من أهم القواعد والأسس التي تقوم عليها الحياة الجماعية الإسلامية التعاون على البر والتقوى، فهذا التعاون سمة من أبرز السمات التي تتميز بها الجماعة المسلمة والمجتمع المسلم، وهو قاعدة من أهم القواعد التي يقوم عليها بنيانه، حيث أمر الله عباده المؤمنين بالتعاون على البر والتقوى. فالحق سبحانه وتعالى يأمر عباده بالتعاون على البر والتقوى بقوله تعالى:(( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرّ وَالتّقْوَىَ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان)) قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: وهو أمر لجميع الخلق بالتعاون على البر والتقوى، أي ليُعن بعضكم بعضاً، وتحاثوا على ما أمر الله تعالى ، واعملوا به وانتهوا عن ما نهى الله عنه وامتنعوا منه، وهذا موافق لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله) رواه مسلم، وقد قيل: الدال على الشر كفاعله. وقال الإمام بن كثير في تفسير قوله تعالى:(( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرّ وَالتّقْوَىَ ...)) الآية : يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات وهو البر، وترك المنكرات وهو التقوى، ونهاهم عن التناصر بالباطل أوالتعاون على المآثم والمحارم. وقال العلامة الماوردي: ندب الله سبحانه إلى التعاون بالبر وقرنه بالتقوى لأن في التقوى رضا الله تعالى وفي البر رضا الناس، ومن جمع بينهما جمع بين رضا الله تعالى ورضا الناس. معنى التعاون: جاء في لسان العرب لابن منظور: العون : الظهير على الأمر، وفي المعجم الوسيط وأعانه على الشيء: ساعده ، وتعاون القوم: عاون بعضهم بعضاً، واستعان فلانٌ فلاناً وبه. وتعاون الناس بعضهم مع بعض ومساعدتهم لبعضهم بعضاً: حاجة فطرية وضرورة حياتية، فهو حاجة فطرية لأن أفراد الناس محدودو الملكات والقدرات متفاوتين فيها، وذلك ما يجعلهم يشعرون بالحاجة إلى عون بعضهم بعضاً. ولما كان تناصر الناس قد يكون على الباطل وقد يكون على الحق، وتعاونهم قد يكون على الخير أو البر والتقوى، وقد يكون على الشر أو الإثم والعدوان أمر الله عباده بأن يكون تناصرهم بالحق وتعاونهم على البر والتقوى، ونهاهم عن التناصر بالباطل والتعاون على الإثم والعدوان. والتعاون إعانة متبادلة ومساعدة متبادلة، فكل طرف من الأطراف المتعاونة يعين الآخرين ويساعدهم بجهده وبما آتاه الله من قدرات فكرية وقولية وعملية ومالية. ويتحقق التعاون على البر والتقوى بأمور: - أولها: أن يخرج المؤمن أنانية نفسه وأثرتها، ويسخر طاقاته وإمكاناته في خدمة دينه ودعوته ورسالته، وفي خدمة إخوانه المؤمنين ونفعهم. - ثانيها: أن يضيف المؤمن جهده الفكري والعملي والمالي إلى جهود إخوانه لتتكامل الجهود في تحقيق ما يجتمعون عليه من الخير. - الثالث: أن يبادر كل فرد إلى تقديم العون والمساعدة لغيره من الأفراد لما يقومون به من الخير أو يحتاجون إليه من خير لصلاح أمر دينهم ودنياهم. التعاون على البر والتقوى ضرورة حياتية وفريضة شرعية: 1/ أما لكونه ضرورة حياتية فلأن الفرد قليل بنفسه كثير بإخوانه ضعيف بمفرده قويٌ بتعاون إخوانه، فلا غنى للناس عن التعاون على القيام بمسؤليات الحياة وتحمل أعبائها ومواجهة صعوباتها ومشكلاتها وتحدياتها. 2/ أن الناس لا يمكنهم تحقيق كل مصالح حياتهم التي بها صلاح أمر دينهم ودنياهم ودفع كل المخاطر والمفاسد التي تتعرض لها حياتهم إلا بالتعاون والتناصر فيما بينهم، وذلك ما أشار إليه شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله بقوله: إن مصالح بني آدم لا تتم إلا بالتعاون والتناصر بينهم. 3/ أهداف الناس من بناء مجتمعهم وإصلاحه والنهوض به وتحقيق أمنه واستقراره وجريان حياته على نسق منظم لا يمكنهم تحقيقها إلا بتعاونهم وتناصرهم.
أما لكونه فريضة شرعية : 1- فلأن الإسلام منهاج كامل شامل للحياة الفردية والجماعية وإقامة هذا الدين العظيم في حياة المؤمنين العامة الفردية والجماعية أمر يفرض عليهم التعاون والتناصر على إقامة فرائضه وأداء واجباته والفردية منها والجماعية، وتعظيم شعاره وحرماته وتطبيق مبادئه وأحكامه وفي تنظيم شئون مجتمعهم، وحل مشكلاتها على أساسها، وذلك ما يفرض عليهم التعاون على البر والتقوى. ولكنهم لا يمكنهم أن يعيشوا لدينهم كله، فالكثير من فرائض دينهم وواجباته جماعية، وللقيام بها بالصورة المحققة لمقاصدها يتطلب تعاوناً على البر والتقوى، والقاعدة الشرعية تقول"مالم يتم الواجب إلا به فهو واجب" . 2- لأن واقع المسلمين يفرض عليهم التعاون على البر والتقوى لإصلاح أوضاعهم وأحوالهم والنهوض بأمتهم، وما يواجهه الإسلام والمسلمون من تحديات يفرض عليهم التعاون على البر والتقوى لمواجهتها المواجهة المناسبة، فمتطلبات البناء والإصلاح والنهوض بالأمة ومواجهة التحديات لا يمكنهم الوفاء بها بدون تعاون وتناصر. 3- لأن إيمان المؤمنين بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبما أرسه الله به من الهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله يفرض عليهم التعاون وتبليغ دعوة الله ونشره وإقامة حجة الله على خلقه وأداء رسالته التي أرسل بها رسوله الخاتم صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين وتحقيق أهدافها. 4- لأن أخوة الإسلام التي ربط الله تعالى بها بين المؤمنين توجب على كل مؤمن أن يكون عوناً لأخيه بما يقدر عليه فيما يحتاج إليه من صلاح أمر دينه ودنياه، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ....) .. إلى قوله صلى الله عليه وسلم: (والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه).