ما زلت أذكر عندما زارتنى فى بيتى مستشرقة أمريكية شابة كانت بصدد إعداد رسالة دكتوراه عن شعر العامية. أنا متأكد من اليوم بسبب حدث مهم وقع فيه. فشل محاولة أمريكا تحرير رهائن السفارة الأمريكية فى طهران. الذى أخرج عنه الأمريكان فيلم: أرجو. حصد أهم جوائز الأوسكار لهذا العام. مع أن الفيلم عرض فى القاهرة قبل أسابيع ولم يحقق أى نجاح يذكر ورفعته دور السينما بسبب عدم الإقبال الجماهيرى عليه. يومها توسعت ضيفتى فى انتقاد القيادة الأمريكية فى معالجة رهائن السفارة الأمريكيةبطهران. لكنها سألتنى فجأة: لماذا تخلو العلاقات المصرية الأمريكية من الدفء والإنسانية رغم ما قدمته أمريكا لمصر من مساعدات ومعونات. لدرجة أننى يخيل إلىَّ أحياناً أن علاقاتكم مع الاتحاد السوفيتى كانت أكثر إنسانية من العلاقة معنا؟ كان ردى على سؤالها بأسئلة. سألتها: إن كان السد العالى ومجمع الألومنيوم وتسليح الجيش المصرى فى حرب أكتوبر رموز للعلاقة مع موسكو، هل تعرفين ما هى رموز علاقتنا بكم؟ قالت: أنت الذى تحدد لى. قلت لها: فى الخمسينات كان برج القاهرة تعبيراً عن أزمة العلاقات. قدمت أمريكا رشوة لعبدالناصر العظيم بعد نجاح الثورة. حصل على الرشوة وبنى بها البرج ليراه ركاب طائرات أمريكا التى تعبر الأجواء المصرية. سألتنى بدهشة: هل حدث هذا؟! قلت لها: ومدون عندكم. رواه مايلز كوبلاند فى كتابه الشهير: «لعبة الأمم». سألتنى عن رموز العلاقة؟ قلت لها: مشروع المعونة الأمريكية لإصلاح حال مجارى القاهرة. فهل يصلح، رغم أهميته البالغة، لأن يكون رمزاً لعلاقات بين بلدين؟ واشنطن تحاول أن تحل مكان موسكو مستغلة توجهات السادات المتناقضة مع عبدالناصر. والسبب؟ قلت لها: مصر تعوم على بحار من طبقات الحضارة والاتحاد السوفيتى وراءه عصور حضارية. أما أمريكا فلديها نظام حياة جيد وأكثر من جميل. ولكنها ليست بلداً يستند لحضارة قديمة. ونظام الحياة أبهر شباب المصريين. لذلك نشاهد طوابير من يقفون أمام السفارة الأمريكية من الفجر حتى بدء العمل. حيث يعد السفر لأمريكا حلم الأحلام لكل شاب مصرى. هذا كلام نظرى. ولكن افتقاد الحضارة انعكس على السلوك الإنسانى الأمريكى. ولو قام كيرى بعمله، وفق مؤسسة الخارجية الأمريكية، لسأل نفسه وأجهزته ما المشكلة الأساسية فى علاقاتنا بالمصريين؟ ولكانت الإجابة أن المشكلة أنهم ساعدوا الإخوان المسلمين لحكم مصر. والتصميم على تمكينهم من الاستمرار فى الحكم رغم الرفض الشعبى. الذى عبَّر عن نفسه فى مواجهة كيرى بمظاهرات منذ وصوله وحتى رحيله الذى تأخر؛ لأن الألتراس منعوا موكبه من الوصول للمطار. وكل مكان ذهب إليه كانت المظاهرات فى انتظاره. التفسير الأمريكى للغضب المصرى أنه تعبير عن ديمقراطية. وهكذا فستظل الفجوة المصرية الأمريكية. بل ربما أصبحت أكثر عمقاً مستقبلاً. * الوطن, المصرية