(لطائف) من المعروف، تاريخياً، أن الثورات السياسية تتبعها ثورات ثقافية واجتماعية تتمرد على العادات والتقاليد والأعراف المتبعة في ذلك المجتمع الذي ثار فيه الناس على واقع سياسي مرير وغير منصف، إن تلك الثورات الثقافية، غالباً، ما تتخذ طابع النقد والتمحيص والتمرد على واقع طالما كان سجناً في نظر الكثيرين، خاصة أصحاب الأمزجة والشطحات الفكرية كالكُتاب والأدباء والشعراء والفلاسفة، وهذا الفيلق الذي يتوشح قلمه ويحمل نعش مشاعره على كتفيه غالباً ما يقع ضحية للهوة الحاصلة بين قمة الهرم وقاعدته، لو اعتبرنا أن بإمكاننا الحديث عن البنية المجتمعية كهرم يجمع كل شرائح وطبقات المجتمع، والحقيقة أن الصوت الأدبي والثقافي بشكل عام ربما وجد صدى لدى المهتمين في هذا المجال، غير أن انشطاره إلى أدب محلي وأدب نسوي أدى إلى طغيان أحد النوعين على الآخر ومن ثم انحسار المد الأدبي النسوي واحتقان طفرة الإبداع النوعي في منتصف المسافة بين التراث والحداثة. الأدب النسوي في المجتمع اليمني يختلف نوعياً عن أدب المجتمعات الأخرى التي حصلت فيها المرأة على نوع من الإنصاف القانوني، فالأدب النسوي في اليمن يستقي مواضيعه وصوره وحبكته القصصية من واقع غني بتناقضات كثيرة ورؤى مختلفة مما يجعله ناطقاً أدبياً فذاً عن هذا المجتمع، كما أن الكاتبة اليمنية تجيد تخضيب مادتها الأدبية بمزيج متجانس من البديع الأدبي والتراث الشعبي الذي تصوغه وفق رؤيتها الفريدة وهي بنت الوادي والسفح والقاع والجبل. لكن هذه الكاتبة العبقرية التي يتلذذ بعناقيد بنانها الأدباء خارج الوطن وداخله لا تجد، محلياً، ذلك البيت الذي يجمعها ببنات جيلها من صاحبات الترف الأدبي والبهاء اللغوي ليكون لهن ملتقى تتلاقح فيه أفكارهن وتتزاوج عبره رؤاهن ليرفدن الواقع الأدبي بالمزيد من روائع الأدب ودرره. وبالإضافة إلى أنهن مشردات على رصيف واقعهن المشحون بالنخبوية السياسية والقبلية فهن أيضاً يستنزفن طاقاتهن الإبداعية عبر إرواء ظمأ الأعمدة الصحفية مقابل أجور زهيدة لا تتوازى مع ما يطرحنه من قضايا أو موضوعات مهمة تشاكل واقعهن وتتحدث بلغة الإنصاف لأجله. إن عدم تفريغ هؤلاء المبدعات للتأليف وبناء القصائد وترتيب الأوراق التي اختلطت بفعل رياح الأحداث العاتية جعل الأدب النسوي واقفاً على طريق الانتظار الطويل بالرغم من وجود بعض المؤسسات الخاصة التي ترعى الكلمة وتحمي الحرف من الضياع، لكن الأمر بحاجة إلى نظرة خاصة من أصحاب القرار بداية بالحكومة وانتهاء بنخبة المثقفين الذين يعرقلون وصول السفينة النسوية إلى بر الأمان الأدبي، مع اعترافنا بوجود ثلة من أصحاب الأقلام والأفكار والرؤى الراقية في وسطنا الثقافي إلا أن قلتهم أوجدت مثل هذه الثغرات والعراقيل في طريق المرأة، بل قد تكون في طريق كل مبدع أيضاً. إن تحريك المياه الآسنة لا يحتاج إلا لعصا، فمتى يكون للأدب النسوي تلك العصا؟! * "المنتصف"