الحوار بديل للعنف أو فرض الرأي بالقوة, الحوار يعني الوصول إلى حلول ترضي الأطراف المختلفة, وفي حال عدم الاتفاق التام يتم البحث عن القواسم المشتركة, ومع ذلك فقد تبقى قضايا خلافية تترك للزمن, وسيتم تسوية القضايا محل الخلاف مستقبلاً, هكذا تبنى الحياة ويتعاون البشر على المشاركة في تحمل أعبائها, وقد تمكنت شعوب كثيرة إسلامية وغير إسلامية أن تصل إلى حلول ناجعة لمشكلاتها وحققت بالحوار ما عجزت عنه بالصراع المرير والحروب الدامية . الحوار يعني أن الناس سواسية, وليس من حق جهة أن تتعالى وتفرض الرؤى التي تريد على الآخرين, سواء كانت هذه الجهة سلطة أو معارضة أو حزب أو جماعة أو فئة, ومن حق كل طرف أن يطرح ما لديه بكل حرية ويدافع عن وجهة نظره دون ترهيب أو وصاية من أحد ... لقد ظل اليمنيون يطالبون بالمشاركة في صنع القرار, ومراقبة السلطة والتمتع بحقوقهم, بحيث لا يزعم كائن من كان أنه يتفضل عليهم بما يستحقون, تلك قصة النضال المديد لشعبنا اليمني التواق للحرية والعزة والعيش بكرامة, وكل من وقف ضد إرادة الشعب تجاوزه الزمن بالأمس, وسيتجاوزه اليوم وغداً !! والحوار ليس ملهاة ولا مغالطة ولا ترحيل للمشكلات, وإنما قيمة إنسانية عظيمة تعالج أسباب الصراع بالتفاهم والمنطق وتغليب المصالح العامة, وتساعد على تفرغ الجميع للقيام بواجباتهم, مع ضمان حقوقهم حكاماً كانوا أو محكومين, هكذا خلقنا الله على هذه الأرض لنتعاون ونتكامل ويشدّ بعضنا أزر بعض. ومن أجل الوصول إلى مستقبل مشرق تسوده العدالة والمساواة وتحكمه دولة المؤسسات – لا حكم الفرد أو العائلة - كانت الثورة الشبابية الشعبية السلمية, وجاءت الدعوة للحوار الوطني المسئول للاتفاق على حلول مرضية للقضايا الشائكة وتلك المولّدة للأزمات وفي مقدمتها: شكل النظام السياسي وإصلاح النظام الانتخابي , والاتفاق على نوع الإدارة اللامركزية التي تضمن تمتع المواطن بحقوقه بسهولة ويسر وبدون تعتعة, يدخل في ذلك القضية الجنوبية وقضية صعدة والجهات المحرومة والمظلومة, بحيث ينتهي الضيم والاستئثار والإقصاء ... ومع ضرورة الحوار وأهميته فهناك مخاوف عند كثيرين من نتائجه, وأحياناً الخشية من عدم وصول المتحاورين إلى اتفاق, وهنا تبرز أهمية طمأنة الجميع بأن الحوار لن يقفز فوق الواقع, ولا يمكن أن يؤدي لظلم أي جهة, ولن يتجاوز ثوابت الشعب اليمني, وأن الحكمة والموضوعية ستكون حاضرة في المداولات والنتائج . فمثلاً كثر الحديث عن التدخل الأجنبي في الحوار, وأن الخارج سيفرض مبادئ تخالف الشريعة الإسلامية, ولاشك أن ذلك مرفوض من حيث المبدأ, فاليمن دولة عربية إسلامية, ولن تقبل بأي تشريع يخالف الإسلام, والتعاون الدولي لن يعدو تقديم المساعدة الفنية لإنجاح الحوار, وأما القرارات فيصنعها اليمنيون المتحاورون بأنفسهم, وهم قد أجمعوا على أن الإسلام عقيدة وشريعة . إخواننا في المحافظات الجنوبية يجب أن يطمئنوا بأن الجميع مع إنصافهم ورفع الظلم عنهم, وإعادة الأموال والممتلكات العامة والأراضي المنهوبة إلى مالكيها سواء كانت للدولة أو للأفراد أو الهيئات, وأن المركزية المستبدة لن تعود وأن العدالة والمساواة ستكون مكفولة ... الشباب الذين حملوا لواء التغيير يجب أن يَطْمئنّوا بأن الحوار سيحقق لهم التغيير الذي ينشدونه, وأن النظام السياسي الذي سيُتفق عليه سينهي الاستبداد والظلم, وسيضمن لهم حياة كريمة, وأن الشهداء سيتم تخليد ذكراهم ورعاية أسرهم, وأن الجرحى سيتم استكمال علاجهم ورعايتهم, وأن العدالة ستطال المجرمين . الحوثيون وأهل صعدة لابد أن يطمئنوا بأن الحوار سيمنع تجدد الحروب, وأن من حقهم أن يعيشوا بحرية وكرامة, وأنه سيتم إعادة إعمار ما دمرته الحروب المتعاقبة وتعويض الضحايا والمتضررين, وإعادة النازحين إلى مواطنهم .. الخائفون من تمزيق اليمن وإعادة الفرقة إليه, يجب أن يُطَمْأنُوا بأن الوحدة اليمنية مكسب ستتم المحافظة عليه, وأن الممارسات التي رافقت قيام الوحدة لن يسمح لها بالعودة مرة أخرى, وأن الشراكة الفعلية في السلطة والثروة ستحول دون تكرار الإقصاء والتهميش, ومن حسن الحظ أن المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي اليوم مع الوحدة, ويخشى من تمزيق اليمن لما يترتب على ذلك من مخاطر علي اليمنيين جميعاً وعلى العالم من حولهم .. الشعب اليمني بأفراده وشرائحه بحاجة إلى الخطاب الحاني المُطَمْئن الذي يبدد المخاوف ويصنع التفاؤل, وخير من يقوم بهذا الأخ رئيس الجمهورية ومستشاروه واللجنة الفنية للحوار والساسة وأصحاب القرار والعلماء وحمَلة الفكر والقلم, ولابد أن نسمع مثل هذه الطمأنة من رعاة المبادرة الخليجية حتى يدخل الجميع للحوار تسودهم روح الثقة والأخوة والمحبة, والرغبة الكاملة بالخروج باليمن إلى بر الأمان ... [email protected]