كل صباح تأتي "أم مصعب" حاملة في يدها بعض من المسابح وعلب الحصالات، والتي تزينها بقطعة قماش مطرزة بطريقة فنية، وتمتلك قليلا من البخور من أجل بيعها، إنها تجوب بها معظم شوارع صنعاء، وفي المساء تفترش السوق في شارع هايل، والذي يعد من أكثر الشوارع ازدحامًا بالمتسوقين، إنها تبحث وراء لقمة عيش أسرتها بعد أن اثقلت كاهلهم غلاء المعيشة وكلفتها العالية. "أم مصعب" 34 عامًا، تفترش الرصيف وسط صنعاء مرتدية عباءة سوداء، عارضة المسابح وعلب الحصالات والبخور وسط الغبار وضجيج السيارات ومع قطرات المطر الباردة في صنعاء، وحين تحدثنا معها عن سكنها، عرفنا أنها تقطع مسافة 18 كيلو متر شمال العاصمة صنعاء بالقرب من المطار، حيث تسكن هي وثلاثة من أطفالها مع زوجها الذي يعمل في جمع علب البلاستيك، بعد أن كان يعمل في إحدى الشركات الخاصة والتي توقفت بفعل الأحداث الحاصلة في البلد. تقول "أم محمد "للصحوة نت "الوضع صعب جدًا، والوضع صار غير الذي كنا عليه سابقًا، كانت تتحدث معنا وهي تعرض لزبائن حصالات الأطفال، وتشجعهم من أجل ادخار الأموال لأطفالهم". تتابع بقولها "أم مصعب " إنها تصحو قبل الفجر هي وزوجها، هي لترتب البيت وتبدأ في تجهيز أغراض أطفالها قبل ذهابهم للمدرسة، وزوجها يخرج من أجل جمع علب البلاستيك في ذلك الليل قبل أن تبدأ حركة الشوارع والمرور، بعدها تبدأ في تجهيز أغراضها من علب وبخور وغيرها وتحمل بضاعتها وتنطلق، وتضيف "تكاليف العيش مرتفعة، وكل عام يأتي أصعب من الذي قبله، كل شيء إلى الأسوأ"، وتسعى " أم محمد" مع زوجها إلى تأمين لقمة العيش لثلاثة أولاد. الوعود الوهمية والتلاعب الاقتصادي يمارس الحوثيون الكثير من الوعود بأنهم سيعملون على إيجاد المناسبة لكل التلاعبات الحاصلة بأسعار المواد الغذائية وغيرها، وكان أخرها ما حصل من ارتفاع لأسعار المشتقات النفطية خلال الفترة الأخيرة والتي أوصلت سعر التر الواحد إلى 700 ريال يمني أي ما يقارب دولار ونصف، ووعد الحوثيون أنهم سيعيدون عمليات ضبط الأسعار لكن تم تثبيتها على هذا السعر ولم يتم تعديل الأسعار إلا قبل فترة وجيزة بعد أن أنخفض الدولار بفعل إصلاحات حكومة الدكتور معين عبد الملك. "حميد" طالب جامعي يتحدث " للصحوة نت "حول الأمر ويقول:" ارتفعت الأسعار ومنها أسعار المشتقات النفطية، بفعل انهيار الريال اليمني، وهذا كان قبل الإصلاحات الاقتصادية للجنة المشكلة بعدن، ومعها ارتفع كل شيء، وبقيت أنا كطالب أعاني من الكثير من المشاكل، ومنها المواصلات وبدل ما كنت أطلع للجامعة بخمسين ريال، الآن أدفع مئة وهذا كمثال فقط، ومع الإصلاحات الاقتصادية للحكومة، لم ينخفض شيء بصنعاء ولا زالت المواصلات بمئة وعلى هذا ستعرف بقية الأشياء. وأضاف "حتى عندما انخفضت أسعار المشتقات النفطية، لم يتم خفضها إلا بعد شهر، لكن قبل أسبوع رفع الحوثيون السعر، فأغلقت المحطات واليوم الثاني باعوا بسعر مرتفع ولم يقم الحوثيون بمحاسبتهم حسب ما وعدونا، والله كله تلاعب بمشاعر الناس وكذب عليهم. استغلال للوضع بمرارة يتحدث المهندس "طارق"، عن وضعه المعيشي قائلًا:" أصبح الوضع صعب للغاية، ارتفعت الأسعار بشكل جنوني والراتب لا يتجاوز 70 ألف في مؤسستي الخاصة التي أعمل بها، وتتفاجأ نهاية الشهر مع خصم وترحيلات ومدري أيش، وغير هذا لا إجازات ولا شيء، وارتفعت الإيجارات للشقق بحدود السبعين ألف، ناهيك عن زيادة أجرة المواصلات، وارتفاع اسعار المواد الغذائية وغيرها، كل شيء صار يصعب عليها". اما المزارع "يحيى" فيقول: "المواطن الذي يعتمد على العائد التجاري من المزرعة اعتبره مجنون، ما نحصله لم يعد يكفي حتى قيمة الديزل اللي بنخسره، ومعك فوق هذا متطلبات البيت في ضوء الزيادة الكبيرة في أسعار المواد الغذائية الضرورية، أصبحنا نواجه صعوبة في شراء كل شيء، بل إننا في كل مرة نحاول أن نتخلى عن بعض المواد نظرًا للغلاء الفاحش والتسعيرة التي يتخذها التجار، فما بالك بالمواطن الذي لا يملك راتب أو مفيش معه دخل يومي". "د. حسين " واحد من بين آلاف الموظفين الحكوميين الذين فقدوا رواتبهم ، حيث باتوا يواجهون حياة قاسية "أمام ضغط الحاجة لتوفير لقمة العيش، يقول الدكتور حسين:" لجأت لبيع ما أملك من أشياء ومقتنيات في البيت، أو أي شيء يمكن أن يعطيني ثمن، ثم تحولت بعد ذلك إلى الاقتراض من الزملاء والأصدقاء، حتى تراكمت ديوني وتزايدت معانتي، وكل هذا من أجل توفير متطلبات البيت الأساسية فقط".
تفكك أسري ومجتمعي بسبب الغلاء المعيشي في ظل تطورات الأوضاع الحاصلة ادت إلى حدوث شرخ مجتمعي، وتفكك أسري بسبب ضغوطات الحياة على الفرد والمجتمع، كما أنه دفع الكثير من الآباء لإخراج أبنائهم للعمل من أجل مساعدتهم في توفير ضروريات البيت من أجل استمرار معيشتهم. "ريناد" حين تحدثت عن غلاء المعيشة قالت كنا نسكن نحن وأسرة زوجي وأثنين من أخوته الصغار، زادت الضغوطات على زوجي، وكانت أسرة زوجي ينظرون إلى " اسامة" وهو يزداد الضغط عليه، فقرروا المغادرة وهم الآن يسكنون في مخيم خارج حدود محافظة الحديدة بسبب الضغط الحاصل بسبب غلاء المعيشة. وأضافت "لقد أصبحت بعض البيوت في الوقت الراهن أشبه بطاحونة يفر أفرادها بفعل الضغط المعيشي، واعتبرت موجة الغلاء التي يعاني منها الناس بسبب الحوثيين بمثابة فتيل مشتعل يهدد الحياة المجتمعية.