هكذا ودون سابق إنذار فاجأ الجنرال علي محسن الأحمر الجميع بإعلان عودته الى صفوف حزب المؤتمر الشعبي العام، في خطوة "غامضة" المعالم، مثيراً عاصفة من التساؤلات عن مغزى "العودة"، وما جدوى القيام بهذه الحركة في هذا التوقيت بالذات؟ خصوصاً وأن ارتدادات هذه الخطوة قد بدأت منذ لحظة الإعلان، حين أبدى عدد من رموز الشرعية وأعضائها مباركته لهذا التوجه الجديد، منهم رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية نجيب غلاب، وعضو الوفد الإعلامي في المفاوضات الصحفي سام الغباري وغيرهم. ولكي نتحصل نحن في "المشهد اليمني" وأنتم القراء الأعزاء على إجابات "مقنعة" لابد لنا من الخوض في تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة الجنرال بشكل أخص، والمؤتمريون الموالون للشرعية بشكل أعم. بدأت أولى الانعطافات الهامة في الصراع بعد الغارات التي شنها طيران التحالف العربي على القاعة الكبرى بصنعاء، ما تسبب في وقوع أكبر عدد من الضحايا منذ بدء الغارات، وهو ما حفّز المنظمات الانسانية الدولية الى تسليط دائرة الضوء بشكل غير مسبوق على الغارات الخاطئة التي يعكف التحالف على الوقوع فيها عديد المرات. ذلك الضغط، مصحوباً بالصور المأساوية القادمة من جنوبصنعاء، شكلتا نقطة ضغط قوية تحرك على إثرها المجتمع الدولي باتجاه إدانة العمليات العسكرية الرامية الى تمكين الشرعية وكسر الانقلاب، وهو ما تسبب في حرج في موقف المفاوض اليمني الذي أصبح في زاوية ضيّقة بعد الواقعة، ما حدى بالمبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ الى الولوج من تلك النافذة والقيام بتعديلات "جوهرية" في وثيقة الحل المقترحة للسلام، حقق من خلالها الحوثي وصالح عدة مكاسب كان من الصعوبة تحقيقها، وعلى رأسها التصريح بتغيير شخص نائب الرئيس (الفريق علي محسن) عقب التوقيع على خريطة المبعوث الدولي، بالإضافة الى خلخلة وتقليص سلطات الرئيس الشرعي عبدربه منصور، بحيث يصير بعد الاتفاق بلا صلاحيات، في حين تنقل صلاحياته الى شخصية توافقية. لم تكن تلك خسائر الشرعية فقط، بل إن خريطة السلام اليمني الأخيرة مكّنت الحوثيين وصالح من عدم تسليم عن السلاح الثقيل الذي بحوزتهم الى القوات الشرعية، بحسب ما كان مفترضاً في بنود القرار الأممي 2216، بل يتولى "طرف ثالث" عملية استلام تلك الأسلحة، وهو ما يرسل دلالات الى أن المبعوث الدولي يرى الشرعية طرفاً مماثلاً في النزاع، في حين أنها صاحبة الحق الأصيل في امتلاك السلاح. بذلك يصبح موقف الرئيس هادي والفريق محسن في مهب الريح، إذ بمجرد التوقيع يخرج الأخير من المشهد السياسي، في حين يظل تواجد الأول صورياً بلا أي سلطات أو صلاحيات حتى يخرج هو الآخر بعد استكمال الخطوات الإعدادية لانتخاب رئيس جديد لليمن. هذا الموقف الطارئ والذي لم يكن في حسبان الرجلين على ما يبدو جعلهما يفكران في النفاذ الى واجهة المشهد من جديد عبر بوابة خلفية "بوابة المؤتمر الشعبي العام" الذي يعد منصور رئيساً له بحسب تزكية لجنة المؤتمر في الرياض، في حين أن محسن عضو "خامل" قام بتجميد عضويته في الحزب منذ سنوات، وبهذا يصبح للرجلين هادي ومحسن صفة سياسية، ويصبح بمقدورهما إعادة تفعيل هذا الحامل الجديد، بحيث يسحبان البساط من تحت أقدام صالح من جهة، ويدخلان مجدداً في عملية التقاسم الجديد للسلطة من جهة ثانية. لكن تبرز مع هذه المقاربة تساؤلات عديدة: الى أي مدى يمكن للمجتمع الدولي تقبل هذا القالب الجديد الذي يحاول المؤتمريون الموالون للشرعية تأطير أنفسهم فيه أم أنه سيتجاهلهم. وما مصير صالح وحزبه، وكيف يمكن للمبعوث الأممي الفصل في نزاع الطرفين (صالح وهادي) وتقرير أيهما يمثل الحزب وأيهما يدّعي ذلك؟!