اعتذر وزير العدل أمام النواب عن عدم الالتزام ببعض توصيات تقرير أراضي تهامة لكون التقرير خالف الدستور وبعض مواد القانون في كثير من المسائل. وقال الدكتور غازي الأغبري إن التقرير ذكر أسماءً بعينها كمعتدين ومغتصبي أراضي بدون أن يكون هناك أحكام قضائية باتة "وبالتالي فإننا في السلطة القضائية ننبه مجلسكم الموقر على أنه ليس من حق لجنة تقصي الحقائق أن تحدد إن كان هذا الشخص مغتصباً لهذه الأرض من عدمه".. وأوضح للنواب "إن هذه مسألة قضائية بحتة وإن ورود مئات الأسماء في هذا التقرير بتلك الصورة خطأً، خصوصاً من لم تصدر بحقه أحكام قضائية. وبالتالي، فإن مطالبتنا بتنفيذ هذه التوصيات الخاصة بهذه الأسماء وهذه المساحات غير المحدودة قد يصعب علينا تنفيذها لعدم وجود أحكام قضائية باتة تحدد من هم المعتدون وكم هي المساحة التي يستولون عليها.. الخ".
وقال الأغبري: "إن الوضع القانوني والدستوري إذا كان هناك اعتداء على أراضي الدولة، هو التوجه إلى الجهة المختصة لمنع مثل هذه الاعتداءات، وإذا قصرت الجهة الحكومية باتخاذ الإجراءات فمن حق مجلسكم الموقر أن يتخذ تجاه الحكومة الإجراء اللازم جزاء تقصيرها". مضيفاً باستغراب: "أما أن تنزل لجنة خلال أسبوع واحد وتعود بتقرير شامل في مسألة كبيرة بهذا الحجم، لتطالبنا بتنفيذ التوصيات فإن هذا خارج نطاق الدستور والقانون"، وفي حال ما إذا كانت هذه الأراضي تابعة لمواطنين فإن من حق المتضررين اللجوء إلى المحاكم فمن حق المجلس أن يستدعينا". مستدركاً: "وهناك دائرة التفتيش القضائي يمكنهم أيضاً اللجوء إليها".. وتساءل الوزير: "كيف يمكن تنفيذ توصيات في شأن يدخل في اختصاص القضاء ولم يتم إثبات ذلك بأحكام نهائية".
ونبه الوزير، وهو يسرد ردوده القانونية بثقة عالية وتمكن: "نحن لا ندافع عن النهّابة ولكن ندافع عن الدستور والقانون".
وكان وزير العدل يتكلم من على المنبر البرلماني رابط الجأش ومرتجلاً كما لو أنه في قاعة كبرى يلقي محاضرة على طلاب بكلية الحقوق.. ولأن تلك مسألة قانونية خطيرة فإن ردود الوزير كانت مزلزلة بالنسبة لبرلمان ضحل الثقافة.
كانت القاعة تتململ لحظتها، وكان يحيى الراعي يحس بهذا الغليان ويبتسم، لكنه احتفظ بحقه كرئيس للمجلس بتنبيه الوزير قائلاً: "لسنا يا دكتور كما وصفتنا.. يجب أن تعرف أن وصولك إلينا كان لنقطة واحدة..." ولم يكمل من الضوضاء التي سادت القاعة.
وطالب سلطان البركاني وزير العدل بأن يتكلم من على هذه المنصة من موقعه السياسي والوظيفي كوزير للعدل وليس بصفته قاضياً "لا يحق لنا مساءلته". و خاطبه رئيس كتلة الأغلبية قائلاً: "عليك أن تنطلق من منطلقات الحكومة وأن يعرف الجميع أن مواطني الحديدة هم أيضاً من مواطنين الجمهورية اليمنية".. من جانبه الشيخ سنان العجي رئيس اللجنة البرلمانية الخاصة، تمنى على وزير العدل أن يقرأ التقرير أولاً "وعلى النيابات والمحاكم أن تضطلع بدورها، وأن تقول إن هناك شخصيات رافضة الحضور أو تنفيذ الأحكام". كما تمنى الشيخ سنان على الذين وردت أسماؤهم في مصفوفة التقرير أن يعرفوا ويتأكدوا: "إنه ليس بيننا وبين أحد منهم خصومة حتى نستقصده أبداً، إنما أنجزنا هذا التقرير ونحن ندرك صعوبة الموضوع وحساسيته وبالتالي انطلقنا من منطلق مهني وموضوعي تام وعملت اللجنة بحيادية كاملة".
وعلى إثر كلمة الوزير تحولت القاعة إلى تعقيبات على المسؤول الحكومي بدلاً من أن تستمر في مناقشة التقرير.. وطالب عزام عبدالله صلاح من وزير العدل أن يتذكر أنه قبل سنة تقريباً "وقف في المكان نفسه في قضية النائب البرطي ليتبرأ من التدخل في سلطة القضاء واليوم جاء ليدافع عن المحاكم". وأضاف عزام مخاطباً القاعة: "يجب على مجلس النواب أن يقر آلية محددة وأن ينجز صلاحية محددة للتواصل مع وزير العدل تفصل ما بين عمله في مجلس القضاء، وما بين وظيفته الحكومية كوزير للعدل".
وفي آخر الجلسة أتيح لصخر الوجيه، كنائب من الحديدة، أن يرد على وزير العدل وليذكره بحادثة البنك الوطني وما حصل فيها وعن الأوامر التي أصدرتها النيابات بالقبض القهري على جميع أعضاء مجلس الإدارة "ومن هم الذين قبض عليهم؟!". وواصل الوجيه مخاطباً الوزير: "هل تعتقد أن الموطن سوف يشعر بالإنصاف عندما يكون المتهم أحمد السنحاني أو يحيى الراعي أو حميد الأحمر أو محمد الأكوع؟". وقال بحرقة: "اليوم تكلمنا عن القانون والدستور ظلماً". وقال صخر الوجيه مشخصاً المشكلة في تهامة: "لقد خطفوا ناس من أبناء دائرتي بدون تهمة لأنهم من تهامة".
وتساءل صخر الوجيه: "لماذا ابن الحديدة المسالم إذا حمل مسدساً قامت الدنيا ولم تقعد والبقية يأتون بأطقم مدججة بالرشاشات لتأخذ الضعفاء من داخل العشش وتطارد أصحاب الأرض الحقيقيين".
لم يستطع أحد أن يرد على وزير العدل الرد القانوني المفحم، وهي مسألة تفصح عن عجز وعن ضعف في الثقافة القانونية عند النواب.. لكن هي بالنسبة للنائب الناصري المثقف عبدالله المقطري مسألة بسيطة.. فقد وقف المقطري في اليوم التالي ليشهر أمام وزير العدل قانون رقم 6 لسنة 1995 بشأن إجراءات اتهام ومحاكمة شاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا في الدولة.
وخاطب المقطري وزير العدل وهو ملتفت إلى وراه ينظر إليه بانتباه: "لماذا غاب عنك هذا القانون عندما كنت بالأمس تطعن في شرعية التقرير".
وقال: "كيف تقول إنه لا يحق لأعضاء البرلمان توجيه الاتهام لأحد من مسؤولي الدولة في قضايا الاستيلاء على المال العام أو استغلال المنصب وتنسى أن تمر على الباب الثاني من هذا القانون (المشار إليه) بشأن إجراءات الاتهام والتوقيف لترى ما هي الاختصاصات الموكلة إلى مجلس النواب بشأن توجيه الاتهامات حتى لرئيس الجمهورية نفسه "لأعضاء البرلمان دون غيرهم".. وطلب منه أن يراجع المواد (5، 6، 7، 8، 9، 10". وأخذ المقطري يقرأ نص المادة (10) من القانون التي تعطي مجلس النواب حق "إحالة رئيس الوزراء أو نوابه أو الوزراء أو نوابهم إلى التحقيق أو المحاكمة عما يقع منهم من جرائم أثناء تأدية أعمال وظائفهم أو بسببها". موضحاً أن بين هذه الجرائم التي حددها القانون جريمة نهب المال العام والاستيلاء على أراضي الدولة واستغلال المنصب وغيرها.
كما وأيضاً أخذ المقطري يقرأ على القاعة نص المادة 15 ذات القانون التي نظمت إجراء توقيف رئيس وأعضاء مجلس الوزراء ونوابهم وأعطت الحق فقط للبرلمان دون غيره باتخاذ هذه الإجراءات.. وأيضاً المادة 21 التي تناولت موضوع وإجراءات المحاكمة بالتفصيل وتنص على التالي: "يقوم بوظيفة الاتهام أمام المحكمة ثلاثة من أعضاء مجلس النواب من ذوي التخصصات الشرعية والقانونية ينتخبهم المجلس بالاقتراع السري المباشر...". وقال المقطري مخاطباً الوزير ومعه أعضاء البرلمان أيضاً: هل تعلمون أن المادة 30 من هذا القانون كفلت لمجلس النواب أن تكون قوات الأمن والشرطة تحت إمرته! وحتى إن استدعت الحاجة الاستعانة بالقوات المسلحة لتنفيذ هذا القانون عند الرجوع إليها من قبل النائب العام أو المنتدبين من مجلس النواب أو من المحكمة المختصة! ووفقاً للمادة 32 من القانون نفسه فإن الأموال العامة تعتبر "هي موضع التهمة محل حجر حتى صدور الحكم من المحكمة المختصة.. الخ". يقول المقطري ويضيف: "وفي المادة التي تليها فإن العفو في العقوبات التي يصدر بها حكم بالإدانة بموجب أحكام هذا القانون لا يجوز إلا بموافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لأعضائه".
لقد تمكن فعلاً عبدالله المقطري من إحراج وزير العدل وفتح نافذة للضوء بعد أن ظهر أعضاء البرلمان أثناء كلمة الوزير والأستاذ الجامعي، كما لو أنهم في حالة من أظلمت بهم الدنيا.
الفرصة السانحة للانتقام يحضر اسم يحيى علي الراعي في تقرير أراضي تهامة كأحد أبرز الأسماء الكبيرة، ومنذ أشهر وعبدالعزيز جباري يترقب لحظة وصول هذا التقرير بفارغ الصبر.
وعندما بدأ المجلس مناقشة التقرير السبت الماضي، كان جباري أول من رفع يده لكنه كان ضمن آخر من تكلموا فرئيس المجلس، الذي كان يدير أصعب جلسة في حياته –حد توصيف أحد النواب- يعرف تماماً ما الذي سيقوله جباري ومن الذي سيقصد في كلامه، وبالتالي كان عليه أن يوزع الحديث بين النواب وفقاً لما يراه مناسباً.
أما جباري فقد انتظر حتى جاء دوره، وقد وقف ليقول: "إن التقرير قد وضع يده على أساس المشكلة عندما ذكر الشخصيات المشهورة بالاسم". وأضاف: "هؤلاء الذين نهبوا تهامة هم أنفسهم الذين نهبوا عدن، وهم أنفسهم الذين نهبوا المكلا". وواصل اتهامه لأشخاص، لم يسمهم: "إنهم ينهبون البلاد وهم للأسف شخصيات تحتل مكانة مرموقة في الدولة".. لكن المشكلة "إنهم يمارسون السطو معززين بتوجيهات رئاسية. وقد أشار التقرير إلى أن هناك توجيهات رئاسية لبعض الشخصيات بأراضٍ في الحديدة ولا ندري هل هناك نصوص قانونية تمنح رئيس الدولة الحق في منح شخصيات بعينهم أراضي". لكن جباري استدرك نافياً عن رئيس الجمهورية حصول مثل هذا الكلام ومتسائلاً: "هل معقول أن الرئيس وهب بعض الناس أرض في الوقت الذي يدَّعي بعض الناس ملكيتها". مؤكداً: "أنا لا أعتقد أن هذا حصل أبداً". وأضاف: "وحتى لو افترضنا أن هذا الكلام حصل، فهل هذه الشخصيات من المستحقين لها...". وواضح أن جباري يقصد رئيس المجلس، الذي جاء في التقرير أنه حاز على الأرضية بتوجيهات من فخامة الأخ الرئيس. لكن الراعي مع لم يتحمل كلام جباري وأخذ يقاطعه، قائلاً: من تقصد؟ فرد عليه جباري قائلاً: "ماعليش تحملنا شوية مش مشكلة"، في إشارة إلى أنه يقصده هو بالفعل.. جباري أضاف مستغرباً كغيره: "لماذا النهابون في الجنوب وفي تهامة ينتمون إلى جغرافيا محددة؟". لافتاً: "النهابة من صنعاء والمنهوبين من الحديدة، النهابة من صنعاء والمنهوبين من عدن، النهابة من صنعاء والمنهوبين من حضرموت، النهابة من صنعاء والمنهوبين..." فقاطعه الراعي قائلاً: "ليش ما تقول من ذمار أحسن".. فعقب عليه جباري "ربما، بس أنا ما أشيش أزعلك".
يناقش جباري ملف الأراضي ويضرب على أوتار حساسة لا يدركها إلا المطلعون على مشكلته المزمنة مع رئيس المجلس يحيى علي الراعي.. وفي اليوم الثاني افتتح رئيس المجلس الجلسة بملف تهامة، وكان جباري قد سجل اسمه ضمن طالبي الحديث للمناقشة مرة ثانية، وأيضاً ليكرر اتهامه لشخصيات رفيعة المستوى ومن أصحاب الحصانات والنفوذ صارت تملك بيوتاً وأرضيات في أغلب المحافظات، مؤيداً ما ذهب إليه سلطان البركاني بالأمس من أن يتخلى رئيس المجلس ونائباه حمير وأكرم عطية عن إدارة الجلسات لكونهم ذوي علاقة بالتقرير، وأن تسند مهمة إدارة الجلسة إلى محمد علي الشدادي.. لكن الراعي كان "يتعامس" وكأنه ما سمع شيئاً.. يعتبر جباري من أوائل الشخصيات التي طالبت، قبل أكثر من سنة، بلجنة خاصة لتقصي حقائق نهب الأراضي في الحديدة.. وهو الأمر الذي كان يزعج الراعي ويدفعه للتعليق على جباري كلما تطرق إلى هذه القضية.. ولكن الراعي أقصى ما قاله يوم الأحد معلقاً على جباري، عندما انتهى من مداخلته: "جباري مع ذاك الخطيب الذي ينصح الناس يصلوا وهو ما يصليش". لكن جباري ضحك ليقول لمن بجواره "قصده أنا أيضاً نهبت أرض". وهو كذلك، فالراعي يتهم جباري بالسطو على أرضية لمواطن في مدينة ذمار، ووجه ذات يوم إلى مدير أمن ذمار على ورقة لأحد الشاكين بجباري يرجو فيها ضبط المذكور، لكن جباري، الذي كان حينها في القاهرة، عاد وتقدم بدعوى إلى المحكمة، بذلك الشخص الذي اشتكى به وكسب جباري الحكم، كما قال، وزاد أيضاً حكمت المحكمة بسجن الرجل كون المسألة كيدية.