عمرو موسى، الامين العام الاسبق للجامعة العربية، نجح في ايجاد نقطة ضوء في الاتفاق النووي مع ايران. “سيكون الاتفاق مقدمة لاخلاء الشرق الاوسط من السلاح النووي وبالذات سلاح اسرائيل”. حينما كان وزير خارجية مصر حلم موسى بأنه لا يحتاج الى مصادر اجنبية من اجل ازالة السلاح النووي الاسرائيلي، ويبدو أنه سينتظر الى عشر سنوات اخرى حتى يتبين ما هو مصير الاتفاق مع ايران. لكن عند موسى، مثل اغلبية زعماء الدول العربية، مخاوف اخرى منها هل سيحدث الاتفاق تحولا في سياسة ايران في الشرق الاوسط؟ هل ستعتبر ايران الاتفاق شهادة لتنفيذ “السيطرة الشيعية على العالم السني”؟ وعلى المستوى العملي – هل بشار الاسد، الذي سارع الى تهنئة ايران على الاتفاق، سيحصل على ضمانة لاستمرار حكمه؟ هل ستحظى تركيا على ازدهار اقتصادي وعسكري؟ وكيف ستواجه السعودية ما تعتبره الآن تحولا تهديديا في الاستراتيجية الامريكية؟. برنامج السلاح النووي الايراني خلق تحالفا عربيا غربيا كانت اسرائيل شريكة خفية فيه. وقد استند هذا التحالف الى الحرب المشتركة ضد داعش، لكن داعش شكل الذريعة لاستراتيجية معادية لايران من الدول العربية. الخوف العربي هو أن يقرب الاتفاق الولاياتالمتحدة من ايران، وأن يبعدها عن التحالف العربي ويؤثر على نجاعة الحرب ضد داعش. كذلك الامر في سوريا. فقبل الاتفاق امتنعت الولاياتالمتحدة عن ضرب جيش الاسد كي لا تتأثر المحادثات النووية، والاتفاق يضع حاجزا أمام التدخل العسكري في الدولة. الحرب في سوريا ونظام الاسد تحولا الى أسرى العلاقات بين الغرب وايران، وسيتم الحذر كي لا يشكل ضرب سوريا سببا للاخلال بالاتفاق – حتى لو كان الثمن بقاء الاسد. ايران تزعم في كل فرصة أن الاتفاق لا يرتبط بشؤون اخرى، أي الحرب في سوري، العراق واليمن، أو الحرب ضد داعش، لكن لا شك أن هذه المواضيع تم طرحها في المحادثات بين جون كيري ونظيره محمد ظريف. ومن غير المعروف اذا كانت ايران وعدت بشيء يتعلق بالموضوع السوري، لكن يمكن الافتراض أنها عندما تشارك في الحل الاقليمي فهي ستقترح حلا يشمل الاسد. من خلال مكانتها الجديدة تطرح ايران مفارقة جديدة أمام تركيا التي ربطت نفسها مع السعودية في الحرب ضد الاسد وداعش من جهة، ومن جهة اخرى هي لا تريد التنازل عن السوق الجديدة التي ستفتح أمامها، وستطلب تصدير السلاح الى ايران واستيراد الغاز منها. على ضوء هذه المصالح يمكن للتحالف بين السعودية وتركيا أن يتقلص، لا سيما بعد أن تبين لتركيا أن السعودية لا تقربها الى الشرق الاوسط العربي، أو على الأقل الى مصر التي طردت منها. استعداد جديد سيفرض على السعودية اعادة النظر في استراتيجيتها. الخوف الحقيقي أو الوهمي للمملكة هو أن العلاقات القريبة مع ايران ستشجع الولاياتالمتحدة على وضع مرساة غير عربية في الشرق الاوسط وانشاء توازن قوى جديد تفقد فيه الدول العربية ولا سيما دول الخليج، الاحتكار في وضع السياسات الاقليمية. أقوال رئيس ايران السابق علي رفسنجاني “ليس من المستحيل أن يتم فتح سفارة امريكية في طهران”، تعتبرها السعودية تلميحا الى أن هناك اتفاق بهذا الشأن بين ايرانوالولاياتالمتحدة. يوجد للسعودية خيار الانضمام الى روسيا، أو على الاقل تهديد الولاياتالمتحدة بذلك، كما فعلت في الاشهر الاخيرة حينما أعلنت عن العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، وعن نية الملك سلمان زيارة موسكو. لكن على المدى القريب لا تستطيع روسيا أن تكون بديلا عن الولاياتالمتحدة لأن البنية العسكرية السعودية تعتمد على السلاح الامريكي، وبسبب العداء الايديولوجي التاريخي بين السعودية والاتحاد السوفييتي. السعودية التي وصفت الاتفاق النووي أمس باعتباره خضوعا ايرانيا للغرب، لا يمكنها أن تكون على يقين من أن باقي دول الخليج ستنصاع لسياستها المعادية لايران. دولة الامارات هنأت ايران، وقطر تتعاون معها عسكريا واقتصادية، والكويت تقول إنها دولة محايدة والبحرين خائفة من تحريض الاغلبية الشيعية من قبل طهران. على خلفية هذه الصورة التي تشعر فيها السعودية بترددات الاتفاق، سيُطلب من الولاياتالمتحدة التعويض على تبديد شكوك المملكة. فالسعودية ليست اسرائيل التي يمكن تهدئتها بارسال الطائرات الجديدة والتكنولوجيا المتقدمة، فهي تستطيع شراء ما تريد ولذلك فقد تطلب المملكة انجازا سياسيا كتعويض، كأن تبذل الولاياتالمتحدة الجهود والضغوط كما فعلت في ايران من اجل التوصل الى اتفاق يحل المشكلة الفلسطينية. هآرتس 16/7/2015 نقلا عن "رأي اليوم"