يصعب عدم الانتباه إلى الرابط بين حدثين عربيين متزامنين، يتمثل الأول بموقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أعلنه في مقابلة مع تلفزيون برتغالي يعرب فيه عن دعمه للجيش السوري في صيغة فرض «السيطرة على الأرض والتعامل مع العناصر المتطرفة وإحداث الاستقرار المطلوب»، ويتمثل الثاني بحضور السيسي القمة العربية الأفريقية الرابعة التي قاطعها المغرب ودول عربية عديدة احتجاجا على مشاركة الجمهورية الصحراوية، الأمر الذي اعتبرته أوساط مغربية «اصطفافا إلى جانب انفصاليي البوليساريو». لم يحصل الحدثان بشكل مفاجئ فقد سبقتهما تمهيدات وحوادث عديدة، فعلاقات القاهرة مع النظام السوري شهدت خلال العام الحالي تصاعدا مطردا باتجاه انكشاف وجود تعاون عسكريّ وأمنيّ وسياسيّ بين النظامين، ولا تفعل الأنباء التي وردت أمس حول وجود 18 طيّاراً مصريّاً مع حوّاماتهم في مدينة حماه السورية، غير أن توثّق هذا التعاون وتكشف بعضاً من فصوله غير المعلنة. أما التوتّر الأخير الناتج عن عدم انسحاب مصر من القمة العربية الأفريقية كما فعلت الدول العربية الأخرى، فليس إلا فصلاً جديداً في فصول سابقة من التوتّرات مع المغرب كان آخرها تغيّب القاهرة عن قمة المناخ التي عقدت هذا الشهر في مراكش، وكذلك دعوتها وفداً من «البوليساريو» للمشاركة في اجتماع برلمانيّ في شرم الشيخ واستقباله بشكل رسمي. تحاول المواقف السياسية المصريّة الحاليّة التشبّه تاريخيّاً بفترة حكم جمال عبد الناصر الذي تحالف مع الاتحاد السوفييتي وعادى النظم الملكيّة العربية وحارب السعودية في اليمن وكان عنصراً أساسياً في منظمة الاتحاد الأفريقي، كما قاد وقتها ما يسمى بحركة عدم الانحياز، وأقام وحدة مع سوريا استمرّت أقل من 3 سنوات، فيما قام على الصعيد الداخليّ بمعاداة جماعة «الإخوان المسلمين» وزج بقياداتها وعناصرها في السجون. كان يمكن أن يكون لهذه التشابهات معنى لو أن التاريخ يكرّر نفسه، غير أن مصر السيسي 2016 ليست مصر عبد الناصر 1952، رغم الوزن المهمّ للبلاد، بعدد سكانها الذي وصل إلى 92 مليوناً، أو بجغرافيتها الخطيرة في وسط العالم العربي وبين إفريقيا وآسيا، وبتأثيرها على الملفّات العربية الساخنة، وخصوصاً الملفّ الليبي… صحيح أن مصر تحت حكم السيسي ما زالت تحت حكم الجيش المصري تسلم السلطة عام 1952 لكنّ التشابهات تقف عند حدّ يصبح تشبيه السيسي بعبد الناصر، أو مصر اليوم بمصر الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم، تشبيهاً مؤلما إن لم يكن لاذع السخرية. واجهت مصر عبد الناصر دول «التحالف الثلاثي» (إسرائيل وبريطانيا وفرنسا) بعد تأميم قناة السويس عام 1956، وساهمت في إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية خلال مؤتمر القمة العربي الأول عام 1964، وهي التي بعد هزيمتها في حرب 1967 مع إسرائيل خاضت حرب الاستنزاف عام 1969 وحرب تشرين الأول/أكتوبر 1973. أما مصر السيسي فقد وظّفت انقلابها على شرعية انتخبها الشعب لتجعل وظيفتها السياسية بالتعريف محاربة «الإخوان المسلمين» والتحالف مع إسرائيل وبشّار الأسد، وروسيا التي صارت قطباً لدعم العنصرية الأوروبية ضد المسلمين، ومحاصرة الفلسطينيين في غزة. على المستوى الاقتصادي يمكن أن يحكى الكثير ولكن يمكن الاكتفاء ببعض النماذج الرمزية فنسبة التنمية بين 1969 و1970 كانت ٪8 سنوياً وكان لدى مصر فائض من العملة الصعبة يعادل ربع مليار دولار (وهو مبلغ كبير بأسعار ذلك الزمن) وكان الجنيه المصري يساوي ثلاثة دولارات ونصف. في مصر السيسي تدهور الأمن في البلاد، وتم إغلاق 4600 مصنع وفندق وقرية سياحية، وأصبحت الموازنة تعتمد بشكل كبير على معونات الإمارات والسعودية والكويت، وانتهى الأمر بطلب الحكومة قرضاً من صندوق النقد الدولي الذي فرض سياسات اقتصادية خطيرة ومنها تعويم الجنيه (الذي تراجعت قيمته إلى مستويات تاريخية) ورفع الدعم عن السلع الأساسية. باختصار: لقد تحالفت مصر مع إسرائيل نتنياهو وروسيا بوتين وسوريا الأسد والتيّارات العنصرية في أمريكا وأوروبا، فأي مصير قادها إليه عبد الفتاح السيسي، وأي فارق هائل مع حكم عبد الناصر؟