استغرب البعض موقف الأستاذ هيكل، الرافض مشاركة مصر، في التحالف العربي ضد الحوثيين في اليمن.. والبعض الآخر، لم تأخذه الدهشة، من موقف هيكل، واستقبل معارضته العمليات العسكرية، بوصفها موقفًا طبيعيًا ومتسقًا مع تاريخ هيكل المؤيد على طول الخط لإيران.. وأحال إلى كتابه "المقالات اليابانية" التي كان يطلق فيها هيكل وصف "الخليج الفارسي" على الخليج العربي، في إشارة إلى تبني هيكل ذات مفردات الخطاب الإيراني المعادي لعروبة منطقة الخليج. الغريب ليس موقف هيكل.. ولكن استقبال رأيه بوصفه "مستقلاً" عن الرأي الرسمي المصري.. فعلاقة الأستاذ بالسلطة، ليست علاقة صداقة.. وإنما "سلطة أبوية" أنزلته من النظام منزلة "ولاية الفقيه" في النسق الديني السياسي للنظام الإيراني. ولعل ذلك ما يطرح سؤالاً مشروعًا، بشأن ما إذا كان هذا هو رأي هيكل وحده.. أم رأي صانع القرار الرسمي في مصر.. فما يقوله هيكل في ملفات تتعلق بالسيادة، من الصعب فصله عن سياقه وعن السلطة الأبوية التي يمارسها هيكل على القوى التي خرجت منتصرة بعد احتجاجات 30 يونيو. هيكل.. يؤيد بشار الأسد، ويحشد للاصطفاف خلفه، بوصفه جزءًا من الحلف "المناوئ" للإرهاب.. وهي نظرة تكاد تتطابق مع وجهة النظر الرسمية المصرية، حيث تعتبر الحاضنة البحثية والأمنية للسلطة في مصر.. تعتبر "الجيش الحر" الطبعة السورية لجماعة الإخوان المسلمين.. فيما يواجه بشار في سوريا.. والسيسي في مصر، تمردًا إسلاميًا مسلحًا، ما عزز من مشاعر التعاطف بينهما، وإن كان بشار الأكثر استفادة من التعاطف المصري الرسمي معه. هيكل.. لا نتعامل معه ك"مادة خام".. ولكن ك"مادة مصنعة" يمكن من خلالها الاطلاع على المزاج العام السائد داخل أوعية وقنوات تمرير القرارات السيادية الكبرى. وفي هذا السياق.. فإن إيران في رأي هيكل، ليست قوة طائفية تحمل مشروعًا قوميًا "فارسيًا" يميل إلى التمدد والتوسع ومهددًا المكون السني للعالم العربي، وهويته وثقافته وعروبته.. وإنما ينظر إليها هيكل، من خلال وجودها على الجبهة ضد "داعش" في العراق، وفي سوريا.. وهي النظرة التي تؤثر بطبيعة الحال في الموقف المصري إزاء إيران.. تجعل من الأخيرة "حليفًا" وليس عدوًا.. وإضافة وليست خصمًا. أهمية تصريحات هيكل الأخيرة، ترجع إلى أنها تنقل إلينا جزءًا من صخب الجدل، داخل الغرف المغلقة، بشأن الموقف المصري الحقيقي، من أزمة اليمن.. وهو موقف لا يمكن فصله من موقف القاهرة من بشار ومن إيران.. فمصر الرسمية فيما يبدو محرجة وقلقة.. لأن العمليات العسكرية في اليمن، جاءت على عكس ما يمكن استخلاصه من أي مقاربة، بشأن حركة الرياح في القاهرة. * المصريون