها محور ابين ممثلاً بالرئيس علي ناصر محمد، ومنها فر الفريق المهزوم للشمال الذي استضافه حتى قاتل لجانبه في حرب 1994م، وتمت مكافأة هذا الفصيل العسكري بتعيين عبدربه منصور هادي نائباً للرئيس ولو بلا صلاحيات وسلطة تذكر.
بعد وصول هادي للرئاسة عام 2012م سعي الرجل للتواصل مع الحراك الجنوبي واعتمد سياسة الاحتواء بذات طريقة سلفه، وهو الاحتواء عن طريق التفتيت واثارة الخلافات بين التيارات المختلفة من خلال اختراقها وشراء ولاء بعض القيادات.
لم يحاول في تلك الاثناء تغيير اللواء ضبعان الذي طالما اشتكت المدينة منه واستمر ضرب الجيش اليمني العنيف ما بين حين وآخر على المدينة التي غاب عنها مظاهر وجود الدولة بإستثناء المعسكر. هذا السلوك من الرئيس هادي يفصح أيضاً عن مناطقيته الثأرية في التعامل مع الجنوب حيث كان لا يخفي قلقه وكراهيته لخصومه في حرب 1986م، بينما ينحاز لابناء محافظته ومعها بشكل أقل من محافظة شبوه.
دون مساعدة كبيرة من قوات التحالف المهتمة بجبهات أخرى مثل عدن وتعز ومأرب، استطاعت الضالع طرد قوات معسكر الجيش اليمني ، لتصبح الضالع أول مدينة كانت توجد فيها قوات الحوثي- صالح ويطردوا منها.
هذا النجاح يعزو لبعض الأمور أولها طبيعة ابناء المدينة بالذات من الجيل البالغ من العمر الاربعين والخمسين وهم من القيادات العسكرية التي انخرطت في الحراك، لذا نجد اسماء قيادات للقوة العسكرية في الضالع مثل صلاح الشنفره وعيدروس الزبيدي وخالد مسعد وهذا لا يتوفر في مأربوعدن وتعز مثلاً، حيث لا يوجد أي شكل من اشكال التنظيم أو الترتيب القيادي للمجموعات المسلحة المشتتة فيها.
إذن العمل المسلح المنظم في مدينة مجتمعها يرفض بقوة وجود هذه القوات ومنخرط بشكل واسع في عملية المقاومة كانت سبب آخر لخروج الضالع عن سيطرة الحوثي- صالح، وهي حالة وحيدة ومنفردة تخالف مأرب التي لم يدخلها هذا الحلف حتى الآن أو حضرموت التي استولت عليها القاعدة وهي المحافظة اليمنية التي لم تخضع لحكم الإمامة الزيدية أبداً.
رغم هذا مر نصر الضالع دون أي احتفاء خاصة من حكومة المنفى بالرياض، فهو نصر لا يصب في صالح ما يسمى بالشرعية، بل نصر يصب لصالح فك الارتباط في الحراك الجنوبي كخطوة في مطلبه استعادة دولة الجنوب.
إيران والسعودية كلاهما مول تيارات من الحراك الجنوبي ولم يكن يكترث بالوحدة اليمنية، وطبيعة تدخل الدولتين يستند على جماعات ما قبل الدولة مثل ميلشيا طائفية في حالة إيران أو قبائل وجماعات دينية كحالة السعودية التي كانت تتعامل مع الدولة قليلاً، لذا لايمكن وصف أي منهما بالحريص على الوحدة حتى يتجاهل نصر الضالع.
المسألة هنا إن السعودية لا ترى الوقت مناسب للحديث عن تقسيم اليمن، فهي تستند في تدخلها العسكري على شرعية هادي كرئيس لليمن الموحد وتتحدث عن المبادرة الخليجية كمرجعية سياسية وهي مبادرة تستند على وحدة اليمن.
إيران خسرت التيار الموالي لها في الحراك الجنوبي الذي كان يمثله علي سالم البيض بسبب الفرز المناطقي الطائفي الذي تسبب فيه الحوثي وغزواته العسكرية لبقية المحافظاتاليمنية، وهي من منطلق دعمها لحليفها الذي يقاتل بإسم الوحدة والحرب على الإرهاب في الجنوب لا يمكنها سوى تجاهل هذا النصر.
نصر الضالع تجاهله الجميع لأنه خرج عن السياق المرسوم فلا هو نصر يحسب لما يسمى بقوات الشرعية ويعد ضربة كبيرة لقوات الحوثي- صالح حيث سقطت احد اكبر المعسكرات ولا يمكنهم مداراة هزيمتهم بالحديث عن وجود قاعدة أو تيارات دينية جهادية بالمدينة. هو نصر يختصر حقيقة إن الخيار العسكري يتجه باليمن للتمزق نحو كانتونات مناطقية فلا هو في طريق الوحدة ولا في طريق اعادته لدولتين، بل في طريق التمزق جغرافياً بين مجموعات مسلحة مختلفة.