هي الثورة , محج اليمنيين وعمرتهم هذا العام , لا حاجة لأن يحجوا أو يعتمروا السنة , وقد أرسلوا وزرهم الأكبر إلى هناك. لديهم هنا عبادات وشعائر ونسك كثيرة مفترضة وواجبات ملزمة وملحة لا تقبل التأجيل , هم في ثورة تطهرٍ من كبائر الذنوب والآثام , إثم الحكم , الذنب الخاص والعام . الثورة , حج إلى الحرية ,توبة. من الخنوع , أوبة إلى الكرامة , إنعتاق من عبودية القهر , إسقاط للصنم الحاكم . استعادةً لسيادة الذات الفردية والجمعية. لدينا الكثير مما يستدعي الرجم . الشيطان هنا , يواصل التدليس والتلبيس يواصل الكيد والخديعة , الشيطان هنا يحيك المؤامرات ويخيط المبادرات , يسد باب المغارة ويتهيأ للإغارة . يحتاج اليمنيون الكثير ليكفروا عن 33 سنة من تسيد الفساد , وتأليه الحمق , وتمجيد الوهم , والطواف حول القائد والزعيم الفرد . مذ رمينا به وهو يرجمنا بالويلات والكوارث , يضحي بنا كل لحظة ، يقدمنا قرابين لطموحاته السلطوية الحقيرة. ثار شعبنا ضد خضوعه المديد , هب مواجهاً ضيعة عقود , قرر الإمساك بزمام أمره , وصناعة قدره ومصيره , انشقت الأرض المحتدمة عن بركان ثائر , غادر اليمني مقبرته العتيقة , قرر بعثه ونشوره. هو ذا يقتص لنفسه من نفسه , هو ذا يرجم تقصيره , يجلد صمته الطويل , يهدم الجدار الذي أقامه فوق صدره , يحطم السور الذي حال بينه وبين الحياة , هو ذا يحاكم الجرم الذي استوى حاكماً , هو ذا يحكم بإنهاء العقوبة. الثورة معذرة هائلة , استغفار عظيم , براءة عامة من المذلة والهوان , تكفير صارخ عن الاستسلام ل لاهوت السلطة. استعاد اليمني إيمانه بذاته , استعاد اليقين بقدرته على الولادة من جديد , اغتسل من رجس الاستبداد ودنس الاستعباد , تخلص من مخاوفه وهواجسه وقام لمعانقة السماء . الثورة صلاة كبرى جامعة, عودة ظافرة إلى الجوهر الحر , قيامُ جليل في محراب الحرية , سبيل ٌ إلى مقام كريم , حجٌ مستطاع إلى أرض الروح , إلى قبلة القلب , إلى وطن مبارك فيه الإنسان حيث يصان وتحمى حرياته وحقوقه , ويحرم ظلمه وهضمه وهدمه بأكثر مما تحرم الكعبة وتصان. الثورة قائمة والمال قوام الأعمال والآمال وفاقة أرملة معيلة فاقت حاجة عبد الله بن المبارك للحج فما بالنا بشعب في العراء، فقير إلى الحياة، محروم من الوطن ، جائع إلى أن يكون. تقدمنا الفادون الكبار , تقدمنا الشهداء واهبين أرواحهم بسخاء فليكتمل البذل ولتتكامل التضحيات , نحن نتطهر ننشد يمناً جديداً , يغادر الشقاء والقساوة والجدب , يجافي الجفاف يتفجر عطايا وهبات وجناناً وودياناً ذات زرع يهوي إليها هذا الممزق و المشرد في كل فج "جواب العصور" المسافر الأبدي بلا وطن لأنه من اليمن" بحسب مقتفي غربتنا ومتقصي وجع أسفارنا السرمدية شاعرنا الكبير عبد الله البردوني.